د.اقبال سعيد
الأحد 11-03-2012
تعتبر جريمة غسيل الاموال اخطر انواع الجرائم فهي جنائية من ناحية وجريمة اقتصادية من ناحية اخرى وكونها جنائية تعني اخفاء مال متحصل من اثر جريمة جماعية مثل (جرائم المخدرات ، الارهاب، تجارة الاعضاء البشرية ، تجارة الرقيق ، الاستيلاء على اموال المصارف ..الخ)
وهي من الجرائم الاقتصادية المؤثرة على الاقتصاد الوطني للدولة . ان جريمة غسيل الاموال كغيرها من الجرائم لها جانبان جانب مادي يتمثل فيما يصدر عن مرتكبها من افعال مما تترتب عليها اثار تظهر الى العالم الخارجي وهو ما يطلق عليه قانونا الركن المادي للجريمة والجانب الاخر هو جانب نفسي يتمثل في الادراك والتمييز اي مايدور في نفس مرتكب الجريمة من علم وما يصدر عن ارادته وهو ما يطلق عليه بالركن المعنوي للجريمة.
يعني مصطلح غسيل الاموال ان هذه الاموال القذرة اذا بقيت في ايدي حائزيها فان ذلك يؤدي الى اكتشاف نشاطهم الاجرامي لذلك يسعون هؤلاء الاشخاص بكل الطرق سواء كانت طرقاً تجارية ام غير تجارية لالغاء الاصل غير الشرعي لهذه الاموال.
ان تعبير غسيل الاموال لم يكن معروفا في السابق وكان يعرف بجريمة ذوي الياقات البيض وقد تم استخدام هذا الاصطلاح من قبل الولايات المتحدة الامريكية اولا بتسمية عمليات غسيل الاموال التي كانت تقوم بها عصابات المافيا مثل المصطلحات الاخرى كتبييض الاموال او تنظيفها او تطهيرها . ان اصطلاح غسيل الاموال يرجع من حيث مصدره الى عصابات المافيا، حيث كان يتوفر بيد هذه العصابات اموال نقدية طائلة (غالبا بفئات صغيرة) ناجمة عن الانشطة غير المشروعة وفي مقدمتها المخدرات والقمار والانشطة الاباحية والابتزاز وتجارة المشروبات المهربة وغيرها ، وقد احتاجت هذه العصابات ان تضفي المشروعية على مصادر اموالها عوضا عن الحاجة الى حل مشكلة توفر النقد بين يديها ومشكلة عدم القدرة على حفظها داخل البنوك ، وكان احد ابرز الطرق لتحقيق هذا الهدف شراء الموجودات وانشاء المشاريع ، وهو ما قام به احد اشهر قادة المافيا (آل كابون) ، وقد احيل (آل كابون) عام 1931 الى المحاكمة ، لكن ليس بتهمة غسيل الاموال غير المعروفة في ذلك الوقت، وانما بتهمة التهريب الضريبي ، وتم التحقيق بخصوص المصادر غير المشروعة لهذه الاموال في تلك المحاكمة خاصة عند ادانة (مير لاسنكي) لقيامه بالبحث عن وسائل لاخفاء الاموال باعتباره المحاسب والمصرفي العامل مع آل كابون ، ولعل ما قام به (ميرلا سنكي) في ذلك الوقت وفي بدايات تطور الصناعة المصرفية يمثل احد ابرز وسائل غسيل الاموال فيما بعد ، وهي الاعتماد على تحويل النقود الى مصارف اجنبية واعادة الحصول عليها عن طريق القروض.
وقد عاد المصطلح (غسيل الاموال) للظهور مجددا على صفحات الجرائد ابان فضيحة (ووترجيت) عام 1973 في اميركا ، لكن ظهوره القانوني تحقق في اول دعوى امام القضاء الامريكي عام 1982 ، ومنذ ذلك الوقت جرى شيوع الاصطلاح للدلالة على انشطة اسباغ المشروعية على الاموال القذرة المتحصلة من مصادر غير مشروعة عن طريق ادخالها ضمن دائرة الاموال المشروعة في عملية تتخذ مراحل متعددة واشكالاً عديدة ان هناك عدة طرق وانماط واشكال ووسائل تجري لغسيل الاموال القذرة منها تحويل الاموال القذرة الى اصول مالية (مواد ثمينة) وموجودات عقارية . لذلك تبقى البيئة المصرفية الاكثر استهدافا لانجاز انشطة غسيل الاموال من خلالها واذا كانت البنوك مخزن المال فانه من الطبيعي ان توجه انشطة غاسلي الاموال القذرة الى البنوك وذلك باجراء سلسلة من عمليات مصرفية لتسبغ صفة المشروعية عليها.
ان جريمة غسيل الاموال ترتبط باذهان الناس بجريمة المخدرات حتى ان جهود المكافحة الدولية لغسيل الاموال جاء ضمن جهود مكافحة المخدرات التي تم تضمينها في اتفاقية الامم المتحدة بمكافحة المخدرات لعام 1988 ولجنة بازل المتعلقة بالاشراف البنكي عام 1988 التي قامت باصدارقانون المبادىء الذي حظر بموجبه استخدام البنوك للنشاطات الاجرامية لاهداف غسيل الاموال وكذلك جاءت لجنة العمل الاقتصادي المتعلقة بغسيل الاموال والتي تم تأسيسها بمبادرة من رؤساء الدول الصناعية السبع عام 1990 وكذلك اعلان كينغستون بشان غسيل الاموال عام 1992.
على الرغم من ان الجريمة مرتبطة بجريمة المخدرات الا ان واقع الحال خاصة في بلداننا النامية يشير الى ارتباطها اكثر بانشطة الفساد المالي والوظيفي من قبل المتنفذين والمتحكمين في السلطة والتي ادت الى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلا لغسيل الاموال لكي يتمكن اصحابها من التمتع بها . حيث يقوم غاسلو الاموال باستعمال الاموال القذرة في شراء الاصول المادية العينية كالسيارات والقوارب واليخوت والطائرات والعقارات والمعادن الثمينة والسلع الترفيهية باهظة الثمن .
لقد تعرض العراق الى هذه الجريمة في ظل الوضع الاداري والمالي الذي مزقته الحرب والتطاحن السياسي حيث نجد الفساد مستشرياً في لغلب مفاصل الدولة خاصة ان العراق تربة خصبة لنمو هذه الجريمة كونه يعيش على بحيرة من النفط.
لقد تنامت ظاهرة غسيل الاموال في العراق والتي شجعتها الظروف السياسية والامنية للبلاد في السنوات الاخيرة كما هو الحال في قضية عقود وزارة التجارة وغيرها من ملفات الفساد التي كشفت عنها اميركا مؤخرا وكذلك انتشار الرشا والاختلاس في اغلب المفاصل الحكومية .
وبعد انتشار حالات الفساد في العراق تم وضع قانون بامر من سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 93 لسنة 2004 وقد اخذ القانون به بالمفهوم الواسع لجريمة غسيل الاموال ، حيث نصت المادة الثالثة من القانون بامر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 93 لسنة 2004 على ان غسيل الاموال هو : كل من يدير او يحاول ان يدير تعاملاً مالياً يوظف عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني عارفا بان المال المستخدم هو عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني او كل من ينقل او يرسل او يحيل وسيلة نقدية او مبالغ تمثل عائدات بطريقة النشاط غير قانوني عارفاً بان هذه الوسيلة النقدية او المال يمثل عائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني .
أ-مع نية المساعدة على تنفيذ نشاط غير قانوني او الاستفادة من نشاط غير قانوني او لحماية الذين يديرون النشاط غير القانوني من الملاحقة القضائية.
ب- العلم بان التعامل مفتعل كلا او جزءا لغرض:
1ـ التستر او اخفاء طبيعة او مكان او مصدر او ملكية او السيطرة على عائدات النشاط غير القانوني
2ـ لتفادي تعامل او لزوم اخبار اخر . ان جريمة غسيل الاموال تفترض بالضرورة وقوع جريمة سابقة عليها هي الجريمة التي حصل منها المال المراد غسله وهو بمثابة ركن مفترض في جريمة غسيل الاموال وهو ارتكاب جريمة اولية يعقبها جريمة تابعة.
3ـ المساعدة على تنفيذ نشاط غير قانوني او الاستفادة من نشاط غير قانوني او حماية الذين يديرون النشاط غير القانوني من الملاحقة القضائية.
4ـ القيام باي فعل لغرض تفادي اي قانون او لتجنب وجوب الابلاغ عن التعامل بموجب اي نظام او قانون هذا بالنسبة الى الركن المادي للجريمة اما في الركن المعنوي للجريمة فقد اشترط القصد الجنائي الخاص عندما نص صراحة على ضرورة ان يكون الجاني (الغاسل) قد قصد من نشاطه ادارة او محاولة ادارة العائدات بطريقة ما لنشاط غير قانوني او التستر او اخفاء طبيعة او مكان او مصدر او ملكية او السيطرة على عائدات النشاط غير القانوني او تفادي اي قانون او لتجنب وجوب الابلاغ عن التعامل بموجب اي نظام او قانون فاذا لم تتجه ارادة الجاني (الغاسل) الى تحقيق امر من هذه الامور فلا مجال لتقرير مسؤوليته.
كذلك عند صدور قانون البنك المركزي العراقي في 6آذار / مارس 2004 ذكر فيه وبموجب الفقرة (و) من المادة (7) من قانون مكافحة غسيل الاموال التي نصت على انه يقوم البنك المركزي العراقي بكتابة وتزويد المؤسسات المالية بقائمة بالافراد او المؤسسات التي يكون على المؤسسات المالية ان تبلغ الهيئة المعنية للحكومة العراقية عن تعاملاتها عند اكتشافها ويمكن الحصول على كافة القوائم باسماء الهيئات والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة وطالبان الواردة في قرارات لجنة مجلس الامن (1267) خلاصة القول ان المشرع العراقي قد وضع قانوناً لغسيل الاموال ووضع عقوبات وفرض على الاشخاص والمؤسسات التي تخالف احكام قانون غسيل الاموال جملة من العقوبات بعضها يعد من قبيل العقوبات الاصلية المقررة للجريمة والبعض الاخر يعد من قبيل العقوبات التكميلية.