قوله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام: «وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم» (يوسف:84)، قد يسأل سائل هنا: كيف يكون الجزع والحزن من أنبياء الله؟ وأين الصبر الجميل الذي وطَّن يعقوب عليه السلام نفسه عليه عند استقبال هذا المصاب؟
وفي الجواب يقال : إن هذا الحزن الكظيم -أي: الدفين الذي لا يُباح به- ليس بالذي يعارض الصبر الجميل، أو ينتقص من مشاعر التسليم لله، والرضا بقضائه، وخاصة ما يتصل بعاطفة الأبوة؛ إذ ليس من الصبر الجميل في شيء أن تجف عاطفة الأبوة، وتتجمد مشاعر الحزن على فقد الابن. ثم إن هذا الكظم للحزن، وحبسه في القلب هو في ذاته وجه من وجوه الصبر الجميل؛ حيث لم يتشكل هذا الحزن في صورة لطمٍ للخدود، أو شقٍ للجيوب، أو نياحٍ على الأحبة. أما شكاته، وبثُّ حزنه، أي: إذاعته والتصريح به في صورة من الشكوى إلى الله، فهو عبادة خاصة، وولاء مطلق لله، وطمع في رحمته، ولجوء إلى فضله وإحسانه.
فيعقوب عليه السلام يشكو إلى الله، وهو يعلم من الله ما لا يعلم أبناؤه، ومن علمه أن هذه الضراعة إلى الله، والشكاة إليه هي عبادة خالصة. وولاء لله رب العالمين. إنه يشكو إلى سيده، ومالكه، وخالقه، ومَن بيده الأمر كله. وليست هذه الشكوى إعلاماً لله بحاله؛ فالله سبحانه يعلم كل شيء علماً أزليًّا، وإنما هذه الدعوات هي عبادة لله بما يستولي على العبد منها من مشاعر الحاجة، والعَوَز إليه سبحانه.
المصدر : http://www.alrai.com/article/606219.html