تأسيساً على ما طرحه السيد الشهيد محمد باقر الصدر ( قدس ) في خصائص السلطات الحاكمة في المجتمع والتي حددها بــ 3 سلطات ، هي التي يكون لها الإمساك بزمام الأمور في المجتمع واستعباد الناس ، والتي شخصها بـ :
1- السلطة السياسية الغاشمة : متمثلة بفرعون رأس النظام السياسي
2- السلطة الاقتصادية : متمثلة برؤوس الأموال التي تعمل على وفق المنظومة السياسية أعلاه وتدعمها بشكل مباشر أو غير مباشر ، متمثلة في زمن موسى (ع) بقارون
3- السلطة الدينية : متمثلة بالسلطة الدينية التي ينتمي لمنظومتها فرعون والمتجسدة برئاسة المعبد ، و بالسلطة الدينية المنحرفة عن الخط الرسالي متمثلة بالمنحرفين عن موسى (ع) والتي تكون أشد خطراً لأنها سلطة خفية تدعي شرعيتها من الخط الرسالي وتحرف تعاليمه الحقة ، وتباشر محاربتها للشخصيات الرسالية من داخل منظومة الرسالة ، والتي قد يكتب لها لاحقاً ـ بفعل الانحراف ـ تأسيس نمط خاص بعيد عن الخط الرسالي لكنه دوماً يستند في شرعيته إلى ادعاء أحقيته بالخط الرسالي وبالشخصيات الرسالية رغم محاربته لها !!
تأسيساً على ما تقدم سنخوض في الحديث عن السلطة الدينية المنحرفة ، كيف تنشأ و على ماذا تتغذى و ما هي سلوكياتها ..... الخ مما يختص بها ويصدر عنها .
تنشأ السلطة الدينية المنحرفة من رحم الفعالية الرسالية ومن بيئتها غير بعيدة عن الرسل والأنبياء والأوصياء والشخصيات الممثلة للخط الرسالي ، على أنها متخفية بالقدر الذي قد تلتبس شخصياتها على الجمهور فيعتقد المغيبون عن إدراكها أن شخصياتها شخصيات رسالية وأنها المعنى الحق للخط الرسالي والممثل الشرعي له ! و على أية حال فإنها تتبنى مفاهيم الرسالة ولا تنطلق إلا من منطلقاتها ، وإذا كانت مثل هذه السلطة الدينية المنحرفة واعية لانحرافها في مبدأ نشوئها غير أنها تغدو بعد زمن غير واعية لذلك ، فبعد انقطاع الرعيل الأول لتأسيسها و زوالهم عن الحياة يصبحون مقدسين في نظر من يليهم لأنهم لم يظهروا انحرافهم الخفي ولم يفلح أتباعهم في الكشف عنه ، و كمثال على ذلك فإن السلطة الدينية المنحرفة عن موسى (ع) ـ بوصفه الخط الرسالي في زمنه ـ إنما نشأت في محيط صحبته و اتباعه ، غير أنه و بمرور الوقت أصبح لهذه الشخصيات المؤسسة للانحراف داخل الخط الرسالي أتباعاً كثر غير واعين ولا مدركين لانحراف تلك الشخصيات ، بل هم ينظرون لها على أنها الممثل الحق لموسى ودعوته ، وبالضرورة فإنه وبعد تعاقب الأجيال سيصبح من الصعب على أتباع تلك المؤسسة الدينية المنحرفة الكشف عن انحرافها ، لأن أولئك الأتباع يمثلون المؤسسة ذاتها ، تربوا على مفاهيمها و وسمت شخصياتهم بسماتها و خصائصها ، وستكون هذه المؤسسة جاهزة لإجهاض أي تحرك للخط الرسالي وتكذيبه وتسفيهه ، وهذا ما حدث فعلاً مع عيسى (ع) الذي كُذّب من قبل السلطة الدينية العليا الممثلة لبني إسرائيل وديانتهم ، إذ أخذت زعاماتهم الدينية على عاتقها مهمة تسفيه وتكذيب عيسى (ع) .
على أن هذه السلطة الدينية المنحرفة غير محصورة في الديانات السابقة ولا متوقفة عن الحدوث والتطور في الخط الرسالي و بمجابهته حتى آخر ساعة يكتب فيها النصر للخط الرسالي بتأسيس الدولة العادلة ، أي أنها حدثت في زمن الرسول الأعظم محمد (ص) ، وادعت لنفسها الأحقية في تمثيل الخط الرسالي ، كما حدثت في زمن الأئمة (ع) حتى زمننا هذا ، وما زالت مستمرة حتى ظهور المهدي (عج) ، و هي التي ستتكفل بتسفيه دعوته (عج) وتكذيبه لإجهاض المشروع الرسالي الإلهي من داخل البيئة والمنظومة التي ينتمي لها المهدي (عج) ، ويُكتسب تأكيد حضور ووجود مثل هذه السلطة المنحرفة داخل المنظومة الفكرية والاجتماعية التي ينتمي لها المهدي (عج) من قانون التمحيص وما ينتج عنه من فشل البعض في كل مرحلة من مراحله .
إن هذه السلطة الدينية المنحرفة التي ستجابه المهدي (عج) وتواجهه سبق لها النشوء منذ زمن بعيد ، وباشرت مهاماً عديدة في التصدي للخط الرسالي في كل زمن و جيل ، و قد باشرت فعالياتها المتعاقبة ـ بتعاقب الأجيال ـ في تربية الأجيال على مفاهيم مركبة شكلت بمجموعها خصائص أتباعها التي ابتعدت بشكل بالغ الخفاء عن حقيقة الخط الرسالي الذي سيمثل ظهوره بشكل مفاجئ الإمام المهدي (عج) ، ويمكننا من ذلك استنتاج النتيجة لردة فعل المؤسسة الدينية المنحرفة و أتباعها بإزاء المشروع الإلهي الذي يقوده المهدي ، و هي نتيجة سلبية مؤسفة ، وهذا ما ألمحت إليه الروايات التي تتحدث عن خروج جماعة من الكوفة وظهر الكوفة يقولون للمهدي ارجع !!! و تلك التي تتحدث عن قتله (عج) لمن ( كان فيكم كأبي ذر ) !! و قتله للمنحرفين من المذهب الشيعي كما من بقية المذاهب والأديان .
في ما تقدم حاولت الحديث بشكل مبسط عن مفهوم السلطة الدينية المنحرفة ، على أنه سيتم لاحقاً ـ إن شاء الله ـ بيان صفات السلطة الدينية المنحرفة وخصائصها التي تمكّن من كشفها وعلاقتها بالسلطتين السياسية والاقتصادية ، كما سأتناول مفهوم ( الوصلة ) التي بيّنها السيد الشهيد محمد باقر الصدر (رض) كإحدى الأدوات الكاشفة للسلطة الدينية المنحرفة .