متى نتوقف عن حب الآخرين؟ أو متى يتوقف الآخرون عن حبنا؟ لماذا تستمر بعض العلاقات و البعض الآخر تنقطع؟ هل حبنا لغيرنا مصلحة ينتهي بانتهائها؟ بارتوائنا منهم؟ لماذا تدوم الصداقات فترة أطول من علاقات الحب؟ و لماذا تنجح زيجات و تفشل أخرى؟ في الحقيقة؛ هي قاعدة في الحب بسيطة تشرح كل شيء: ينتهي حبنا للآخرين حينما يزول ما كنا نحبه فيهم.
لو أن رجلاً أحب امرأة لجمالها لانتهى حبه لها حينما تشيخ ملامحها. و لو أحبت امرأة رجلاً لأنه يضحكها لنضب حبها له حينما تصبح نكاته في نظرها سمجة. لذا فإن الحب الذي يبنى على التعلق بشخصية الآخر هو الذي يستمر في الغالب إلا حينما تتغير هذه الشخصية مع مرور الأيام. و للأسف فإن أكثر المحبين يحاولون أن يضعوا بصمتهم في شخصيات من أحبوا فيغيروها حتى إذا ما مرت الأيام ملّوا ذلك التغيير فيهم و قالوا: لم تعد كما كنت حينما أحببتك. فيذبل الحب حتى يموت.
إن الأشخاص الذين يحاولون جذب الآخرين لهم بأشكالهم و مظاهرهم ينجحون غالباً مع من يتعلق بالشكل فقط، و لكن حب الآخرين لهم لا يدوم طويلاً ـ في الزواج مثلاً ـ فالمنظر يُملّ سريعاً و يصبح مع الأيام قناعاً جميلاً تختبئ خلفه شخصية هزيلة. أما الأشخاص ذوو الشخصيات الرائعة و المرحة و الجميلة فهم حتى و إن كانوا يجذبون الآخرين لهم ببطء فإنهم لا يخسروا هذا الحب الذي أوجدوه بسهولة. فغالباً ما تَزِين شخصياتهم مع مرور الوقت أكثر فأكثر، فلا يمل الناس مجلسهم و لا قربهم.
إن حبنا لأمهاتنا و آبائنا لا ينتهي، و علاقتنا مع أصدقائنا بالكاد تنقطع. لأن الحب الذي نحمله في قلوبنا لأمهاتنا و آبائنا متعلق بحجم المواقف التي عاشوها معنا و التضحيات التي قاموا بها من أجلنا. نحن لا نحبهم لأنهم أجمل من غيرهم، بل لأننا علقنا تلك المحبة بشخصياتهم الجميلة التي قدمت ـ و ما زالت تقدم ـ أبناءها في كل موقف على نفسها. لذا، فحبنا لهم يدوم أبداً. و الأصدقاء تربطنا بهم شخصياتنا المتقاربة و اهتماماتنا المشتركة. نحبهم لأنهم يحبون ما نحب و يكرهون ما نكره و يحترمونا كما نحن و لا يحاولون جاهدين تغييرنا ما دمنا لا نريد تغيير أنفسنا. هم يقبلونا كما نحن، لذا نشعر بأريحية في التعامل معهم فلا نتوقف عن حبهم و لا يجف الوصال إلا حينما تتبدل هذه الصفات فينا أو فيهم.
و هذا يفسر كثيراً ظاهرة موت عجوز بعد موت زوجها بفترة قصيرة أو العكس. هم علّقوا حبهم للحياة بأزواجهم، يحبون الحياة ما دام أزواجهم فيها. فيستمدون منهم الطاقة كل يوم، و من أجلهم يتقوون ضد أمراضهم و يحاربون أيامهم السيئة. فإذا ماتوا خبت تلك الروح العالية، و كرهوا الحياة و أحبوا الموت. لأن الموت الآن سيجمعهم مرة أخرى بمن يحبون. الحياة لم يعد فيها ما يستحق العيش من أجله.
من المهم جداً لو اردت أن تستمر علاقتك بشخص تحبه جداً أن تعلق محبتك هذه بشيء يصعب زواله فيه. لا تحبه لشكله، فالعالم مليء بمن هم أجمل منه. و لا بمهاراته، فستلتقي بأناس أمهر منه. و لكن بروحه و حبه لك و تقبله لعيوبك و اهتمامه بك. أحبه لتلك التفاصيل الصغيرة التي لا يعرفها عنه أحد سواك. ستجد أنك متعلق بكيان خاص فيك، حتى الذين من حولك سيتعجبون من هذا التعلق بشخص قد لا يروه ذا جاذبية تذكر. و لكنك وحدك تعرف لماذا يستحق كل هذا الحب. أدام الله عليكم حبكم و من تحبون