جاءت الشريعة الإسلامية بقواعد وأصول، وفيها الكثير من الأحكام والتشريعات، وهي كلها من عند الله عز وجل، وقد أراد الله منا أن نعبده بهذه القواعد والأحكام، ولا يجوز لنا أن نفترض طريقةً أخرى لإرضائه سبحانه وتعالى؛ إنما وجب علينا الالتزام الكامل بما شَرَعَه اللهُ، وقد قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36]، ولما كان من المستحيل أن يعرف إنسانٌ مرادَ الله في قضية من القضايا إلا عن طريق العلم الصحيح بما قاله اللهُ تعالى، أو رسوله صلى الله عليه وسلم، لزم أن يلتزم المسلم بسؤال أهل العلم؛ وقد قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7]، وقد جعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم السؤال في الدِّين سُنَّة نبوية أصيلة، وحذَّر بشدَّة أن يُفْتِي المرء برأيه في مسألة من مسائل الدِّين؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: حسن- عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ. فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ».
ففي هذا الموقف لم يشفع للصحابة حُسْنُ نِيَّتهم في الإجابة على السائل، إنما حَمَّلهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المسئولية كاملةً إلى الدرجة التي اعتبرهم فيها قتلةً للرجل السائل!
فليلتزم كلٌّ منا بهذه السُّنَّة المهمَّة جدًّا، وليبحث عن أحكام الشريعة عند أهلها من العلماء، ولْيتجنَّب تمامًا الإفتاء بالرأي، فإننا نريد أن نعبد اللهَ كما يُريد سبحانه، لا كما نريد نحن.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني