ثبتت عمليتا ذبح رهائن مصريين في ليبيا وقبلها ذبح "جواسيس" في سيناء أن تنظيم داعش صدر أساليبه القتالية إلى أماكن أخرى خارج قاعدته الأساسية في العراق وسورية، لكن ما هي ظروف إعلان وجوده في هذين البلدين، وما الدعم الذي يتلقاه من قاعدته، وهل ينجح في ترسيخ وجوده؟كشف المركز الدولي لدراسات التشدد عن التأثير الكبير له على متشددي سيناء، فجماعة "أنصار بيت المقدس" أعلنت مبايعتها لأبو بكر البغدادي الذي دعا إلى "السمع والطاعة لأمير داعش في ولاية سيناء".خرج الذراع الإعلامي للجماعة بمقطع فيديو يردد فيه كلمات البغدادي، أعقبه مقاطع لأناشيد وآيات قرآنية تشجع على الجهاد استجابة لأمير التنظيم. ونشر مقالا دعا فيه إلى إقامة "الخلافة الإسلامية في مصر انطلاقا من سيناء".هذا التطور يبرز أن التنظيم الأم جعل سيناء ولاية يجوز الاستحواذ عليها على غرار العراق وسورية.تنبأت صحيفة نيويورك تايمز بدعم داعش لمسلحي سيناء لما لديه من ثروة ضخمة وأسلحة ومقاتلين.قلل موقع لوجورنال من أهمية سيناء لداعش مقارنة بمناطق أخرى مشتعلة، لكنه قال إن خطاب البغدادي عنها ودعوته للهجرة إليها والتقارير عن فرار مسلحين من شمال إفريقيا واليمن والشام أبرز أهميتها ورغبة البغدادي في انضمام جماعات جديدة تحت لوائه.الباحث في واشنطن المتخصص في الجماعات الإسلامية خليل العناني قال لموقع قناة "الحرة" إن في سيناء قيادات تتمتع بخبرات قتالية ولديها علاقات "اقتصادية وعسكرية وأيدولوجية" بالتنظيم الأم.وبالنسبة لمؤلف كتاب "داعش.. خرائط الوهم" لمحمود الشناوي، والذي عمل رئيسا لمكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط في العراق، فأكد لموقعنا الدعم اللوجيستي لداعش من خلال المعسكرات الخارجية والداخلية في سيناء.مستقبل داعشرصد أرون زيلين في واشنطن بوست الجماعة بثوبها الجديد، وكتب أنها أظهرت نوعا من الولاية بإحراق مزارع للمخدرات وتعويض أهالي المتضررين من هدم المنازل، لكن "الداعشيين الجدد" محاصرون من جيشين قويين (مصر وإسرائيل) فضلا عن محاربة حماس للسلفيين الجهاديين في غزة خوفا على شرعيتها.ويتوقع الشناوي تواجدا "ضئيلا جدا" للتنظيم في سيناء "يصعب الوصول إليه عسكريا واجتماعيا أو سياسيا"، فضلا عن صعوبات أخرى لأن مصر في نظره لا تنتشر فيها الطائفية أو الجهوية أو الانتماءات القبلية.ويربط العناني قدرة التنظيم على تجنيد مقاتلين جدد بالتعاطي الأمني مع سيناء، والأزمة السياسية في البلاد، ويرفض فكرة وجود نظام حكم لداعش، مشبها إياه بحالة "تمرد" قد تنجح الأجهزة الأمنية في قمعه على المدى الطويل إذا طورت قدراتها على خوض حرب عصابات. يشير أيضا إلى الرفض الشعبي الواسع لداعش سواء في سيناء أو غيرها من مناطق.الإخوان وحماسمع ارتفاع وتيرة العمليات في سيناء بعد سقوط الرئيس محمد مرسي، أصبحت جماعة الإخوان وحركة حماس متهمتين بدعم "الإرهاب"، لكنها اتهامات يرفضها آخرون بالنظر إلى مطاردة حماس للمتشددين في غزة، ولأن داعش نفسه يكفر الجماعة، حسب ما قال العناني.في شهادته أمام الكونغرس عن التحديدات الأمنية للولايات المتحدة في مصر، حذر توماس جوسيلين الخبير في مؤسسة "ديفينس أوف ديموكراسيس" من جماعة "مجلس شوى المجاهدين"، الناشطة في سيناء وغزة، التي نفذت هجوما داميا في 2012 على الحدود المصرية الإسرائيلية.رصد جوسيلين زيادة معدلات العنف بعد سقوط مرسي، لكنه قال" بعض العناصر في جماعة الإخوان تمارس العنف، وقد لا يكون ذلك مؤكدا". وأشار أيضا إلى إطلاق سراح "جهاديين سابقين" خلال عهد مرسي، ومن بينهم القيادي محمد جمال الذي اعتبره من أكثر الشخصيات تهديدا للأمن القومي الأميركي.يقول الشناوي إن داعش يستند في تبرير عملياته إلى كتابات منظرين من بينهم مؤسس جماعة الإخوان سيد قطب. ويتهم الجماعة بأنها منحت "الملاذات الآمنة والأوراق الثبوتية للمتشددين" خلال حكم الجماعة. وبالنسبة لحماس، فقد تقلصت قدراتها جراء العمليات العسكرية للجيش المصري، لذا يرجح ذات المتحدث أن أي عمليات مسلحة نفذت بعد عزل مرسي تم التخطيط لها في الماضي عبر استخدام أسلحة كانت موجودة بالفعل.ويؤكد العناني من جانبه اتجاه بعض الأفراد إلى العنف، لكنه يرفض اتهام الجماعة بدعم الإرهاب: "هم يمارسون عنفا سياسيا قد تمارسه أي جماعة سواء إسلامية أو غير إسلامية كرد فعل على القمع السياسي". ويرى بالمقابل أن التنظيم يؤمن بالإصلاح التدريجي، على عكس داعش الذي يمارس، حسب نظره، العنف الأيدولوجي القائم على التكفير ورفض العملية السياسية برمتها.وبالنسبة للخبير الأمني الفلسطيني نظام صلاحات، فهو يرى أن حماس كان لها دائما دور في سيناء تجلت مظاهره بعد وصول السيسي إلى السلطة. ويؤكد في لقاء مع موقع قناة "الحرة" صعوبة الخروج بتعميم نهائي حول علاقة الحركة بالتنظيمات المتشددة، لأنها تعتمد تكتيكات مختلفة، فقد تحاربها أحيانا لإيصال رسائل سياسية أهمها أنها حركة معتدلة، وقد تدعمها بشكل غير مباشر بهدف التأثير العسكري.يقول صلاحات: "هذه الجماعات لا تقدر الاستمرار في نشاطاتها وسطوتها دون مرجعية وعلاقة منظمة بالمناطق المجاورة لها". وأضاف أن ما أسماه الجماعات السيناوية تتواصل مع مناطق أخرى في السودان وليبيا، إلى جانب أطراف متشددة في حماس تسعى لتحقيق مكاسب سياسية وتأمين خطوط إمداد مع سيناء.من سيناء إلى القاهرةلا يرتبط الفكر الداعشي في مصر بتواجد مسلحين مدربين على تنفيذ عمليات ويعيشون في مناطق شاسعة في الصحراء، فكثير من مؤيديه أشخاص عاديون.لم يخطر ببال أصدقاء الشاب إسلام يكن، الذي ترعرع في حي مصر الجديدة الراقي، أن يلتحق بداعش في سورية وينشر صوره مفتخرا بانتمائه لأخطر التنظيمات الدولية.ولا الحكم محمود الغندور الذي انتقل من حياة كرة القدم إلى الإرهاب، بعد أن كانت عاش حياة عادية كأي شاب.في شهادتهم عن الداعشي الجديد، كشف أصدقاء يكن أنه كان شغوفابارتياد صالات الألعاب الرياضية لتكوين جسد رياضي يساعده على جذب الفتيات، لكنه كان أيضا حريصا على الموازنة بين التدين والعصرية. انزوى يكن تدريجيا وحذف صديقاته من قائمة أصدقائه على الانترنت، وزاد اهتمامه بالشأن السياسي والديني. اختفى فجأة، ثم ظهر كمسؤول تدريبات اللياقة البدنية في داعش.سلك محمود الغندور، خريج كلية الحقوق وحكم دوري الدرجة الثانية، نفس المسار بعد أن كان شابا عاديا يهوى التمثيل والغناء.تبرأت منه عائلته، وورد في أكثر من تصريح لها أنه عاش حياة مليئة بالملذات.يقول الشناوي، الذي رصد ظاهرة انضمام الشباب لداعش في كتابه، إنه لاحظ أن الشباب المنطوين تحت لواء داعش لا ينتمون فقط إلى البيئات الفقيرة. ورد ذلك إلى "عدم استيعاب طاقات الشباب العملية (وليس الدينية) لأنهم لا يجدون دورا ملائما لهم في المجتمع، ومن ثم يبحثون عن هذا الدور فيجدونه في فكرة دولة الحق والعدل" التي يروج لها التنظيم من خلال أئمته "الوهميين" المنتشرين على مواقع التواصل الاجتماعي.ويستقطب أئمة داعش الشباب بنشر صور البؤس التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية، ومشاهد العنف في الصراع السوري. يقول "هذا هو المقوض الرئيسي الذي تستخدمه داعش لاستقطاب الشباب خاصة من طبقات لم يكن مسموح لها الانتماء لهذه التنظيمات".ويشير العناني إلى ضرورة وضع الفكرة في إطار نشوء جيل الثالث من المتشددين صدمه فشل الثورة السورية وتحولها إلى "ما يشبه الحرب الأهلية" ومن ثم توفير بيئة مناسبة للإرهاب إلى جانب ما اعتبره فشل الموجة الأولى من الربيع العربي في عدم تحقيق آمال الشباب.

كيف وصل فكر داعش إلى مصر وما مستقبله؟