الحياة الأسرية السعيدة تستمد سعادتها من إيمانها بالله تعالى ،ومن قناعتها بأنّ السعادة الحقيقية تكون بتعاون أبناء الأسرة على الخير ،وحرصهم على تحقيق الأمن الاجتماعي فيما بينهم ،قال عليه السلام : « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِى سِرْبِهِ، مُعَافًى فِى جَسَدِهِ ،عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا » (رواه الترمذي) والسّرب يطلق على النفس ويطلق على الأهل والعيال .
لكن المحافظة على الاستقرار الأسري تتطلب قيام الحياة الأسرية على التشاور في مواجهات التحدّيات ،بحيث يتناغم الجميع مع بعضهم ويعملون كفريق واحد ،قال تعالى في مدح الذين يبنون مجتمعاتهم على التشاور : وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ»(الشورى :38) وتتجلى الشورى الأسرية من خلال مشاركة كل فرد بأحسن ما عنده ،أما إذا كانت الأخرى وتعطل التشاور في الرأي والتكامل في العمل ،ظهر العنت ،والنزاعات المؤدية إلى التفكك الأسري الذي تخشاه الأمم والمجتمعات.
وفي هذا المجال لا بد من مراجعات لأسباب التفكك الأسري ،والذي نجد بأنّ مما يقف وراءه هو بعض الأفكار السلبية التي تعطي للذكر التفرد بالرأي، بحيث ينظر إلى الأنثى في الأسرة على أنه لا رأي لها، بل إن مشاورتها حسب هذا التوجه السلبي تعتبر نقصاً في الرجولة ،فلا مناص من مخالفة رأي الزوجة ولو كان الصواب معها، وتأتي هنا مقولة شاورهن وخالفوهن، وربما جعل البعض من هذه المقولة حديثاً نبويا لتلقى رواجاً بين الناس وللرد على ذلك
1- مقولة شاورهن وخالفهن لا إسناد لها ،وهي من القول الباطل والواهن ،مثلما ذكر العلماء كابن الجوزي والسخاوي ،والسيوطي والعجلوني،ذلك في مؤلفاتهم.
2- نتعلم من سيرة نبيّنا عليه السلام جواز استشارة المرأة الصالحة ،ويدل على ذلك بأنّه لما مُنع الرسول ومن معه من أداء العمرة في العام السادس للهجرة، ولهم أن يدخلوها في العام الذي يليه ،وانتهى الأمر بصلح الحديبية ، حزن المسلمون وغضبوا فطلب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أن يتحللوا من إحرامهم فلم يفعلوا؛ ظناً منهم أن الأمر ربما يتغير ويؤذن لهم بالدخول إلى مكة لأداء عمرتهم، خاصة عندما رأوا أن النبي عليه السلام ما زال يلبس ملابس الإحرام، جاء عند البخاري في حديث قصة الحديبية وفيه دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِىَ مِنَ النَّاسِ . فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ . فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ . فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ ، قَامُوا فَنَحَرُوا ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا(رواه البخاري) فكان لمشورة أم سلمة رضي الله عنها أثر كبير في امتثال المسلمين لأمر نبيهم، وسعادتهم في الدنيا والآخرة ،هذه المواقف تستدعي منا دراستها، واستيعابها لنبني ثقافتنا الأسرية على الحوار، والتشاور، والتكامل.

المصدر/
http://www.alrai.com/article/618689.html