كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ للمسلم أن يُصَلِّيَ شيئًا من النوافل في بيته؛ فقد روى البخاري عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا".
ومع أن هذا أمرٌ عامُّ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَخُصُّ بعض النوافل بالصلاة في البيت؛ ومن ذلك سُنَّة صلاة نافلة الجمعة، ونافلة الجمعة هي ركعتان أو أربع، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّيها في البيت بعد رجوعه من صلاة الجمعة؛ فقد روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ كَانَ إِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ ذَلِكَ".
وروى مسلم عن عُمَرَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ، أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ رضي الله عنه -ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ- يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ: نَعَمْ، صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي، فَصَلَّيْتُ، فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَيَّ، فَقَالَ: "لاَ تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ؛ إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلاَ تَصِلْهَا بِصَلاَةٍ حَتَّى تَكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ، أَنْ لاَ تُوصَلَ صَلاَةٌ بِصَلاَةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ".
فيُمْكِن بذلك أن نُصَلِّيَ نافلة الجمعة في المسجد بعد الكلام مع بعض المسلمين، أو التحوُّل من مكان صلاة الفريضة إلى مكان آخر في المسجد كما قال بعض العلماء، ولكن الأَوْلى أن نفعل كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه من صلاة نافلة الجمعة في البيت، وهذا في حدِّ ذاته سُنَّة نبوية لنا فيها الأجر إن شاء الله.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني