النخلــة... مريم العذراء: حزينة على نخيل العراق !!
يبدو ان العلاقة ما بين النخلة والانسان علاقة قديمة ووطيدة علاقة متينة لا تنفصم عراها علاقة حب واحتــرام واعجاب. لان النخلة تحنو على الانسان بظلها وتعطيه من ثمرها، ثمرها الغني كل ما يحتاجه الانسان من مادة غذائية كاملة فضلا عما في سعفها وكربها من فوائد جمة للانسان خصوصا الانسان الذي يعتمد في كل شؤونه على الطبيعة قبل ان توفر له الحضارة كل شيء في الوقت الحاضر. لكن .. من قال ان الانسان المتحضر لا يحتاج النخلة؟!
اذا لم نكن نحتاجها اليوم للقوت والدفء والسكن لوجود البدائل الاخرى فنحن نحتاجها لسكينة نفوسنا المضطربة ولطمأنينة قلوبنا المتعبة واشباع جزء من حاجاتنا الروحية ولهفة ابصارنا للنظر الى كل شيء جميل .. وجمال النخلة لا يخطئه القلب ولا البصر ولا الاحساس حتى اصبحت النخلة مصدر الهام للكثير من الشعراء والادباء والفنانين فهي سيدة المناظر الطبيعية خصوصا في المناطق ذات المناخ الحار.. ولا يغيب عن ذاكرتنا قول الشاعر العراقي الشهير بدر شاكر السياب وهو يتغزل بعيون الحبيبة قائلا:
عيناك غابتا نخيل ساعة السحر..
فمنظر بساتين النخيل في الليل او ساعة السحر.. شيء مذهل في جماله غموض ساحر ياخذ بالالباب اما منظر بساتين النخيل في النهار بعد طلوع الشمس او قبيل غروبها فهو منظر لا يستطيع وصفه الا فنان ذاب قلبه في الطبيعة وصنع من ذوبان قلبه لوحة فريدة تأسر الابصار..
والنخلة كائن فيه قدسية ويبعث على الاحترام لذلك فان الرسول الكريم (ص) اوصى بها كما يوصي بانسان حينما قال:
اكرموا عمتكم النخلة ...
ومريم العذراء(ع) حينما فاجأها المخاض آوت الى نخلة فاوحى لها ربها قائلا: (وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) سورة مريم الآية 25 ولعل النخلة لم تكن في حاجة لان تهزها يد مريم العذراء الخائفة المشفقة على نفسها وهي في ذلك الموقف الرهيب الذي وجدت نفسها فيه , بل لعلها بادرت هي نفسها او بوحي من خالقها لان تمد يد العون لهذه الفتاة العذراء فتسند ظهرها وتطعمها لعل هناك وشائج خفية بين النخلة ومريم العذراء .. وشائج حب ومودة والفة , لذلك اسقطت عليها ثمرها ولم تكن في حاجة ليد قوية كي تهزها ـ وما كان باستطاعة انسان ان يهز نخلة ـ لكن النخلة احست بقرب مريم العذراء، وشعرت بمحنتها فاستجابت واعطت لمريم ما كانت بامس الحاجة اليه.
نعم.. ان للنخلة مكانة في نفوس البشر. لذلك نحن نشعر برهبة وتردد في قطع نخلة من اجل اقامة بناء او لاي سبب اخر حتى ان بعض الناس يضطرون الى تغيير خريطة البناء من اجل الابقاء على حياة نخلة وعدم الاضطرار الى قطعها فكم رأينا من نخلة طالعة من سقف كونكريتي من خلال فتحة وضعت خصيصا لذلك وكانما للنخلة روح ونحن لا نريد الاساءة الى روحها. فالنخلة تحظى باحترام حتى بسطاء الناس.
لكن الطاغية المقبور صدام لم يحترم النخلة ولم يحفظ لها كرامتها .. كانت لدية عقدة من بساتين النخيل وحقول القمح والمسطحات المائية كالأهوار .. هو يحب الخضرة والماء في حدائق قصوره ومنتجعاته ولا يحبها لبقية الناس من ابناء الشعب لذلك حدثت اكبر مجزرة في التاريخ لبساتين النخيل واكبر جريمة في التاريخ بحق الاهوار.
ما ان تنطلق رصاصة من اي بستان حتى يأمر بقطع اشجاره .. وما ان تلوذ مجموعة من المظلومين بين غابات قصب الاهوار هربا من ذئاب الامن حتى يامر بتجفيفها وحرقها والحاقها بصحاري العراق المتنامية باضطراد في عصره الذهبي!!
وكان نصيب النخلة من ظلم صدام وافرا. مثلما كان مولعا بقطع اعناق الناس وارزاقهم كذلك كان مولعا بقطع اعناق النخيل حتى تناقصت اعدادها في ارض الرافدين من 35 مليون نخلة الى عشرة ملايين نخلة فقط!!!
كان النبي الاكرم (ص) يوصي باكرام النخلة وصدام يامر بقطع رأسها!!!
ان قتل عشرين مليون نخلةجريمة لا يمكن ان تغتفر وفي بلد يعاني الفقر وسوء التغذية والغريب في الامر ان هذه الجريمة الشنيعة لم تدرج ضمن قائمة جرائم صدام الكبرى وكانها جريمة عادية لا تستحق الاشارة اليها من قريب او بعيد.
ان اقتراف جريمة قتل عشرين مليون نخلة تكفي لاعدام صدام اكثر من مرة وليس مرة واحدة.
انه قتل عشرين مليون (عمة) لنا سبق وان اوصى النبي باكرامها انه قتل رمز بلاد الرافدين وعلينا ان نكرم هذا الرمز ونحتفي به واول علامة الاحتفاء به وتكريمه هو ان نحاكم النظام الذي اهدر دم النخلة ولم يحفظ لها كرامتها وامر بحرق بساتين النخيل في بلد وكربلاء والحلة والبصرة وغيرها من المدن العراقية .. امر بحرقها وتسويتها بالارض وقتل الناس الذين فيها.. والحيوانات وحتى الطيور المحلقة في فضائها .. فهل نفعل ذلك من اجل ان تقر عيون كل نخلة مظلومة قتلت ودفنت في الآف المقابر الجماعية للنخيل؟!!
ولو كانت مريم العذراء تدري بالذي يجري للنخلة في عهد صدام لذرفت دموعا من دم على مصير تلك النخلة التي وقفت الى جانبها وقت المحنة لكن مريم العذراء لم تعش لتشهد ذلك اليوم الاسود.
وعشنا نحن لنكون شهداء على اكبر مجزرة للنخيل في القرن العشرين ..
ومن اجل ان نطبق وصية الرسول الكريم بتكريم النخلة يجب ان نهتم بها اينما تكون.
وعلى كل صاحب بيت ان يزرع نخلة او اكثر في بيته ليكون العراق كله غابة من النخيل كما كان سابقا قبل حكم الجزارين وبذلك نرضي الله ونطيع رسوله..
ونعصي اوامر الطواغيت الذين توعدوا بان يجعلوا العراق ارضا جرداء خالية من البشر والشجر اذا ما آ لت الامور الى غيرهم.