(حتى الآن.. وبعد كل هذه الأعوام.. مازالت تزورني كل ليلة حلماً ومناماً)
قال عمي تلك الكلمات من دون أن أنسى ذلك الحنين وكل ذلك العشق الغريب في صوته لزوجته الراحلة قبل 25 عاماً، وفي عينيه دمع أبى أن ينهمر.. وأبى إلا ان يحن لها
سألته وفي قلبي الكثير من الأسئلة:
(ترى من تكون تلك المرأة التي لا ينساها رجل مدى أعوام طويلة.. من تلك التي تظل في وجدان رجل قد صادف الكثير، ولكنها تبقى هي دائماً الوحيدة.. وفي كل طريق يسلكه.. تبقى عيناها هما النور لكل طريق.. من تلك المرأة.. من؟)
(عمي.. ما الذي كان يميزها؟.. ما الذي جعلها الوحيدة؟.. مع إنك قد التقيت بمن هي أجمل منها.. ومع انها رحلت؟!)
سألته حينها.. كل تلك الأسئلة دون أن أتردد
أجابني بابتسامة ملؤها الذكريات:
وكأنها كانت هي هناك أمامه.. ولست أنا!!
لقد كانت الحلم الذي عشته واقعاً.. كانت الحقيقة التي انتهت دون أن أريد.. لقد كانت الأمل في الوقت الذي خسرت فيه كل شيء..
علمتني الوفاء.. في زمن أصبح فيه الحب أغنية وكلمات ومقالات لا أكثر..
لقد كانت ضحكتي في أيام لم يعد هناك لدي شيء ما أقدمه لها سوى الأحزان.. ومع ذلك لم أكن أخاف ان ترحل.. لأنها لم ترحل..
حتى بعد غيابها عني.. مازلت أتوهمها أمامي.. تحاكيني.. تمازحني تبتسم لي قائلة: (حسن.. كل شيء سيكون على مايرام.. مادمنا معا.. وتذكر بأنني لن أتركك مهما حدث.. لن أرحل).
لكنها رحلت!!
في يوم موتها بكيت كالأطفال.. غير مبالٍ برجولتي.. غير مبالٍ بأحاديثهم وجميع كلماتهم التي تواسي مأساتي.. كل ما كنت أريده حينها.. أن أرتمي بين عطرها.. وأقول لها ان غيابها الذي أصبح حقيقة.. كان بداية تشردي.. بداية بحثي عن امرأة مثلها.. ولكن لم يكن كمثلها أحد..)
هنا اختنق صوته.. ولم يكمل لي حكايته..
استمعت اليه وبي رغبة في البكاء على صدره، توسلاً به بأن يعلم زمننا حباً كمثل هذا الحب.. ان يعلمنا كيف تكون هناك نساء مثلها.. ورجال مثله أن يبقى فينا الحب وشماً على أجسادنا.. وتمنيت له.. ولنا ان نجد حباً كهذا.. حباً جديداً يبتسم كما كانت تفعل هي.. ولا يرحل إلا بالقدر!!