بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك

وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته






أيّها الأعزّاء! إنّ القرآن نور ينير الروح والقلب، فلو أنستم بالقرآن لرأيتم أنّ قلوبكم وأرواحكم منيرة. فببركة القرآن تزال الكثير من الظلمات والمبهمات من قلب وروح الإنسان، وببركة القرآن يخرج الإنسان من ظلمات الأخطاء والأوهام والزلاّت إلى نور الهداية. يقول الباري تعالى: ﴿اللّه وليّ الَّذينَ آمَنُوا يُخْرجَهُم منَ الظّلمات إلى النّور﴾.

إنّ القرآن كتاب معرفة، فيه الكثير من أمور الحياة والمستقبل، (في مجال التكليف الفعلي، وفي الهدف من الخلق، والكثير من المجالات الأخرى)، فالإنسان مشحون بأنواع الجهل، والقرآن يكسبه المعرفة،إذن القرآن كتاب نور ومعرفة ونجاة وسلامة ورقيّ وسموّ وتقرّب إلى اللّه.
فمتى نكتسب -أيّها الأخوة الأعزّاء- هذه الأمور من القرآن؟ وهل يكفي أن نضع القرآن في جيوبنا؟ وهل يكفي العبور من تحت القرآن عند السفر؟ وهل يكفي اليوم المشاركة في جلسة للقرآن فقط؟ أو هل يكفي أن نرتّل القرآن أو نسمع ترتيله بصوت حسن ونلتذّ به؟ كلاّ، بل هناك حاجة إلى شيء آخر، وهو التدبّر في القرآن، فالقرآن بنفسه يدعونا في موارد عديدة إلى ذلك. فإن عرفنا كيف نأنس بالتدبّر في القرآن، كسبنا كلّ ما قلناه..
طبعاً إنّ تلاوة القرآن بصوت حسن أمر جيّد جدّاً، فقد رُوي عن الإمامين السجّاد والباقر(ع) إنّ النّاس عندما يمرّون أمام بيتهما تجذبهم تلاوة أحد الإمامين (ع) فيبقون في أماكنهم حتّى يُنهي الإمام تلاوته فينصرف النّاس..
فتلاوة القرآن بصوت حسن، بآدابه الخاصّة، بأسلوب ونغمة وطريقة خاصّة حسن ويقرّب الإنسان إلى اللّه. لكنّها غير كافية، فإن أردنا التشبيه نقول هكذا: لنتصوّر القرآن عمارة واسعة وعظيمة ذات صالات وغرف وطبقات مختلفة، ولهذه العمارة باب ومدخل، فإن كان المدخل جميلاً، رغب النّاس في دخول العمارة. كذلك فإنّ مدخل هذا البناء الرفيع هو هذه التلاوات الجيّدة، فالتلاوة الجيّدة شيء لازم، وإنّني أشجِّع وأقدِّر وأبجِّل الّذين أذاقونا حلاوة القرآن بتلاواتهم الجيّدة، لكن كلّ هذه مقدّمة لدخول ذلك البناء العظيم والرفيع، فلابدّ من دخول هذا البناء ولابدّ من حفظ القرآن..
أطفالنا الصغار قد حفظوا القرآن بخصوصيّات الآية والسورة والصفحة والسطر، وهذا عمل مثير وجميل جدّاً، ولابدّ من تكريم آباءهم وأمهاتهم الّذين سعوا ليربّوا أبناءهم هكذا..
طبعاً يجب أن أذكّركم انّه ليس من اللزوم معرفة عدد الحروف أو الكلمات، فلا تشغلوا أذهان الأطفال بهذه الأعداد الكمبيوتريّة، فما الداعي لمعرفة عدد حروف هذه السورة. نعم كانت الحاجة في يوم مّا إلى ذلك خوفاً من التحريف، لكن اليوم وقد طبع القرآن آلاف الطبعات فمن يتجرّأ أن ينقص حرفاً من القرآن أو يزيد عليه، فبدل من حفظ هذه الأشياء قولوا لهم أن يحفظوا -على سبيل المثال-: الآيات مثل ﴿وهو السميع العليم﴾ كم مرّة جاءت في السورة كلمة (سميع) أو (عليم) أو (قدير)، وكم مرّة جاءتا معاً، وأيّ منها جاءتا معاً، فلهذا أثر في فهم معاني الآيات. أو من باب المثال كم مرّة كرّرت كلمة (الوحي)، وفي كم آية أشير إلى أنّ القرآن يُوحى إلى النبيّ(ص)، وما عدد الآيات الّتي ذكرت حول الوحي في السورة الّتي يريد أن يتلوها القاريء، فهذه مهمّة، لكن أن يحفظ رقم الصفحة الّتي وردت فيها الآية، فهذا غير مهم. فإنّه ليس لدينا قرآن واحد بل مئات القراءين المطبوعة، فقد ترد آية في الصفحة (325) في إحدى طبعات القرآن وفي آخر في صفحة أخرى.
فعلّموا الأطفال الأمور اللازمة والمفيدة الّتي تقرّبهم إلى فهم معاني القرآن، لتترسَّخ في أذهانهم كالنقش على الحجر، وتعود عليهم بالبركة إلى آخر العمر.
فهكذا -أيّها الأعزّة- ينمو المجتمع الإسلامي، ويحفظ تماسكه ويضمن استقلاله، وهكذا يتوجّه مسلمو العالم للبحث عن طريق الهداية في الإسلام، واليوم فإنّ النّاس قد عرفوا أنّ طريق الهداية يكمن في الإسلام، فلابدّ من حثّهم على ذلك.