بسم الله الرحمن الرحيم--------------------------------
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الحديث عن الإمام عليّ(ع) : "حاسب نفسك لنفسك، فإنَّ غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك"[1]. يقول الإمام(ع) إنَّ كثيراً من النّاس يشغلون أنفسهم بحساب غيرهم على ما قاموا به وما عملوه، ولكنَّك لست مسؤولاً عن حسابات غيرك فيما عمله، لأنَّ غيرك سوف يقف غداً للحساب، ويتحمَّل مسؤوليّة كلّ أعماله، وأمّا أنت، فإنّك تواجه حساب نفسك لنفسك.
وفي الحديث عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين(ع): "ابن آدم، إنَّك لا تزال بخيرٍ ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همِّك"[2]. لا بدَّ لك من أن تعظ نفسك في كلِّ ما تواجهه من أوضاع الحياة، وفي ما تتحمَّله من مسؤوليّات، ليكون حساب نفسك الهمّ الأكبر في كلِّ ذلك.
ويقول الإمام موسى الكاظم(ع): "ليس منَّا من لم يحاسب نفسه في كلِّ يوم، فإن عمل خيراً، استزاد الله منه وحمد الله عليه، وإن عمل شرّاً، استغفر الله وتاب إليه"[3].
وهكذا نجد القيمة التربويَّة لمسألة حساب النَّفس، ودراسة ما يقبل عليه الإنسان من النَّتائج السَّلبيَّة أو الإيجابيَّة، من خلال مسؤليَّاته الَّتي قام بها، أكملها أو قصَّر فيها، حتى يكتشف من خلال ذلك نقاط الضعف ونقاط القوّة عنده، لأنَّ الأمراض النفسيَّة والعقليَّة والرّوحيَّة والعمليَّة، كالأمراض الجسديّة، فإن استطاع الإنسان أن يكتشف المرض في بدايته، فإنّه يصبح لديه القدرة على معالجته بشكلٍ أسهل ممّا لو اكتشفه بعد أن يتعمَّق في النفس أو في الجسد، لأنّه من الصّعب أن يعالجه بالطّريقة التي يمكن أن يحصِّل من خلالها العافية أو الشّفاء من هذا المرض. ولذلك، أولى الإسلام عمليّة المحاسبة والدّراسة النفسيّة اهتماماً بالغاً، لكي يستطيع الإنسان معها أن يكتشف نقاط الضَّعف ليحوّلها إلى نقاط قوَّة، وأن يكتشف نقاط القوَّة ليستزيد منها ما أمكنه ذلك، لأنَّ هذه المسألة التربوية يتوقَّف عليها مصير الإنسان في نهاية المطاف.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ}. وهنا نسأل: لماذا كرَّر الله سبحانه ذكر التقوى في بداية الفقرة وفي نهايتها؟
ربما يكون الأساس في ذلك، والله العالم، أنَّه في المرَّة الأولى، أكَّد أنَّ على الإنسان أن يتّقي الله في ما عمله في الماضي، ممّا يمكن أن يُنتج نتائج سلبيّة أو إيجابيّة في مستقبل الآخرة، ثمّ إذا عرف الإنسان رصيده عند الله، في ما يستقبله من العرض على الله سبحانه، ومن الوقوف بين يديه، اتَّقى الله في ما يقبل عليه من أمره، وذلك يعني أنَّ على الإنسان أن يتَّقي الله في ما قام به، ليستغفر الله على ذنوبه، وليشكره على طاعته وعلى حسناته، ثم بعد أن يُحكِم أمره، وبعد أن يجمع رصيده ويتعرّف السّلبيات والإيجابيّات، يتَّقي الله من جديد في ما يستقبل من حياته، ليطيع الله في ما أمره به، وفي ما نهاه عنه.
[1] ميزان الحكمة، ج 1، ص 618.