مقالة عنالعراق وظاهرة غسيل الأموال
د. ايسر ياسين ظهرت قضية غسيل الأموال بأهمية كبيرة على الساحة الاقتصادية العالمية خلال الفترة الأخيرة، إدراكاً من المجتمع الدولي لآثارها السلبية على الاستقرار الاقتصادي، خاصة على مناخ الاستثمار المحلي والدولي، ولذلك يتزايد الاهتمام بها وبسبل مواجهتها من قبل العديد من الدول والمنظمات الدولية والمراكز المالية الكبرى، حيث تهدد هذه الظاهرة الاقتصاد العالمي خاصة اقتصاديات العالم النامي ومن بينها الاقتصاديات العربية.
إن ظاهرة غسيل الأموال هي جريمة لاحقة لانشطة جرمية حققت عوائد مالية غير مشروعة وتعرف على انها إعادة تدوير الأموال الناتجة عن الأعمال غير المشروعة في مجالات وقنوات استثمار شرعية لإخفاء المصدر الحقيقي لهذه الأموال ولتبدو كما لو كانت قد تولدت من مصدر مشروع ومن أمثلة هذه الأعمال غير المشروعة (الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات - الرقيق - الدعارة - الأسلحة) كما تعرفها بعض القوانين على انها ارتكاب أي فعل أو الشروع فيه يقصد من ورائه إخفاء أو تمويه أصل حقيقة مكتسبة خلافاً للشرع أو النظام وجعلها تبدو كأنها مشروعة المصدر.
ويحمل مثل هذا العمل العديد من الآثار والتي من أبرزها ما يلي:
• استقطاعات من الدخل القومي ونزيف للاقتصاد الوطني لصالح الاقتصاديات الخارجية.
• زيادة السيولة المحلية بشكل لا يتناسب مع الزيادة في إنتاج السلع والخدمات.
• توسع ظواهر الفساد المالي في المجتمع ما يؤدي إلى ضعف كيان الدولة واستشراء خطر جماعات الإجرام المنظم.
لقد مثل التحول الكبير في الواقع العراقي بعد عام 2003 والانفتاح المفاجئ والكبير للاقتصاد العراقي دون امتلاكه لابسط المقومات التي تحول دون وقوعه في فخ عصابات غسيل الاموال،كان فرصة مؤاتية لعصابات غسيل الاموال ومافياتها وهو الامر الذي حاولت ان تحول دونه سلطة الائتلاف السابقة وذلك من خلال قانون مكافحة غسيل الاموال بموجب الامر رقم 93 لسنة 2004 وهو القانون الذي شابه العديد من نقاط الخلاف في تفسير مواده والاجراءات الفنية والادارية المرافقة له.
ان انفتاح العراق على الاستثمار الاجنبي وحجم المشاريع المطروحة له والتي تختلف الجهات المشرفة عليها باختلاف مشاربها بين وزارات عراقية وهيئات استثمار المحافظات والهيئة الوطنية للاستثمار ومجالس المحافظات وافتقارها في احيان كثيرة الى المعرفة المطلوبة بمخاطر غسيل الاموال وتمييزها عن الاستثمار المشروع، كل ذلك يدعونا إلى دق أجراس الخطر من حجم الاموال التي ستدخل العراق في المرحلة القادمة ونحن ندعو اليوم الى مشاريع رائدة لعل من ابرزها مشروع المليون وحدة سكنية والتي اعلنت عنها الهيئة الوطنية للاستثمار بالإضافة الى مجموعة واسعة من المشاريع الاستثمارية الستراتيجية وضرورة التأكد من مصادر رؤوس الأموال الداخلة في مثل هذه المشاريع.
من المؤسف ان الوزارات العراقية تعتبر ان القوانين التي تعمل ضمن اطارها هي التي تتمتع بالحصانة الكاملة من سلطة باقي القوانين المرعية في العراق والتي منها قانون مكافحة غسيل الاموال والذي يشرف عليه البنك المركزي العراقي، لذلك لا بد من توجيه دعوة لنا جميعاً للتعالي عن صغائر الامور والارتقاء الى ادراك مخاطر هذه الآفة على مجمل العملية التنموية في العراق.