قصه اعجبتني
بعدما أفاقت الأم الجديدة من نومها
إثر ولادة مؤلمة
ضَغَطَتْ زِر الجرس بجانب السرير
فجاءت الممرضة على عجَل تلبيةً لندائها
طلبتْ الأم منها رؤية مولودها الجديد
فذهبت الممرضة لحاضنة المواليد، وأحضرته
كانت الممرضة مرتبكة وهي تضع الرضيع بين يدي الأم المسرورة
وخرجت بسرعة بعدما أودعته بين يديها
وعندما همَّت الأم بإزاحة الأغطية التي تُدثِّر صغيرها
أخافها ما رأتْ..
طفلاً بلا أذنين!
قضتْ إرادة الله أن تُرزَق الأم طفلاً ناقص التكوين
ومع جزَع الأم وحزنها الكبير على ابنها
إلا أن خوْفها من أن يعيش بلا سمع كان أكبر
لكن الأيام أثبتت أن قدرة الطفل على السمع لم تتأثر كثيراً
بانعدام وجود أذنين خارجيتين كباقي البشر
كانت محبة الأم كبيرة لإبنها
ولم يتأثر هذا الحب أبداً بشكله غير المألوف
لكنها كانت تعلم في داخلها
بأن حياته ستصبح سلسلة من الأزمات النفسية الخانقة
بسبب شكله الذي يبدو غريباً لبقية الناس
وبالفعل
بدأت الأزمات تتوالى مع تقدم عُمرِه
تارة في الشارع مع أقرانه
وتارة مع تلاميذ مدرسته
كان حُضن أمه ملاذاً آمناً له
في كل مرة يسمع فيها ما يجرح شعوره ويثير استياءه
في إحدى المرات
كان بكاؤه شديداً عندما دخل البيت فاراً إلى حضن أمه
كانت كلماته المتقطعة والمبحوحة كافية لإظهار تأثره الشديد
عندما نعتَهُ أحد أصدقائه بالوحْش
يكاد قلب أمه يتقطع
مع كل مرة يتقطع فيها صوته من نوبات البكاء الشديدة
التي تتسبب بها قسوة أقرانه
ومع كل مآسي الطفل
إلا أن أداءه في المدرسة كان متميزاً
فقد رُزِق موهبة كبيرة في اللغة وآدابها
فكان يقرأ ويكتب بامتياز
وربما دفعه نقصه الخِلْقي للتميُّز
ولم يكن الله ليأخذ شيئاً من إنسان إلا وعوّضه عنه خيراً منه
واستمر في أدائه الدراسي المتميّز
حتى استطاع التخرّج بتفوق
ودخول إحدى الكلِّيات المرموقة
ليدرس فيها السياسة والعلاقات الدولية
وفي أحد الأيام
زار والدُهُ أحد الجراحين المشهورين
وشرح له حالة ابنه، وطلب مساعدته
أفاد الجراح بأن وضع ابنه قابل للتعديل
حيث بالإمكان نقل الأذنين وزرعهما
لكن ذلك يتوقف في النهاية على وجود متبرع
غالباً من المتوفين دماغياً
ترك الأب عنوانه لدى الطبيب
وغادر آملاً في اتصال يعيد لابنه ما فقده
مرت سنتان على زيارة الطبيب
والوالدان في انتظار
دون جدوى
لكن في صباح أحد الأيام
فاجأ الوالد ابنه بخبر سعيد
فقد تم إيجاد متبرع بالأذنين
وينتظر الطبيب قدومه للمستشفى لبدء إجراءات العملية الجراحية
كان شعور الابن بالسعادة لا يُضاهى
مع أنه مقبل على عملية جراحية
لكنها العملية التي ستجعل منه إنساناً طبيعي الشكل
تماماً مثل أي إنسان آخر
سأل الابن والديه عن المتبرع
إلا أنهما قالا إن الطبيب لم يرغب بإفشاء اسمه
ولا يرى أهميةً لمعرفته
تمت العملية بنجاح باهر
كان بعدها منظر الابن طبيعياً تماماً
وكان الشكل الجديد للابن دافعاً قوياً له للتميّز أكثر في دراسته
حيث زادت ثقته كثيراً بنفسه، وتخرج بامتياز
وحصل مباشرةً على وظيفة مرموقة في السلك الدبلوماسي
وتزوج بعدها بفترة قصيرة
، وعاش حياة هانئة مستقرة
إلا أنه
وبعد سنوات من إجراء عمليته
ظل يتساءل عن الشخص الذي قدم له أذنيه
هل كان متوفى دماغياً، ومن هم ذووه؟
سأل أباه ذات مرة عن المتبرع
حيث قال أنه يحمل له الكثير من التقدير والعرفان بالجميل
ولا يستطيع أن يكافئه
فقد كان له دور كبير في نجاحاته المتعاقبة في حياته
فابتسم الأب قائلاً له:
«صدقني.. حتى لو عرفته، فلن تستطيع أن توفي له حقه»
في أحد الأيام
زار الابن بيت والديه
بعد سَفر طويل له، أمضاه في دولة أجنبيه في إطار عمله
حمل الابن لوالديه الكثير من الهدايا
كان من ضمن الهدايا قرطان ذهبيان اشتراهما لأمه
كانت دهشة الأم كبيرة عندما شاهدت جمال هذين القرطين
حاولت رفض الهدية بشدة
قائلة له أن زوجته أحق بهما منها
فهي أكثر شباباً وجمالاً
إلا أن إصرار الابن كان أكبر من إصرار والدته
أخرج الابن القرط الأول ليلبسه أمه
واقترب إليها
وأزاح شعرها
فأصابه الذهول..
عندما رأى أمه بلا أذنين!
عرف الابن بأن أمه هي من تبرع له بأذنيها!
فأُصيبَ بصدمة
وأَجْهَشَ بالبكاء
وضعتْ الأمُ يديها على وجنتي ابنها وهي تبتسم
قائلة له:
«لا تحزن.. فلم يقلل ذلك من جمالي أبداً، ولم أشعر بأن فقدتهما يوماً، كلما شعرت بأنهما معك أينما ذهبت»
الجمال الحقيقي هو جمال الجوهر لا جمال المظهر
جمال القلب لا جمال القالب
كنوز البشَر الحقيقية مثل كنوز الأرض..
تكمن في الباطن
المحبة الحقيقية لا تكمن في تضحياتنا المعروفة
بل في تضحياتنا الداخليه التي لايعلمها احد