لانها جزء فقط ..... اقتباس صغير فقط لرواية لم اشا ان اضعه في قسم الروايات حتى لا تبدو الصورة مشوة
لفني شيء يشبه الحزن
لاعرف ان اكان هو الحزن او شيء اخر
رغبت ان ارفع جرعة الحزن داخلي
اشارككم مقتطف من ثاني احب رواياتي الى قلبي
مع اعتذاري عن هذا التصرف غير المنطقي هههههه
------------------------------------------------------------------------
رد عليه رابح متأففا: أقسم لك أني لم أره ... تلك كانت آخر مرة أراه فيها .
استلقى أحد الفتية على ظهره وقال مستعيرا لهجة الكبار: أنا لا أفهم اصرارك ... هل تعتقد أنه من السهل عليك الانخراط في الجبهة؟ ... الشروط قاسية ... لا يسمح لأي كان بالانخراط ... إذا كانوا يريدونك فهم من سيرسل إليك ... لا داعي أن ترهق نفسك بالبحث عن ذلك الشاب ... لربما يكون في السجن أو قد استشهد أو وجه إلى مكان آخر ... هذا هو الحال في الجبهة ... لا أحد يستقر في مكان واحد.
نظر إليه أحمد شزرا وقال ساخطا: اسمع أنت ... لا تتحدث معي وكأنك قدخرجت لتوك من اجتماع بعلي ليبوانت
- آ ... على ذكر علي ليبوانت ... إذا كنت تريد أن أرتب لك لقاء معه فهذا أسهل من ذلك الذي تبحث عنه منذ سنين .
لم يعد أحمد يشعر بالرغبة في البقاء، حمل نفسه واتجه نحو الباب يريد الخروج اعترض رابح طريقه وقد اشفق على حاله: لماذ تصر على لقاء ذلك الشاب؟ ... أستطيع أن أقدمك للجبهة .
نظر إليه أحمد بنظرة ممتعض ودفع الباب وخرج فلحق به صاحبه رابح ليؤنسه .
أخذت سيارة البيجو 404 تقترب من حاجز التفتيش ولما وصلت طلب الحراس من سعيد النزول من السيارة وكعادته أخذ يداعبهم ويمازحهم لكنهم أبدوا رغبة ملحة في تفتييش السيارة ... كان سعيد يشعر بالارتياح فالسيارة تم إفراغها ... لكن بعد دقائق من التفتيش والتدقيق هاله أن الجنديان إتجها نحوه فصرعاه واقتداه إلى غرفة التحقيق وهناك اكتشف أن أفراد الشبكة ارتكبوا خطئا فادحا ... لم يقوموا بنزع العلب السرية ... وكان هذا كفيلا بالقبض عليه لينال نصيبا من التعذيب من أجل الاعتراف، غير أنه صمد كما صمدت ابنته فاطمة تحت التعذيب الوحشي الذي سلطه عليها المظلِيون الفرنسيون بالكهرباء والماء والألواح والمسامير والعجلات، فكانت في كل مرة تصرخ " أنا لم أقتل أحدا، أنا لم أقتل أحدا". وكأنها تشعر بالغبطة كلما رددت هذا ولما يئسوا منها وجهوها إلى المحكمة بوجهها المدمى وجسدها المنهك وشعرها المبعثر ... كانت آثار التعذيب بادية على كل المحكومين هناك ... جاء دورها وقفت بين يدي القاضي ... سرد عليها قائمة التهم الموجهة ضدها ... ولما أنهاها قال دون أن يرفع نظره إليها... مسجل أنك اعترفت بكل هذه التهم لهذا فقد حكمت عليك المحكمة بالإعدام .
- كل الناس متساوون أمام القانون ... والعدالة للجميع .
رفع القاضي نظره إلى فاطمة كانت تحدق باللوحة فوق رأسه وقد زينها ميزان متساوي الكفتين وكتب على جانبيه عبارات عادلة .
- لاداعي لقول هذا يا ابنتي ... أنتم لا تنوون الاستسلام أبدا .
ردت عليه ببرودة وعلت شفتيها إبتسامة بريئة: كنت سعيدة لأنني لم أضطر لقتل أحد... لكنني أحمد الله أكثر الآن لأنني لم أعذب أحدا ... تعذيب الآخرين تصرف سيء .. سيء للغاية ... ستستقل الجزائر وستخرجون بعاركم هذا ..
أعيدت فاطمة إلى السجن ... سينفذ فيها حكم الإعدام بعد يومين ... كانت فتاة في التاسعة عشر من عمرها ... ممتلئة نفسها بالحياة والسرور. شعر كل السجناء بالأسى والحزن من أجلها ... وظلوا يصرخون بسقوط فرنسا وحياة الثورة والجزائر، وضعت فاطمة في زنزانة انفرادية ... لكنها مازالت تسمع أصوات السجينات الأخريات يشددن من عزمها ويقوين إرادتها بالأناشيد والهتافات الثورية فتمتزج أصواتهن بأصوات إخوانهم المجاهدين المحبوسين أيضا ... تعلم فاطمة أنهم يألمون كما تألم هي .. إنه ألم الشعور بالعجز ... دائما كان ينتابها عندما يقاد أحدهم للإعدام عند الفجر ... وهذا الفجر جاء دورها هي ... إشتاقت لأمها وأبيها وصالح ... ترى ماذا يفعلون الآن؟ ... أين هم ؟ ... تمنت لو تتمكن من رؤيتهم ولو مرة واحدة قبل أن تودع هذه الحياة ... تمنت لو تتمكن من ضمهم ... تمنت لو يكونون آخر من تكلمهم ... شعرت بالحزن والخوف ... تكورت حول نفسها في الزاوية المظلمة وانسابت الدموع من مقلتيها ... في فجر اليوم التالي لن تكون من الأحياء ... لن تشهد إستقلال الجزائر وخروج الأعداء منكسرين ... لن تتمكن من العودة إلى بيتها ... لكم تشتاق إلى حيّها ... وإلى حديقة بيتهم ... إلى الأزهار الفتية فيها ... تحنّ نفسها إلى مدينتها وأزقتها الضيقة ... إلى جسورها المعلقة ... إلى مدرستها وزميلاتها ... هل يشتاقون هم أيضا لها؟ ... أم مازالوا يعتبرونها ابنة الخائن؟ ... عادت فارتسمت بين عينيها مقصلة الإعدام وشعرت بالرعب وتمنت من كل أعماقها ألا يأتي فجر اليوم التالي ... لكنه جاء ... ركعت لله ركعتين ... غسلت بماء عينيها وجهها الشاحب ورفعت يديها إلى الله تطلب منه أن يثبتها ويقويها حتى آخر لحظة ... لا تريد أن تنهار ... تريد أن تلقاه صابرة محتسبة ... مقبلة غير مدبرة ... لقد تحملت الآلام والتعاب في سبيل عقيدتها ... لا تريد أن تخذلها إرادتها في هذه اللحظات العسيرة الحاسمة ... ستلقى الله صامدة ثابتة ... ستكمل مشوارها كما بدأته ... لكنها هذه المرة غير واثقة ... تحتاج أن يمدها الله بكل العون والقوة ... لا يمكنها تجاوز هذه المحنة بنفسها ... تحتاج إلى قوة عظيمة .. إنها لاتحتاج الى أحد من البشر ... لا تريد أحدا من سكان هذه الأرض ... تريد ربّ السماء ... تريد أن يكون الله معها ... وحده القادر على مساندتها والوقوف بجانبها لتبقى قوية صامدة حتى آخر لحظة ... أتى ذلك الفجر الباهت ... وأتى جنديان عصّبا عينيها وكمما فمها وتقدمت بخطوات مرتعشة ... مرت على الزنزانات الأخرى بدأ أصحابها يضربون على الأبواب بشدة وانظم إليهم باقي المساجين في الغرف الجماعية ... وتعالت الهتافات واختلطت بالتكبير والزغاريد ... هبت نسمة ربيعية باردة على وجه فاطمة فسرت قشعريرة في بدنها ... علمت أنها قريبة جدا من المقصلة ... لقد اشتدت الهتافات ... إنهم الناس في الخارج ... صارت أصواتهم تصم الآذان ... و تملأ قلب فاطمة ... كل المدينة خرجت لتحيتها ... كل المدينة تعلم أنه فجر فاطمة ... هل أمي معهم؟ ...وأبي؟... صالح، هل هو هناك؟ ... وزينب، هل خرجت أيضا؟ ... طار بها خيالها إلى أرصفة المدينة وشرفات وأسطح منازلها ... كانت العائلات محتشدة فوق الأسطح والشرفات يضربون على المهارس الخاوية ... وكأنهم في موكب تزف فيه الفتاة فجرا ... ارتسمت ابتسامة وجلة على وجه الفتاة ... أزيحت العصابة عن عينيها ولفهما ضوء باهر أغمضت عينيها واستنشقت ذلك الهواء العليل فشعرت به يسري في جسدها المنهك فيشفيه ويبرأ ما به من سقم ... تشعر بأن الحياة جميلة ... تشعر بأنها في مكان آخر سمعت أحدهم يقول بصوت حنون: يا ابنتي قولي لا إله إلا الله محمد رسول الله ... رددت فاطمة الشهادة واندفعت دمعة من عينها عندما حلقت روحها مع ملائكة الرحمان بعيدا عن أرض البؤس والشقاء ولفّ المدينة وأروقة وحجرات السجن صمت تام ... لم يكن صمتا جنائزيا بقدر ماكان صمتا احتفاليا ... لأن الجميع بات يشعر بنبض فاطمة ينتقل إليه ... إنه نبض الوطن، نبض الجزائر ... كانوا جميعا يتحسسون هذا النبض ... فيدركون كما لا يدرك سواهم ... لماذا قد يقدم أحد على تقديم حياته هينة من اجل حياة الأخرين، آخرون لا يعرفهم ولا يعرفونه ... فقط آمن يوما أن حياتهم مسؤوليته، أمن ومضى .
وضع أحمد أدواته قبالة باب المحكمة وجلس على البلاط وشعر بدم جديد يتدفق في جسمه يجعله خفيفا ويرفع به إلى عنان السماء ... شعر بنفسه خفاقة فوق السحاب ... أغمض عينه وحاول تتبع ذلك الإحساس وشعر بنفسه تسمو معه ... وإحتاج إلى كامل تركيزه وظل وراء ذلك الفيض من الخوارق ... كان معمرا قد وضع رجله على الصندوق وبدأ يصيح بالولد ... انتبه أحمد كان قد وصل إلى نهاية طريقه السماوي ... انتفض ... سحب صندوقه ... فتأرجح الرجل إلى الخلق ساخطا ... لكن أحمد لم يعره إهتماما ... عليه اللحاق بالركب قبل أن يفوته ... ركض بكل قوته ... وعند باب المسجد توقف ... وضع أدواته خارجا ... نزع حذاءه واندفع مسرعا ... التفت يمينا وشمالا ... وقع نظره على المصحف الشريف ... هرع نحوه ... وجلس بين يديه ... استجمع كل قوته ... مسح يده في خرقة من ثوبه ... أدخل الهواء إلى جوفه وشعر برئتيه تمتلآن ... وأحس كما لو أن العالم كله يحتظنه ... وضع يده على المصحف وقال بصوت هادئ تدفقت معه دماء حارة بعروقه وزفرات شجية وشعر أن الكون الحر يردد خلفه : « أقسم بالله أني لا أخدع نظام الجبهة، وأن ألتزم بتنفيذ أوامرها وأن أطيع مسؤوليها، وأن لا أفشي سرا من أسرار الثورة مهما كانت الظروف والأخطار التي أتعرض لها «
كانت سوزي ونادية تتجاذبان أطراف الحديث عندما رن جرس الهاتف رفعت نادية السماعة وبدت على وجهها الدهشة وبعد مدة وضعتها ومسحت وجهها بكفيها ... علمت سوزي أن أمرا جللا قد حدث فسألتها: ماذا هناك؟ .
-لقد إعتقلت فرنسا خمسة من زعماء الثورة كانوا متجهين من المغرب إلى تونس، بعد أن أجبرت طائرتهم على النزول بمطار الدار البيضاء.
سألت سوزي باهتمام: من هم؟ .
-أحمد بن بلة، حسين آيت أحمد، محمد بوضياف، محمد خيضر ومصطفى الأشرف .
-هذه قرصنة جوية ... أعتقد أن الأمر مجرد إشاعة .
-فرنسا لم تعد تهمها كرامتها أمام العالم ... المهم عندها كسر الثورة .
- الأمر غير مؤكد بعد ...ربما وحدهم سلموا أنفسهم .
-ستصل الصور بعد حين ... هي ستخبرنا بكل شيء .
سكتت البنتان برهة وبدت تعابير وجهيهما مختلفة متناقظة، وفجأة قدمت سوزي صفحة مطوية من جريدة المجاهد لنادية وقالت لها مستغربة :
- هل تستطيعين إخباري من يكون صاحب هذا التعليق؟.
ردت نادية ببرودة :اسمه مكتوب في آخر المقال .
نظرت إليها سوزي بعيون ضيقة وقالت: إنه كمال ... هذا أسلوبه أنا أعرفه .
-حقا ؟!!
-أجل ... أنا أستطيع جيدا تمييزأسلوبه ... إنه مميز لا يتقنه إلا هو.
- لكن كاتب التعليق رمز لاسمه بـ س.ل ؟!
- هذا طبيعي ... إنها جريدة الثورة .
في التاسع عشر من ماي كان الطلبة الجزائريون في الجامعات والثانويات والاكماليات قد تركوا مقاعد الدراسة واِلتحقوا بالثورة في الجبال والمدن والقرى ...لقد شعروا بالخجل من أن يستمروا في الدراسة من أجل الحصول على تلك الشهادات في حين أن إخوانهم وأبناء جلدتهم يتحملون الصعاب والموت مكافحين من أجل جزائر حرة مستقلة ... انتظرت زينب حتى الخريف وانضمت إلى مجموعة من الفتيات وانطلقن نحو الجبل ملبيات لنداء الوطن ... كان يتقدمهن دليل من جيش التحرير الوطني ... وكانت حركتهن مثالية لم يتوقعها الدليل رغم أن التعب قد نال منهن منالا عظيما، غير أنهن أصررن على المضي قدما يدفعهن شوق للمباشرة في العمل ودفع عجلة الثورة بنفسٍ شباني جديد ... وصلت المجموعة أخيرا إحدى المداشر الجبلية فاستقبلهم أهلها مرحبين فرحين مسرورين ... جلسوا في فناء أحد المنازل يستريحون، وهرعت النسوة فقدمن لهم الطعام والشراب، وتصاعدت ثرثرة المجندات الجديدات كل واحدة تصف حال رجليها والتعب الذي نال منهما ... أشعل الدليل المذياع وأنصت الجميع لصوت المذيع المجلجل يبث روح العزيمة في نفوس المجاهدين من إذاعة صوت الجزائر التي تبث لأول مرة من العاصمة الجزائرية باللغة العربية والأمازيغية والفرنسية ... بعد لحظات سمعت دقات قوية على الباب هرعت إحدى العجائز وفتحته ... كان غلاما يلهث من التعب: خيالة فرنسية قادمة.
- كم عددهم؟! ... سأل الدليل .
- أكثر من عشرة بقليل.
- علينا ترك المكان حالا ... قد تكون وشاية .