طرابلس- رلى حميد
19 آذار 2015 الساعة 19:3
عشية عيد الأمهات، تاقت ماليكا بيغام إلى أبنائها. طلبت من مستخدمها أن يسمح لها بالرحيل من لبنان إلى بلدها الأم بنغلادش، فغالب أمهات الأرض يتقاسمن العيد مع أولادهن، لكن ماليكا تتقاسمه مع أولاد آخرين، يتمتع أهلهم بوجودهم، ويسعدون بهم ومعهم.
لم تسمح الظروف لماليكا أن ترحل باتجاه أبنائها. وجدت نفسها في غرفة الأطفال الذين تعتني بهم في المنزل الذي تعمل فيه في القبة-طرابلس، وأولادها بعيدون. غرفة ملؤها الدفء والعاطفة، لكن لا مكان لأولادها فيها، وسيرحل العيد من دون رؤياهم. في لحظة كدر، لم يعد للحياة معنى لديها، شعرت أنها لم تعد تملك شيئاً من الحقّ بالحياة، والحقّ بالحرية، والحقّ بالأولاد. لم تيأس. اختارت الطريق التي ترسل بها إلى العالم رسالة باسم كل الامهات المعذبات. اختارت الغرفة الدافئة، والشال الدافئ، وكتبت بواسطتهما رسالتها إلى العالم.
في الغرفة الدافئة، أتت ماليكا بالشال، ربطته على عنقها، وعلقته بالسقف، وأطلقت العنان لجسدها المغطى بالثوب الأخضر، ترسل رسالة إلى وطنها، وعبره إلى العالم، أنه من كل هذا الدفء، أشعر بالقهر بعيدة عن أبنائي، مسلوبة الحرية لرؤيتهم، كآلاف من الأمهات مثلي.
أرادت ماليكا ان توجه رسالة الى كل العالم عنوانها "نحن لسنا مجرد خدم، بل بشر نحبّ الحياة، وهي حقّ لنا، فاحترموها ان كنتم مع انفسكم صادقين".
وقفت على حافة السرير، وقفزت ببساطة لتكون أرخص رسالة توجه إلى البشرية، لكنها أقسى رسالة، من منزل مستخدمها غالب ضاهر الموظف في مستشفى الهيكلية، وزوجته رنا ناصر المدرّسة في مدرسة حقلية بخعون، الوالدان لأربعة اولاد، ثلاثة منهم في المدرسة، وفتاة صغيرة تعتني بها ماليكا.
وأفادت مصادر أمنية ان "عائلة ضاهر أكدت أن معاملتها لماليكا كانت جيدة، وعلاقتها بالأولاد ممتازة، لكن ماليكا كانت من فترة إلى أخرى تبكي توقاً لأولادها، إلى أن امتنعت عن الطعام منذ حوالي 3 ايام، وعبّرت لضاهر عن رغبتها في السفر لرؤية أولادها، وكانت تحضر صورهم وتثابر على مشاهدتهم".
وأضافت انه "عند الحادثة، كانت قد وضعت الطفلة في غرفة ثانية لكي لا تراها الطفلة التي تبلغ من العمر سنة ونصف السنة وهي تقدم على الانتحار".
وفي المعلومات، ان صاحب المنزل أخذ يطرق الباب، ولمّا لم يفتح له احد، أخذ ينادي العاملة الأجنبية، فلم يلقَ جواباً، عندها فتح الباب الخارجي من "قمريته"، ووجد الطفلة تصرخ جالسة على الارض، فحملها، واخذ يفتش عن ماليكا حيث وجدها في غرفة الأولاد، وكان الباب مغلقا، وهاله ما رأى: ماليكا شنقت نفسها".وعند كشف الطبيب الشرعي عليها لم يجد أي آثار عنف او ضرب او عنف جنسي، وأكدت الادلة الجنائية ما ذكره الطبيب الشرعي. وانتهى التحقيق إلى انها عملية انتحار، وفق المصادر امنية.ما جرى يمكن ان يكون عملية انتحار في نظر الأدلة الجنائية، لكنه رسالة أم معذبة في عيد الأم لكل العالم. أما أي احتمال آخر لموت ماليكا فالأيام كفيلة بكشفه!