قبل شهرين و عند زيارتي للعاصمة الاردنية عمان و حال استئجاري لاحدى سيارات الاجرة قرب فندق شيراتون كان السؤال الاول الذي بادرني فيه سائق التاكسي هل انت موظف عراقي و هل ترغب بشراء احدى الفيلات و راح يشرح لي خبرته كسمسار في العقارات و التي لا تقل قيمة الفيلا الواحدة عن ربع مليون دولار فما فوق . و عند استغرابي تصرف سائق التاكسي و ربطه بين كوني موظفا و البحث عن فيلا في عمان اخبرني احد اصدقائي السر في ذلك ؟ و هو ان اكثر المختلسين من العراقيين يقومون بغسيل اموالهم المتحصلة نتيجة الفساد الاداري و يحولونها الى عمان لشراء عقارات تضمن مستقبلهم من اموال السحت الحرام المتحصل من اموال الفساد الاداري المتفشي في العراق و جرائم تمويل الارهاب و الاموال المتحصلة من الجرائم الارهابية المتفشية هي الاخرى .
و في الحقيقة ما هذه العملية الاعملية غسيل الاموال ( Money Laundering ) و التي تعتبر من اخطر جرائم العصر و هي جريمة لاحقة لانشطة جرمية حققت عوائد مالية غير مشروعة ، فكان لزاما اسباغ المشروعية على العائدات الجرمية او ما يعرف بالاموال القذرة ، ليتاح استخدامها بسهولة و بشكل علني ، ولهذا تعد جريمة غسيل الاموال مخرجا لمازق المجرمين المتمثل بصعوبة التعامل مع متحصلات جرائمهم خاصة تلك التي تدر اموالا باهظة ، كتجارة المخدرات وتهريب الاسلحة والاتجار بالاشخاص وانشطة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاس وغيرها. وتجدر الاشارة هنا ان الذهن العام بخصوص جرائم غسيل الاموال ارتبط بجرائم المخدرات ، بل ان جهود المكافحة الدولية لغسيل الاموال جاءت ضمن جهود مكافحة المخدرات ولهذا نجد ان موضع النص دوليا على قواعد واحكام غسيل الاموال جاء ضمن اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة المخدرات ، ومبرر ذلك ان انشطة المخدرات هي التي اوجدت الوعاء الاكبر للاموال القذرة بفعل متحصلات عوائدها العالية ، غير ان هذه الحقيقة آخذة في التغيير ، اذ تشير الدراسات التحليلية الى ان انشطة الفساد المالي والوظيفي خاصة في الدول النامية من قبل المتنفذين والمتحكمين بمصائر الشعوب ادت الى خلق ثروات باهظة غير مشروعة تحتاج لتكون محلا لغسيل الاموال كي يتمكن اصحابها من التنعم بها.
وجريمة غسيل الاموال جريمة عابرة للحدود ذات سمات عالية ، ومن هنا ايضا ليس بالسهل مكافحتها دون جهد دولي وتعاون شامل يحقق فعالية انشطة المكافحة .
و في العراق اصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة قانون مكافحة غسيل الاموال بموجب الامر رقم 93 لسنة 2004 و الذي يعتبر قفزة نوعية في مجال التشريع العراقي و لكن كما هو حال بقية التشريعات التي اصدرتها سلطة الائتلاف المؤقتة جاءت الترجمة العربية غير متناسقة مع صيغة التشريعات العراقية و اللغة القانونية السائدة و كما قيل سابقا فان الامانة فضيلة في كل شيء الا في الترجمة جاءت ترجمة النص الانكليزي للامر 93 بالامانة الحرفية التي افقدتها روح اللغة القانونية السائدة في العراق . و من اهم الملاحظات على امر 93 هي التالية: -

عند تدقيق المواد العقابية في القانون نرى انها ساوت بين ارتكاب الجريمة و الشروع فيها و هو مبدأ جزائي لم تعهده التشريعات العراقية من قبل سوى في جريمة التهريب الكمركي المنصوص عليها في المادة 194 من قانون الكمارك المرقم 23 لسنة 1984 . و اما المواد العقابية في القانون فهي التالية : -

المادة الثالثة :
جاءت هذه المادة لمعاقبة استعمال المال المتحصل من ارتكاب جريمة و بالتالي تعتبرتعديلا لاحكام المادة 460 و المادة 461 من قانون العقوبات النافذ رقم 111 لسنة 1969 .
و نصت هذه المادة على معاقبة مخالف احكامها بالسجن مدة لا تزيد على 4 سنوات و هذا يتعارض مع احكام المادتين 25 و 26 من قانون العقوبات النافذ و الذي حدد عقوبة السجن من خمس سنوات فاكثر للجنايات و عقوبة الحبس من ثلاث اشهر لغاية خمس سنوات للجنح اما نص قانون مكافحة غسيل الاموال بالحبس مدة لا تزيد على اربع سنوات فهو خطأ في الترجمة و كان الاولى تصحيح هذا الخطأ باعتباره خطأ مطبعيا بدلا من هذا التناقض الواضح بين السجن و الحبس .

المادة الرابعة :
و عرفت هذه المادة التمويل الارهابي بالاتي : كل من يقدم او يدعو شخص اخر لتقديم مال او دعم او تمويل او خدمات اخرى ذات صلة بذلك قاصدا استعمالها او عارفا انها من المحتمل ان تستعمل كلا او جزءا لتنفيذ :
أ – عمل او امتناع يقدم فائدة الى جماعة ارهابية.
ب – اي عمل او امتناع يقصد تسبيب موت او اذى بدني خطير لشخص مدني او اي شخص اخر ليست لديه مساهمة فعالة في شحن وضع الصراع المسلح , اذا كان الغرض من العمل او الامتناع هو ترويع العامة او التضييق على منظمة حكومية او دولية لغرض عمل او الامتناع عن اي نشاط .
و الحقيقة ان قانون مكافحة الارهاب رقم 13 لسنة 2005 المنشور في جريدة الوقائع العراقية رقم 4009 لسنة 9 - 11- 2005 لم ياتي بتعريف لجريمة تمويل الارهاب و انما اكتفى بتعريف جريمة الارهاب في المادة الاولى منه الا انه مع هذا يعتبرا معدلا لاحكام جريمة التمويل لاغراض ارهابية حيث جاء في المادة الثانية منه – تعد الافعال التالية من الافعال الارهابية: فقرة (4) العمل بالعنف و التهديد على اثارة فتنة طائفية او حرب اهلية او اقتتال طائفي و ذلك بتسليح المواطنين او حملهم على تسليح بعضهم بعضا و بالتحريض او التمويل . و جاء في المادة الرابعة من نفس القانون : يعاقب بالاعدام كل من ارتكب – بصفته فاعلا أصليا او شريك عمل ايا من الاعمال الارهابية الواردة بالمادة الثانية و الثالثة من هذا القانون , يعاقب المحرض و المخطط و الممول و كل من مكن الارهابيين من القيام بالجرائم الواردة في هذا القانون بعقوبة الفاعل الاصلي.

المادة الخامسة و المادة 20 فقرة 5 :
و التي جاءت لمعاقبة من ينشأ او يحاول ان ينشأ مؤسسة مالية بالمصطلح المستخدم لاغراض هذا القانون لتفادي الاخبار المطلوب و يمكننا القول انها جاءت تعديلا للمادة 240 من قانون العقوبات التي كانت تعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد عن مئة دينار .

المادة السادسة:
جاءت بشيء من الغموض في الصياغة حيث جاء في نصها " بتغريم الشخص للحكومة العراقية باي مال عيني او شخصي بضمنها على سبيل المثال لا الحصر المبالغ المستعملة في الجريمة" فالعقوبات يجب ان تكون محددة و واضحة و لا تاتي على سبيل المثال لا الحصر كما جاء في نص المادة اعلاه كما ان المبالغ المستخدمة و المتحصلة من الجريمة عند مصادرتها فان هذه تعتبر من العقوبات التكميلية كما جاء ذكرها في المادة 101 من قانون العقوبات .

المادة 19 فقرة 4 :
جاءت بعقوبة مشددة لجريمة عدم الاخبار عن المعاملات التي من المحتمل ان تكون مشبوهة بغرامة لا تزيد عن 10 ملايين دينار عراقي او الحبس لمدة لا تزيد عن سنة واحدة او كلاهما و هذا الحكم يعتبرا معدلا للعقوبة المنصوص عليها في المادة 245 من قانون العقوبات التي تعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة و بغرامة لا تزيد عن مئة دينار او احدى هاتين العقوبتين .

ان الصياغة الركيكة لنصوص قانون مكافحة غسيل الاموال و العقوبات التي تعتبر مخففة مقارنة مع خطورة الجريمة تستدعي اعادة النظر في احكامه او على الاقل اعادة ترجمته و صياغته حسب الصياغة القانونية السائدة في العراق هذا من ناحية التشريع اما من ناحية التطبيق فان جريمة غسيل الاموال تمتد اثارها الى العديد من الدول و خاصة المجاورة للعراق مما يستدعي نشاطا دبلوماسيا لتفعيل الاتفاقيات الثنائية و الدولية مع هذه الدول لحصر الاموال العراقية المهربة بعد عام 2003 الى هذه الدول و محاسبة مهربي الاموال و معرفة مصدرها و ان تم ذلك فسنكتشف ان الكثير من هذه الاموال هي حصيلة غسيل الاموال و الكثير من مالكي فيلات و قصور عمان انما هم من موظفي الدولة ذوي الدخل المحدود؟
جليل عباس علي
الحوار المتمدن - العدد: 1838 - 2007 / 2 / 26 - 11:23
المحور: دراسات وابحاث قانونية