مراقب
تاريخ التسجيل: July-2014
الدولة: ميسوبوتاميا
الجنس: ذكر
المشاركات: 41,133 المواضيع: 3,594
صوتيات:
131
سوالف عراقية:
1
المهنة: طالب جامعي
أكلتي المفضلة: حي الله
آخر نشاط: منذ 8 ساعات
حديث العقبة وبيعة الأنصار لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الإسلام
في كتاب دلائل النبوّة : عن الزهريّ قال: كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يعرض نفسه على قبائل العرب في كلّ موسم، ويكلّم كلّ شريف قوم، لا يسألهم مع ذلك إلاّ أن يؤووه ويمنعوه ويقول: «لا اُكره أحداً منكم على شيء، من رضي منكم بالذي أدعوه إليه فذاك، ومن كره لم اُكرهه، إنّما اُريد أن تحرزوني ممّا يراد بي من القتل حتّى اُبلّغ رسالات ربّي، وحتّى يقضي الله عزّ وجلّ لي ولمن صحبني ما شاء الله» فلم يقبله أحد منهم ولم يأت أحداً من تلك القبائل إلاّ قال : قوم الرجل أعلم به، أترون أنّ رجلاً يصلحنا وقد أفسد قومه ولفظوه؟!
فلمّا توفّي (أبو طالب) اشتدّ البلاء على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أشدّ ما كان، فعمد لثقيف بالطائف رجاء أن يؤووه، فوجد ثلاثة نفر منهم هم سادة ثقيف يومئذ، وهم إخوة : (عبد ياليل بن عمرو، وحبيب بن عمرو، ومسعود بن عمرو) ، فعرض عليهم نفسه وشكا إليهم البلاء وما انتهك منه قومه، فقال أحدهم: أسرق أستار الكعبة إن كان الله بعثك بشيء قطّ.
وقال الآخر: أعجز على الله أن يرسل غيرك؟
وقال الآخر: والله لا اُكلّمك بعد مجلسك هذا أبداً، والله لئن كنت رسول الله لأنت أعظم شرفاً وحقاً من أن اُكلّمك، ولئن كنت تكذب على الله لأنت شرّ من أن اُكلّمك.وتهزّؤوا به، وأفشوا في قومهم الذي راجعوه به، فقعدوا له صفّين على طريقه، فلمّا مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين صفّيهم كان لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلاّ رضخوهما بالحجارة ـ وقد كانوا اعدوها ـ حتّى أدْموا رجليه، فخلص منهم ورجلاه تسيلان الدماء، فعمد إلى حائط من حوائطهم واستظلّ في ظلّ حَبَلة (1) منه وهو مكروبٌ موجع، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، فلمّا رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما لله ورسوله، فلمّا رأياه أرسلا إليه غلاماً لهما يدعى عدّاس وهو نصراني من أهل نينوى معه عنب، فلمّا جاءه عدّاس قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «من أيّ أرض أنت»؟
قال: أنا من أهل نينوى.
فقال له صلّى الله عليه وآله وسلّم: «من مدينة الرجل الصالح يونس بن متّى»؟
فقال له عدّاس: وما يدريك من يونس بن متّى؟
فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وكان لا يحقّر أحداً أن يبلّغه رسالة ربّه ـ: «أنا رسول الله والله تعالى أخبرني خبر يونس بن متّى».
فلمّا أخبره بما أوحى الله إليه من شأن يونس بن متّى خرّ عدّاس ساجداً لله، وجعل يقبّل قدميه وهما تسيلان دماً.
فلمّا بصر عتبة وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا، فلمّا أتاهما قالا له : ما شأنك سجدت لمحمّد وقبّلت قدميه ولم نرك فعلته بأحد منّا؟
قال: هذا رجل صالح أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى (يونس بن متّى).
فضحكا وقالا: لا يفتننّك عن نصرانيّتك، فإنّه رجلٌ خدّاع، فرجع رسول الله إلى مكّة (2).
قال عليّ بن إبراهيم بن هاشم: ولمّا رجع رسول الله (صلّى عليه وآله وسلّم) من الطائف وأشرف على مكّة وهو معتمر كره أن يدخل مكّة وليس له فيها مجيرٌ، فنظر إلى رجل من قريش قد كان أسلم سرّاً، فقال له: «ائت الأخنس بن شريق فقل له: إنّ محمداً يسألك أن تجيره حتّى يطوف ويسعى فإنّه معتمر».
فأتاه وأدّى إليه ما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال الأخنس: إنّي لست من قريش، وإنّما أنا حليف فيهم، والحليف لا يجير على الصّميم، وأخاف أن يخفروا جواري، فيكون ذلك مسبّة.
فرجع إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في شعب حرّاء مختفياً مع زيد فقال له: «ائت سهيل بن عمرو فاسأله أن يجيرني حتّى أطوف بالبيت وأسعى».
فأتاه وأدّى إليه قوله، فقال له: لا أفعل.
فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اذهب إلى مطعم بن عديّ فسله أن يجيرني حتّى أطوف وأسعى».
فجاء إليه وأخبره فقال: أين محمّد؟ فكره أن يخبره بموضعه، فقال: هو قريب، فقال: ائته فقل له: إنّي قد أجرتك فتعال وطف واسع ماشئت.
فأقبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال مطعم لولده، واختانه (3)، وأخيه طعيمة بن عديّ : خذوا سلاحكم فإنّي قد أجرت محمّداً وكونوا حول الكعبة حتّى يطوف ويسعى، وكانوا عشرة فأخذوا السلاح.
وأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتّى دخل المسجد، ورآه أبو جهل فقال: يا معشر قريش هذا محمّد وحده وقد مات ناصره فشأنكم به.
فقال له طعيمة بن عديّ: يا عمّ لا تتكلمّ، فإنّ أبا وهب قد أجار محمّداً، فوقف أبو جهل على مطعم بن عدّي فقال: أبا وهب أمجيرٌ أم صابىء؟
قال: بل مجيرٌ.
قال: إذاً لا يخفر جوارك.
فلمّا فرغ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من طوافه وسعيه جاء إلى مطعم، فقال: «أبا وهب قد أجرت وأحسنت، فردّ عليّ جواري».
قال: وما عليك أن تقيم في جواري؟
قال: «أكره أن اُقيم في جوار مشرك أكثر من يوم».
قال مطعم: يا معشر قريش، إنّ محمداً قد خرج من جواري (4).
قال علي بن إبراهيم: قدم أسعد بن زرارة، وذكوان بن عبد قيس في موسم من مواسم العرب، وهما من الخزرج، وكان بين الأوس والخزرج حربٌ قد بغوا فيها دهراً طويلاً، وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار، وكانت آخر حرب بينهم يوم بعاث (5)، وكانت للأوس على الخزرج، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكّة في عمرة رجب يسألون الحلف على الأوس، وكان أسعد بن زرارة صديقاً لعتبة بن ربيعة، فنزل عليه فقال له: إنّه كان بيننا وبين قومنا حربٌ وقد جئناك نطلب الحلف عليهم.
فقال له عتبة: بعدت دارنا من داركم ولنا شغل لا نتفرّغ لشيء.
قال: وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟
قال له عتبة : خرج فينا رجل يدّعي أنّه رسول الله ، سفّه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وأفسد شبّاننا، وفرّق جماعتنا.
فقال له أسعد: من هو منكم؟
قال: ابن عبدالله بن عبد المطّلب، من أوسطنا شرفاً، وأعظمنا بيتاً.
وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم -النضير وقريظة وقينقاع- : انّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة، لنقتلنّكم به يا معشر العرب فلمّا سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود، قال: فأين هو؟
قال: جالسٌ في الحجر، وإنّهم لا يخرجون من شعبهم إلاّ في الموسم، فلا تسمع منه ولا تكلّمه فإنّه ساحرٌ يسحرك بكلامه وكان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشّعب.
فقال له أسعد: فكيف أصنع وأنا معتمر، لابدّ لي أن أطوف بالبيت؟
قال: ضع في اُذنيك القطن.
فدخل أسعد المسجد وقد حشا اُذنيه بالقطن، فطاف بالبيت ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم، فنظر إليه نظرة فجازه، فلمّا كان في الشوط الثاني في نفسه: ما أجد أجهل منّي، أيكون مثل هذا الحديث بمكّة فلا اتعرفه حتّى أرجع إلى قومي فاُخبرهم؟ ثمّ أخذ القطن من اُذنيه ورمى به وقال لرسول الله (صلّى عليه وآله وسلّم): أنعم صباحاً.
فرفع رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم) رأسه إليه وقال: «قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا، تحيّة أهل الجنّة السلام عليكم».
فقال له أسعد: إنّ عهدك بهذا لقريب، إلى ما تدعو يا محمّد؟
قال: «إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله، وأدعوكم إلى أن لا تشركوا به شيئاً، وبالوالدين إحساناً، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإيّاها، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ ذلك وصاكم به لعلّكم تعقلون، ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه، وأوفوا الكيل والميزان بالقسط، لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها، وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلّكم تذكّرون».
فلمّا سمع أسعد هذا قال له: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّك رسول الله، يا رسول الله بأبي أنت واُمّي، أنا من أهل يثرب من الخزرج، وبيننا وبين إخوتنا من الأوس حبالٌ مقطوعة، فإن وصلها الله بك فلا أجد أعزّ منك، ومعي رجلٌ من قومي، فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمّم الله لنا أمرنا فيك، والله يا رسول الله لقد كنّا نسمع من اليهود خبرك ، ويبشّروننا بمخرجك بصفتك ، وأرجو أن تكون لله دارنا هجرتك ، وعندنا مقامك، فقد أعلمنا اليهود ذلك، فالحمد لله الذي ساقني إليك، والله ما جئت إلاّ لنطلب الحلف على قومنا، وقد آتانا الله بأفضل ممّا أتيت له ثمّ أقبل ذكوان فقال له أسعد: هذا رسول الله الذي كانت اليهود تبشّرنا به وتخبرنا بصفته، فهلّم فاسلم، فأسلم ذكوان ثمّ قالا: يا رسول الله ابعث معنا رجلاً يعلّمنا القرآن ويدعو النّاس إلى أمرك.
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لمصعب بن عمير، وكان فتى حدثاً مترفاً بين أبويه يكرمانه ويفضّلانه على أولادهما ولم يخرج من مكّة، فلمّا أسلم جفاه أبواه، وكان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الشعب حتّى تغّير وأصابه الجهد، فأمره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالخروج مع أسعد، وقد كان تعلّم من القرآن كثيراً، فخرجا إلى المدينة ومعهما (مصعب بن عمير) فقدموا على قومهم وأخبروهم بأمر رسول الله وخبره، فأجاب من كلّ بطن الرجل والرجلان، وكان مصعب نازلاً على أسعد بن زرارة، وكان يخرج في كلّ يوم فيطوف على مجالس الخزرج يدعوهم إلى الاِسلام فيجيبه الأحداث، وكان عبدالله بن اُبيّ شريفاً في الخزرج، وقد كان الأوس والخزرج اجتمعوا على أن يملّكوه عليهم لشرفه وسخائه، وقد كانوا اتّخذوا له اكليلاً احتاجوا في تمامه إلى واسطة كانوا يطلبونها، وذلك أنّه لم يدخل مع قومه الخزرج في حرب بعاث ولم يعن على الأوس، وقال: هذا ظلم منكم للأوس ولا اُعين على الظلم، فرضيت به الأوس والخزرج، فلمّا قدم أسعد كره عبدالله ما جاء به أسعد وذكوان وفتر أمره فقال أسعد لمصعب: إنّ خالي سعد بن معاذ من رؤساء الأوس، وهو رجلٌ عاقل شريف مطاع في بني عمرو بن عوف، فإن دخل فى هذا الأمر تمّ لنا أمرنا، فهلمّ نأتي محلّتهم.
فجاء مصعب مع أسعد إلى محلّة سعد بن معاذ فقعد على بئر من آبارهم واجتمع إليه قوم من أحداثهم وهو يقرأ عليهم القرآن، فبلغ ذلك سعد بن معاذ فقال لاُسيد بن حضير وكان من أشرافهم: بلغني أنّ أبا أمامة أسعد بن زرارة قد جاء إلى محلّتنا مع هذا القرشي يفسد شبّاننا، فأته وانهه عن ذلك.
فجاء اُسيد بن حضير، فنظر إليه أسعد فقال لمصعب إنّ هدا رجلٌ شريفٌ، فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمّ أمرنا فأصدق الله فيه.
فلمّا قرب اُسيد منهم قال: يا أبا أمامة يقول لك خالك: لا تأتنا في نادينا، ولا تفسد شبّاننا، وأحذر الأوس على نفسك.
فقال مصعب: أو تجلس فنعرض عليك أمراً، فإن أحببته دخلت فيه، وإن كرهته نحّينا عنك ما تكرهه.
فجلس فقرأ عليه سورة من القرآن، فقال: كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر؟
قال: نغتسل ونلبس ثوبين طاهرين ونشهد الشهادتين ونصلّي ركعتين.
فرمى بنفسه مع ثيابه في البئر، ثمّ خرج وعصر ثوبه، ثمّ قال: اعرض عليّ.
فعرض عليه شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله، فقالها، ثمّ صلّى ركعتين، ثمّ قال لأسعد: يا أبا أمامة، أنا أبعث إليك الآن خالك وأحتال عليه في أن يجيئك.
فرجع اُسيد إلى سعد بن معاذ، فلمّا نظر إليه سعد قال: اُقسم أنّ اُسيد قد رجع إلينا بغير الوجه الذي ذهب من عندنا، وأتاهم سعد بن معاذ فقرأ عليه مصعب(حمَ تنزيلٌ منَ الرّحمن الرّحيم) فلمّا سمعها، قال مصعب: والله لقد رأينا الاِسلام في وجهه قبل أن يتكلّم، فبعث إلى منزله وأتى بثوبين طاهرين واغتسل وشهد الشهادتين وصلّى ركعتين ثمّ قام وأخذ بيد مصعب وحوّله إليه وقال: أظهر أمرك ولا تهابّن أحداً.
ثمّ جاء فوقف في بني عمرو بن عوف وصاح: يا بني عمرو بن عوف لا يبقيّن رجلٌ ولا امرأة ولا بكر ولا ذات بعل ولا شيخ ولا صبيّ إلاّ خرج، فليس هذا يوم ستر ولا حجاب.
فلمّا اجتمعوا قال: كيف حالي عندكم.
قالوا: أنت سيّدنا والمطاع فينا ولا نردّ لك أمراً فمرنا بما شئت.
فقال: كلام رجالكم ونسائكم وصبيانكم عليّ حرام حتّى تشهدوا أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله، فالحمد لله الذي أكرمنا بذلك وهو الذي كانت اليهود تخبرنا به.
فما بقي دارٌ من دور بني عمرو بن عوف في ذلك اليوم إلاّ وفيها مسلمٌ أو مسلمة، وحوّل مصعب بن عمير إليه وقال له: أظهر أمرك وادع الناس علانية.
وشاع الاِسلام بالمدينة وكثر، ودخل فيه من البطنين جميعاً أشرافهم، وذلك لما كان عندهم من أخبار اليهود.
وبلغ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ الأوس والخزرج قد دخلوا في الإسلام، وكتب إليه مصعب بذلك، وكان كلّ من دخل في الاِسلام من قريش ضربه قومه وعذّبوه، فكان رسول الله( صلّى الله عليه وآله وسلّم) يأمرهم أن يخرجوا إلى المدينة، فكانوا يتسلّلون رجلاً فرجلاً فيصيرون إلى المدينة فينزلهم الأوس والخزرج عليهم ويواسونهم.
قال: فلمّا قدمت الأوس والخزرج مكّة جاءهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال لهم: «تمنعون لي جانبي حتّى أتلو عليكم كتاب ربكم وثوابكم على الله الجنّة»؟
قالوا: نعم يا رسول الله، فخذ لنفسك وربّك ما شئت.
فقال: «موعدكم العقبة في الليلة الوسطى من ليالي التشريق».
فلمّا حجوا رجعوا إلى منى، وكان فيه ممّن قد أسلم بشرٌ كثير، وكان أكثرهم مشركين على دينهم وعبدالله بن اُبّي فيهم، فقال لهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في اليوم الثاني من أيّام التشريق: «فاحضروا دار عبد المطّلب على العقبة ولا تنبّهوا نائماً، وليتسلّل واحد فواحد».
وكان رسول الله نازلاً في دار عبد المطّلب، وحمزة وعليّ والعبّاس معه، فجاءه سبعون رجلاً من الأوس والخزرج، فدخلوا الدار، فلمّا اجتمعوا قال لهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «تمنعون لي جانبي حتّى أتلو عليكم كتاب ربي وثوابكم على الله الجنّة»؟
فقال أسعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبدالله بن حرام: نعم يارسول الله، فاشترط لنفسك ولربّك.
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «تمنعوني ممّا تمنعون أنفسكم، وتمنعون أهلي ممّا تمنعون أهليكم وأولادكم».
قالوا: فما لنا على ذلك؟
قال: «الجنّة، تملكون بها العرب في الدنيا، وتدين لكم العجم وتكونون ملوكاً».
فقالوا: قد رضينا.
فقام العباس بن نضلة وكان من الأوس فقال: يا معشر الأوس والخزرج تعلمون على ما تقدمون عليه؟ إنّما تقدمون على حرب الأبيض والأحمر، وعلى حرب ملوك الدنيا، فإن علمتم أنّه إذا اصابتكم المصيبة في أنفسكم خذلتموه وتركتموه فلا تغرّوه، فإنّ رسول الله وإن كان قومه خالفوه فهو في عزّ ومنعة.
فقال له عبدالله بن حرام وأسعد بن زرارة وأبو الهيثم بن التيّهان: مالك وللكلام يا رسول الله؟ بل دمنا بدمك، وأنفسنا بنفسك، فاشترط لربّك ولنفسك ما شئت.
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أخرجوا إليّ منكم اثني عشر نقيباً يكفلون عليكم بذلك كما أخذ موسى من بني إسرائيل اثني عشر نقيباً».
فقالوا: اختر من شئت. فأشار جبرئيل (عليه السلام) إليهم.
فقال: «هذا نقيبٌ، وهذا نقيبٌ» حتّى اختار تسعة من الخزرج، وهم: أسعد بن زرارة، والبراء بن معرور، وعبدالله بن حرام أبو جابر بن عبدالله، ورافع بن مالك، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، وعبدالله بن رواحة، وسعد بن الربيع، وعبادة بن الصامت. وثلاثة من الأوس، وهم: أبو الهيثم بن التيّهان ـ وكان رجلاً من اليمن حليفاً في بني عمرو بن عوف ـ، واُسيد بن حضير، وسعد بن خيثمة.
فلمّا اجتمعوا وبايعوا رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم) صاح بهم إبليس: يا معشر قريش والعرب، هذا محمّد والصباة من الأوس والخزرج على جمرة العقبة يبايعونه على حربكم. فأسمع أهل منى، فهاجت قريش وأقبلوا بالسلاح، وسمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) النداء فقال للأنصار: «تفرّقوا».
فقالوا: يا رسول الله إن أمرتنا أن نميل عليهم بأسيافنا فعلنا.
فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «لم اُومر بذلك ولم يأذن الله لي في محاربتهم».
فقالوا: يا رسول الله فتخرج معنا.
قال: «أنتظر أمر الله».
فجاءت قريش على بكرة أبيها قد أخذوا السلاح، وخرج حمزة ومعه السيف فوقف على العقبة هو وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فلمّا نظروا إلى حمزة قالوا: ما هذا الذي اجتمعتم عليه؟
قال: ما اجتمعنا، وما هاهنا أحد، والله لا يجوز أحد هذه العقبة إلاّ ضربته بسيفي.
فرجوا وغدوا إلى عبدالله بن اُبي وقالوا له: قد بلغنا أنّ قومك بايعوا محمّداً على حربنا. فحلف لهم عبدالله أنّهم لم يفعلوا ولا علم له بذلك، وأنّهم لم يطلعوه على أمرهم، فصدّقوه. وتفرّقت الأنصار ورجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى مكّة (6).(1) الحَبلُ: شجر العنب، واحدته حَبلَة. «لسان العرب 11: 138».
(2) دلائل النبوة 2: 414، وانظر: قصص الأنبياء للراوندي: 330، ومناقب ابن شهر آشوب 1: 68، والسيرة النبوية لابن هشام 2: 60، وتاريخ اليعقوبي 2: 36، ودلائل النبوة للاصفهاني 1: 389، والكامل في التاريخ 2: 91، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 5 | 5.
(3) الخَتن بالتحريك: كلُّ من كان قِبل المرأة، مثل الأب والأخ، وهم الأختان. هكذا عند العرب، وأمّا عند العامّة فختن الرجل: زوج ابنته. «الصحاح ـ ختن ـ 5: 2107».
(4) انظر: قصص الأنبياء للراوندي: 331، والسيرة النبوية لابن هشام 2: 20، الوفا بأحوال المصطفى 1: 214، والكامل في التاريخ 2: 92، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 7.
(5) يوم بُعاث (بضم الباء): يوم مشهور كان فيه حرب بين الأوس والخزرج. وبعاث اسم حصن للأوس. «النهاية 1: 139».
(6) انظر : تفسير القمي 1: 272 ، وقصص الأنبياء للراوندي : 332 | 412 ، والسيرة النبوية لابن هشام 2: 77 ـ 83 ، والطبقات الكبرى 1: 221 ، ودلائل النبوة للبيهقي 2 : 430 ـ 446 ،والوفا بأحوال المصطفى 1 : 224 ، والكامل في التأريخ 2 : 96 ـ 98 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19 : 8 | 5 .كتاب (إعلام الورى بأعلام الهدى) للشيخ الطبرسي.