Monday 9 april 2012
الكثيرون لايزالون يرون في الغزو ودوافعه حماقة
الذكرى التاسعة لسقوط بغداد تعيد طرح الاسئلة الموجعة
يعيش العراق اليوم الذكرى التاسعة لغزو 2003، وفيما يداوي البلد جراحاته التي خلفها الاحتلال، لا تزال تعصف فيه أزمة سياسية وأمنية تلو أخرى بسبب صراع الساسة من مختلف التيارات فيما بينهم، فبينما يستعيد العراقيون رسم مأساتهم في هذا اليوم 9 أبريل ويستذكروا الأحداث الأليمة التي مرت بهم، لايزال هذا اليوم الذي قرره مجلس الحكم السابق «عيداً وطنياً»، يثير الخلافات حتى في التسمية التي ترمز لوجهات النظر المختلفة، فنائب الرئيس العراقي خضير الخزاعي أعلنه دواماً رسمياً دون أن يصدر قرار إلغاء للقرار السابق الذي لم يلق أي تجاوب من جميع شرائح الشعب العراقي، بل على العكس أن هذا اليوم شهد طيلة الأعوام السابقة تظاهرات وإضرابات كنوع من الرفض من قبل العراقيين لما يمثله هذا اليوم في تاريخهم.
الآن.. وبعد تسع سنوات من الاحتلال، يرى المراقبون السياسيون إن من الصعوبة البالغة إيجاد صفة لعملية غزو واحتلال وتدمير العراق، إلا أن هناك مقاربات لا ترقى إلى مستوى الفعل تتراوح بين «الحمق والجهل والغباء والشر»، وهي كلها غير مستوفية للإجابة على التساؤل الكبير: «لماذا الغزو؟».
وفي هذا المجال أسهب المحللون الاستراتيجيون في البحث والتحليل، ولكن أحداً لم يستطع التوصل إلى إجابة شافية، حيث قيل إن «بريطانيا هي التي دفعت الولايات المتحدة لتوريطها وإنهاكها، ثأراً لمكانتها التي استحوذت عليها أميركا في المنطقة»، إلا أن هذا الرأي يدحضه كون بريطانيا عانت داخلياً من أزمة الحرب قبل أميركا وقررت الانسحاب من العراق قبلها أيضاً، كما أن بريطانيا لا يمكن أن تحل محل أميركا في حال هزيمتها كونها «شريكة في الجرم».
مبررات سخيفة
وبحسب المحلل السياسي طاهر الشرقي فإنه «من غير المجدي الخوض في تفاصيل المبررات السخيفة للغزو، فقد جرى الحديث كثيراً عن بطلانها، وإن الأميركيين يعرفون أكثر من غيرهم ما لدى العراق من قوى عسكرية وسلاح لأن من بين المتعاونين معهم ضباطاً كباراً سابقين في الجيش العراقي ومن ضمنهم رئيس أركان الجيش السابق نزار الخزرجي ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية وفيق السامرائي، ما يعني أن الأميركيين وأعوانهم كانوا يعرفون جيداً كذب ادعائهم امتلاك العراق أسلحة محظورة، كما كانوا يعرفون كل شيء عن طبيعة الجيش ومعنوياته ونسبة الموالين الحقيقيين فيه لصدام حسين آنذاك».
ويضيف الشرقي: «بعيداً عن كل ذلك، هناك من يرى وجود أهداف سريّة للغزو، من بينها إبعاد العراق، والجيش العراقي خاصة، عن المشاركة في أي عمل عربي يستهدف إسرائيل، إلا أن هذه النظرة تفتقر كثيراً إلى الدقة لأن العراق كان شبه معزول عن العرب منذ فرض الحصار عليه العام 1990، كما أن الجيش العراقي كان في أضعف حالاته وخاصة بعد فقدانه سلاحه الجوي والبحري، وضعف القوات البرية جرّاء الحصار»، إلى جانب حالات أخرى من أهمها قيام أجهزة مخابرات أميركية وغربية وعربية، بكشف عدة محاولات انقلابية ضد صدام حسين، ما أدى إلى تصفية أو هروب الكثير من الضباط، وزعزعة الثقة بين صدام حسين والجيش، وخاصة الضباط الكبار فيه.. أي أن الجيش العراقي لم يكن مؤهلاً لخوض أية معركة خارجية، وفق تحليل الشرقي.
ديمقراطية القتل
في رأي أستاذ العلوم السياسية د. شاكر الوادي أن «من المعيب القول إن أميركا أرادت من غزو العراق نشر الديمقراطية، لأن أحداً لم يسمع على مر العصور بديمقراطية نشرت من خلال غزو واحتلال وقتل وتدمير!!، وتغيير نظام شبه علماني بنظام آخر مبني على أسس طائفية وعرقية، أقل ما يقال عنها إنها متخلفة، تعتمد في وجودها وبقائها على قوة الاحتلال إلى حد قلب المفاهيم والقيم بحيث أصبح الوطني، والديمقراطي هو الموالي للأجنبي، ومن يقف ضده الإرهابي ومن أنصار الدكتاتورية».
ويضيف الوادي: «لا يعقل أن الولايات المتحدة غزت واحتلت العراق لغرض تبديل نظام الحكم، لأنها كانت ترفض ذلك على الدوام، حتى قبيل الاحتلال، عندما هددت بضرب أية قوة عسكرية تتقدم نحو بغداد... والأرجح إنها كانت تمنع مشاركة أية قوة عراقية في عملية التغيير، لأنها لا تريد أن يدعي أحد بالمشاركة، وبذلك تبقي كل مفاتيح اللعبة بيدها».
ثروة النفط
وهنا، يعاود السؤال المحير طرح نفسه: «لماذا الغزو والاحتلال والتدمير، وكل هذا الخراب الذي لحق بالعراق..؟».
هناك من يقول إن الولايات المتحدة خططت لغزو واحتلال العراق من أجل النفط، فبعد خفض الإنتاج النفطي العراقي إلى مستويات دنيا جرّاء الحرب العراقية الإيرانية، وتدمير المنشآت النفطية في حرب 1991 ومن ثم الحصار الاقتصادي، أصبح العراق يمتلك المخزون الأول من النفط في العالم وهذا ما يسيل له لعاب الشركات الأميركية الكبرى. إلا أن الباحث الاقتصادي فؤاد الأمير يفند ذلك بالقول: «هذا لا يمكن اعتباره مبرراً للغزو والاحتلال وكل هذا الخراب والتدمير والقتل والفوضى، إضافة إلى إنهاك الاقتصاد الأميركي نفسه، بينما يرى الكثير من المراقبين أن الولايات المتحدة كان بإمكانها الحصول على عقود مشاركة نفطية جيدة وأن تنال ما تريده في عهد صدام حسين لو أنها تعاملت مع القضية العراقية بشكل آخر، وكان بإمكانها أيضاً تحقيق ذلك من خلال التغيير العسكري الداخلي الذي منعته، بل تآمرت ضده، بينما عرفت الولايات المتحدة على مدى تاريخها بتدبير الانقلابات في مختلف بقاع العالم».
قاعدة عسكرية
وفي ذات السياق، يبقى هناك افتراض السعي لإقامة قواعد عسكرية في العراق، بشكل واسع، إلا أن العميد المتقاعد في الجيش العراقي رافع عبدالكريم يؤكد أن هذا الافتراض له ما يدحضه «إذ كان بالإمكان تحقيق ذلك من خلال أية حكومة انقلابية تدعمها الولايات المتحدة، ومن ثم ينبغي عدم المبالغة في هذا الشأن لأن القواعد الأميركية تملأ المنطق كما أن الحاجة إلى قواعد عسكرية في العراق، قبل الغزو والاحتلال، كان يمكن الاستعاضة عنها بالقواعد المحيطة، والقواعد العائمة التي تزخر بها بحار العالم، وتستطيع الولايات المتحدة من خلالها الوصول إلى أية بقعة تشاء».
إثبات القوة
ولكن، هل كانت هذه العملية كلها بلا هدف، وإنها مجرد طيش من حكام يدفعهم الحقد والرغبة بالانتقام لا أكثر..؟
ربما كان الأمر مقارباً إلى حد بعيد، كما يعتقد السياسي اليساري المستقل منذر الشاكري أنه «بعد تفكك الاتحاد السوفييتي أرادت الولايات المتحدة أن تخيف العالم وأن تظهر نفسها وكأنها القوة التي لا تقهر وأن يدها الضاربة يمكن ان تطال الجميع، وإضافة إلى ذلك إن بإمكانها خوض أكثر من حرب في آن واحد، فكان أن اختارت أفغانستان أولًا، كبلد ضعيف ومشتت، لا يمكن أن يقف بوجه الآلة العسكرية الأميركية ذات القوة التدميرية الهائلة».
يتابع الشاكري القول: «قبل أن تحسم واشنطن انتصارها في أفغانستان، لم تدرس بشكل جيد واقعها العسكري، والنفسي، فهي مكروهة، يمكنها التدمير من بعد، ولكنها لا تستطيع مسك الأرض، وأدى عدم الدراسة هذا إلى المغامرة بخوض حرب ثانية في العراق الذي كان في حالة ضعف جرّاء الحصار الطويل الذي سبقته حربان مدمرتان إضافة إلى ضعف الوضع التعبوي الناتج عن انحسار التأييد للنظام الحاكم، وبلوغه الحدود الدنيا، في وقت حاولت أن تصوّر للعالم أنها تخوض حرباً ضد دولة كبيرة القوة، وتمتلك قدرات تدمير شامل».
ضربتان
لقد ضربت أميركا في نقطتي ضعف، وحققت كسباً سريعاً في معارك أولى، ولكن النتيجة على الأرض كانت مخيبة لآمالها، فلم تستطع آلتها العسكرية الضخمة من دخول بلدة الفلوجة الصغيرة، وهزمت فيها، في المعركة الأولى، ثم لجأت إلى أساليب ملتوية لدخولها في المرة الثانية، بعد أن دمرت ثلثي أبنيتها، ولحد الآن لا يمكن القول إنه تمت السيطرة عليها.
من هنا يمكن القول إن الغطرسة الأميركية ومحاولة إثبات القوة وإخافة العالم هي الدافع الأول والأهم للعدوان على العراق واحتلاله، ومهما أعطت الإدارة الأميركية من مبررات، فإن القانون الدولي الذي تدعي واشنطن احترامه يفرض عليها إزالة كل تبعات الحصار والغزو والاحتلال، ومصائب الحكومات التي أتت بها، وتعويض العراق والعراقيين عن كل ما أصاب بلادهم وأصابهم من ويلات.
اتفاق سفوان.. وانقلاب علاوي
معروف أن «اتفاق سفوان»، في أعقاب حرب عاصفة الصحراء (حرب تحرير الكويت) في العام 1991، الذي وقعه وزير الدفاع العراقي سلطان هاشم والقائد العسكري الأميركي الجنرال نورمان شوارزكوف كان يتضمن إعطاء فسحة ديمقراطية في العراق، وإجراء انتخابات عامة بإشراف دولي، إلا أن الولايات المتحدة عمدت إلى طمس هذه الفقرة، وحجبت التحدث عنها لتطلق الحملات الممهدة للغزو، على أساس أن العراق يمثل تهديدا لأمن الولايات المتحدة والأمن الدولي، من خلال امتلاكه أسلحة الدمار الشامل.
ويشير د. شاكر الوادي إلى أن «أياد علاوي، على سبيل المثال، كان يعد لانقلاب عسكري، وهو مدعوم من المخابرات الأميركية، إلا أنه منع من التحرك، وأن طبيب الرئيس العراقي صدام حسين د. اللواء راجي التكريتي كانت له محاولة انقلابية شبه ناضجة، وطلب دعما من الإدارة الأميركية من خلال مخابرات دولة عربية فطلبت واشنطن أسماء المشاركين معه لكي تطمئنّ إلى جديته وبعد تقديم قائمة الأسماء، قامت بتسليمها إلى الحكومة العراقية آنذاك وتم إعدام غالبية المشاركين».
انقلاب علاوي، أو ما كان يعرف في مصطلحات أجهزة أمن النظام العراقي السابق بـ «مؤامرة مصيف صلاح الدين» وجرت في منتصف التسعينات من القرن الماضي، شارك فيه قرابة 1700 عنصر من المعارضين العسكريين والمدنيين لصدام وفيهم ضباط كبار في بعض مواقع القيادة العسكرية، وكانت قيادة التحرك فيها لحركة الوفاق الوطني وائتلاف المؤتمر الوطني، الذي يضم مجموعة من المعارضة العلمانية والقومية العراقية، وجرى إنزال قوات من أفواج الحرس الجمهوري من المظليين والقبض على أغلب المشاركين وسيقوا إلى سجون بغداد، حيث أعدم الكثيرون وسجن آخرون بينما توسطت جهات لإطلاق سراح البعض الآخر.