عثررجل فقير على (بيضة)، وعلى الرغم من كونهجائعاً جداً، فإنه امتنع عن أكلها،واستخدم الذرّة الوحيدة الباقية من عقلهلاستعادة الحكمة الصينية القائلةبتعلم الصيد بدلاً من ابتلاع السمكة المهداة منالصياد.
قاللنفسه: ليس عندي أكثر من وقت الفراغ، ولذلك سأجلس فوق هذه البيضةالى أنتفقس، وكل ما سيأتي منها سأتبناه.
وفكرفي الأمر على النحو التالي: إذاكان الوليد فرخ دجاج فسأطعمه أفخر انواع الديدان ليكبرويصبح دجاجة سمينة تبيض ليبيضاً كثيراً آكل بعضه وأبيع بعضه الآخر للملحنين ليسلقوهويقدموه أغاني شبابية.
وإذاتبيّن انه ديك فسأبيعه لأحد احزاب المعارضة ليتخذه رمزاً له، كأن يضعه فوقمزبلةلكي يصيح، فالديك مثل تلك الاحزاب تماماً، يؤمن بأن الشمس لا تشرق إلااستجابةلصياحه.
وإذاتبيّن ان الوليد أوزّة، فسأهديها لأحد معسكرات الحركاتالتصحيحية من أجل ان يتدرب القادةعلى (مشية الأوزة).. أمّا إذا كانت من تلكالأوزات التي تبيض ذهباً، فستصادرهاالسلطة مني، وستعطيني بدلاً منها وساماً منالنحاس، وهو كل ما ينقصني في هذهالحياة.
وإذاتبيّن أن الوليد أفعى، فستلدغنيقبل ان أتبنّاها، وعندئذ سأدخل الجنة باعتباري من شهداءالعمليات الجهادية (المتترّسة)كأيِّ واحد من أطفال العراق السعداء.
أمّاإذا كان الوليد سلحفاة،فسأهديها الى وزارة الاقتصاد، من أجل دفع عجلة التنمية،وبذلك سأكسب الأجر والثواب،اضافة الى تنمية ثوبي برقعة جديدة.
بعدأسابيع من جلوسه فوق البيضة، فقست عنبطّة صغيرة جداً، وبرغم مرور أشهر على خروجها من القشرة،بقيت البطّة ضامرة وبائسةمثل كرة مضرب. وتبيّن للفقير أنها معاقة وعاقر وحولاء أيضاًولا تعرف السباحة علىالاطلاق، لكنّها، والحقّ يُقال، كانت تستطيع أن تقول: (واك).
رضيالرجل بقسمتهصاغراً،وقال في نفسه: إنها ابنتي على كل حال، وإذا أنكرت بنوّتها فإنني لن أهنأبأكلهالأنها أقلّ من لقمة. وعليه فإنني سأبقيها معي لكي تؤنسني.
ولميدر الرجلذوالنية الطيبة بما تخبئه له الأقدار، فما أن سمعت وسائل الاعلام بخبر البطّةالمعاقةالحولاء، حتى هبّت جميعها في منافسة حامية من أجل توقيع عقود عمل معها.
وفيالنهاية فازت فضائية (آكلك منين يابطة) بتوقيع عقد مع الرجل تدفع لهبمقتضاهمبلغاً ضخماً من المال، مقابل ان تحتكر طلّة البطلة المعجزة على شاشتها (حصرياً)كقائدة للتغيير، من خلال تقديمها للبرنامج الاجتماعي الهادف (أكاديميةالبطّ).
لكنالمحطة نبّهت الرجل الى أنه ليس بالـ ( واك) وحده يحيا البطّ ،وأنّشرط المذيعة الناجحة هو أن تضحك عند إطلالتها على الجمهور.. حتّى لو كانت تذيعخبراًعن مصرع مائة طفل بانفجار سيارة مفخخة. وأبلغته بأنَّ القناة تضع مسألةالضحك،في هذه الحالة، ضمن بند (شر البليّة).
وأمامهذا الشرط اضطرّ الرجل إلىتدريب البطّة على الضحك، لكي تستكمل المؤهلات الضروريةللنجاح الفني، خاصة أنهاجاءت إلى الدنيا وكلّ مؤهلاتها الاصلية معها: عارية.. وتهزّ.
ظليكرّر عليهاصبح مساء:(قاه قاه قاه).. وبعد وقت طويل وجهد جهيد تعلمت كيف تضحك. لكن لأنهامعاقةوغبية وحولاء، فقد تعلّمت أن تضحك بالمقلوب: (هاق.. هاق).
وقدكان هذانذيركارثة لم تكن في الحسبان، إذ لم يمض زمن حتّى سمعتها إحدى الحركات الجهادية،فاختطفتهاعلى الفور، وحكمت باعدامها لأنها سكرانة !
وفيمفاوضة يائسة حاولالرجل اقناع هيئة عملاء المسلحين - التي كانت تتوسط بينهوبين المجاهدين - بأنّبطته عندما قالت (هاق هاق) لم تكن سكرانة، لكنها غبية تضحكبالمقلوب.
ولمتصلالمفاوضاتالى نهاية طيبة، ذلك لأن الضحك في مفهوم المجاهدين لم يكن أقل إثماً منالسكر!
وعلىالفور قامت المجموعة الخاطفة بذبح البطّة، وأرسلت شريط ذبحها إلىفضائية(الذئب الوديع).. لكن الأخيرة امتنعت عن عرض الشريط، لأنه، حسب تصريح الناطقباسمها،يصدم المشاعر الانسانية، ويحرّض على قتل البطّ ، الأمر الذي يعتبر خروجاًعلىالقواعد المهنية !
من ادبيات احمد مطر
الموت لنا