مقال سماحة الأستاذ بناهيان بعد الأحداث الأخيرة في اليمن
بعد الأحداث الأخيرة في اليمن أصدر سماحة الأستاذ بناهيان مقالا في موقع البيان المعنوي تحت عنوان «دعوة لصرخة الاستغاثة» فإليكم نصّه:
بسم الله الرحمن الرحيم
دعوة لصرخة الاستغاثة
بناءً على ما نستشفّه من النصوص الدينية حول آخر الزمان، لا يكون الفرج إلا بعد تحقّق أمرين مهمّين لدى الأمة الإسلاميّة: أحدهما هو أن يكون المؤمنون على قمّة المعرفة والقدرة ممّا يحكي عن استعدادهم لنصرة ولي الله وإقامة الحق، والآخر هو أوج المظلوميّة والاضطرار إلى الفرج مما يدل على كثرة العداء لهم، وهذا ما يقودهم إلى دعاء وتضرّعٍ ما له من مثيل، ويستدرجهم إلى أقصى حالات الاستغاثة للفرج والدعاء لانتصار الحق على الباطل.
منذ غرّة انتصار الثورة الإسلامية في إيران كنّا بانتظار تحقّق تنبآت إمامنا الراحل وسماحة السيّد القائد، لتصبح ثورتنا الإسلامية منطلقاً للصحوة الإسلامية واقتدار أمّة الإسلام؛ الأمر الذي بدأ يتحقق يوما بعد يوم حتى كان فوق تصوّرنا وها نحن الآن نعيش التطورات والأحداث متفاجئين غير مصدِّقين. لقد أصبحنا الآن نتفهّم سبب عداء الاستكبار العالمي وحقده على الثورة الإسلاميّة في إيران أكثر بكثير من أوائل الثورة. اليوم وبعد ما آلت أمواج صحوة الأمة الإسلامية جميعا إلى اقتدار المؤمنين، نستطيع أن نعرف جيدا وأفضل من أي زمان آخر أن لماذا شنّ الاستكبار علينا حربا لثمان سنوات. لقد كان يهدف إلى استئصال شعب كامل لغرض تجفيف جذور هذه الصحوة. لقد أضحت قوّة المؤمنين اليوم مدعاة لأمل مستضعفي العالم كما أصبحت ـ حسب إقرار الصديق والعدو ـ بادرة لزوال المستكبرين.
ولكني كنت أتساءل مع نفسي دوماً أنه مع تزايد قوّة المؤمنين يوما بعد يوم، هل سوف نرى لهم مظلومية واضطرارا أكثر مما عهدناه لحدّ الآن؟ وهل سوف نجتاز حالتنا العادية في الدعاء للفرج ونبلغ إلى أوج الاستغاثة المتوقع وقوعها عند قرب الظهور؟ فأنّى يتحقق ذلك وما هي الأزمات التي سوف تدفعنا إلى أقصى درجات الاستغاثة ومنتهى المظلوميّة؟ لقد كان جهاد المؤمنين على مرّ هذه السنين ولا سيّما في جبهة الدفاع المقدّس والسنين الأخيرة مصحوبا بالمظلومية والحرمان الكثيرين، ولكن بالرغم من كلّ ذلك كنت أخشى مجيئ ظروف أصعب بحيث تؤدي بنا إلى أقصى حالات المظلومية ونحن في أوج الاقتدار.
أظن أن قد حدثت تلك الظروف وها نحن قد دخلنا في شدائد جديدة. لقد كانت الأمة الإسلامية قد دخلت في شوط جديد من الظلامات منذ انطلاقة حركة الصحوة الإسلامية وقد مارس هذا الظلم الإرهابيون الحاضرون في المنطقة ولا سيما في سورية والعراق، ولكن بعد قيام ثورة اليمن في سبيل التحرّر من قبضة عملاء المستكبرين وبعد تجلّي قوّة المؤمنين أكثر من قبل، وظهور بوادر انتصارات المقاومة الباهرة ضد الإرهابيّين، لم تعد جبهة الكفر تجامل جبهة الحق. بحيث أصبحنا اليوم نشاهد ممارستين لا سابق لهما لجبهة الاستكبار: إحداهما الجرائم العلنيّة، والأخرى الخيانات الخفيّة. لقد انتهى اليوم الحد الأدنى من مراعاة الاستكبار لحقوق الإنسان في جبهة الحق. فقد عزم على أن لا يعطي أي فرصة لتعاظم قوّة الحق. حتى لم يعد مستعدّا لمراعاة الظاهر والاكتفاء بأساليب الضغط السياسي، أو أن يرتكب جرائمه عبر التيارات التكفيرية وفق أساليبه المعهودة. فانظروا كيف انهال عملاء الاستكبار بقنابلهم على الشعب اليمني بلا أن يتعبوا أنفسهم في تكوين تحالف موجّه دوليّا ولو بحسب الظاهر. فكأنهم وجدوا اليمن ساحة لتمرين التهاجم المتعدّد الأطراف على جبهة الحق.
ومن جانب آخر يحاول الاستكبار وعبر المآمرات خلف الكواليس، وشتّى محاولات التهديد والإغراء أن يضطرّ جبهة المقاومة الشعبية ضدّ الإرهاب في جبهات العراق والشام، إلى التراجع والتنازل وهي مظلومة. وقد جرّعوا أصحاب القرار في جبهات الحقّ كؤوس السمّ. بحيث كلّ ما شاهدنا تراجعا أو توقّفاً في عمليّة القضاء على الإرهابيّين، لابدّ أن نعتبره نتيجة ضغوط الاستكبار الخفيّة والجليّة.
إن هاتين الظاهرتين غیر المسبوقتين المتمثلتين بالتهديدات السرّية والعلنية على المؤمنين الأقوياء، تحكيان عن غاية مظلوميّة الأمّة الإسلاميّة. فإن استمرّت هذه المظلومية بلا تسديد من جانب الرب اللطيف ولا دعاء الإمام صاحب الزمان(عج) سوف تنقلب جميع الآمال إلى يأس وتنجر إلى خسائر دامية جدّا في جبهة الحق. وفي هذا الخضمّ لا تزال تُتّهم إيران الإسلامية والمظلومة وتدان، حتى وكأنه لم يعد الاستكبار يسعى لتضليل الرأي العام ولا يخشى فضيحته.
إن تهذير بعض أتباع الاستكبار في المنطقة وتهديدهم إيران الإسلامية يشمّ منه رائحة الدم. لقد أميط لثام النفاق وبدت الأحقاد السالفة وقد أقبل الأعداء على إجراء العمليّات الانتحارية ضدّ جبهة الحق. فقد انتهى شوط الحياة العادية والرتيبة للأمة الإسلامية. فها نحن قد أصبحنا بين تكليفين لا مناص منهما؛ تقوية الأمّة الإسلامية وتعزيزها من جانب، والاضطرار إلى الله والاستغاثة به لظهور الإمام صاحب الزمان(عج) من جانب آخر.
لقد أضحت جبهة الباطل تعدّ اللحظات لكسر الخطوط الأمامية والهجوم على مركز الثورة الإسلامية العالمية، أي إيران الإسلام. يجب علينا في هذه الظروف التاريخيّة الحسّاسة ـ وفي نفس الوقت الذي نجهّز فيه أنفسنا ونعزّز استعدادنا يوما بعد يوم وننصر المجاهدين في الخطوط الأماميّة في جميع الجبهات ـ أن نطلق صرخة الاستغاثة للفرج. فإن من شأن هذه الاستغاثة أن تأهّلنا للفتح وإنها لضرورة لرشد الأمّة الإسلاميّة. نستطيع عبر صرخات الاستغاثة أن نوفّر جميع الأسباب المعنويّة للنصر في أوج الغربة والاضطهاد. إن الله معنا وإن استجابته لفي انتظار ارتقاء أدعيتنا إلى الذروة. لا ينبغي أن نغترّ بقوّة مجاهدينا، بل يجب أن تكون قوتهم سببا لتعزيز أملنا و دعائنا للفرج. كما لا ينبغي أن تكون كثرة مظلوميتنا مدعاة لليأس والرعب، بل يجب أن تعزّز إيماننا واستعانتنا بربّ العالمين.
فهيّا نبيّن في مساجدنا ومجالسنا الدينيّة ما يجري على أمة الإسلام أكثر مما يمكن ذكره في وسائل الإعلام الرسميّة ونُقِمْ مجالس الدعاء للفرج وننصرْ مجاهدي جبهة الحق بصرخات الدعاء والاستغاثة، وإلّا فلابدّ أن نرى مشاهد لا تحصى من الجرائم والقتل الذريع في أزقّة مدننا. فكما قد نفدت طاقة جبهة الكفر في احتمال جبهة الحق ولم تعد تتظاهر بمراعاة الحد الأدنى من حقوق أمّة الإسلام، بحيث عمدت إلى اجتثاث أمّة الإسلام برمّتها، تعالوا لا نتحمّل امتداد زمن الغيبة أكثر.
علي رضا بناهيان
31/03/2015