بَشَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المؤمنَ الذي يستغفر كثيرًا بالخير الكبير؛ فقد روى ابن ماجه -وقال الألباني: صحيح- عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا». ومع أن الاستغفار مندوبٌ في كل أوقات اليوم والليلة؛ فإن الله عز وجل مدح مَنْ يفعل ذلك في آخر جزء من الليل، وهو وقت السَّحَر؛ فقد قال تعالى في صفة أهل الجنة: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17]، وقال: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17، 18]، وهذا وقت شريفٌ للغاية، ويكفي أن الله ينزل فيه إلى السماء الدنيا؛ فقد روى البخاري عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ». ولهذا كان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أن يذكر اللهَ كثيرًا في هذا الوقت، فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عن عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ العَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ». فلنحرص على العبادة في هذه الأوقات العظيمة، ولنكن من أولئك الذين يستجيبون لله حين يُنادينا قائلًا: «مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ». ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54]. المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني