الأمية هي تلك الظاهرة التي تعاني منها كل المجتمعات النامية، وفي الوطن العربي على وجه الخصوص، نكتشف نموذجاً يخالف التوقعات، لنجد أنه وفق كل الإحصائيات الرسمية، أن فلسطين بكل ما تعانيه هي من أقل نسب الأمية في العالم.
كيف استطاع هؤلاء أن يصلوا إلى الدولة التي تحتل القمة في العالم في نسب عدد المثقفين وغير الأميين فيها، إذ لا يتجاوز عدد الأميين 2% أي حوالي 132 ألف شخص فقط هم أميون. لتأتي متقدمة كالسويد؟!.
ظروف صعبة
أكرم أبو سمرة عامل بسيط للبناء، واحد ممن لم تسعفهم الحياة بضغوطها فرصة ليلتحق بالمدرسة كرفاقه، يروي قصته قائلا: لي تسعة إخوة، وكان وضع العائلة المادي صعبا، وأنا أكبرهم سناً، وكان علي واجب توفير لقمة العيش لهم، فلم ألتحق بالمدرسة، لأني لم أكن أستطيع المواءمة بين الدراسة والعمل، فقررت أن أدخل سوق العمل متنقلا بين الكثير من الأعمال، وها أنا اليوم أمارس عملا أجلب لأسرتي من خلاله دخلا، وساعدت بقية إخوتي على إكمال دراستهم.
ويضيف أكرم: لا أجيد القراءة والكتابة، غير أني تعلمت مبادئ الحساب إلى حد ما بالممارسة وهذا تعلمته مع الأيام ومن خلال معاملتي في حساب الزبائن، ولا ينكر أكرم معاناته بفعل جهله وأميته، غير أنه فخور بما صنعه لإخوته ومساعدته لعائلته.
أكرم الذي يعاني من الأمية كان أشد حرصا على تعليم أبنائه، ويؤكد هذا بالقول: لدي من الأبناء أربعة أكبرهم الآن في الصف الرابع الابتدائي وقد كنت حريصا على دخولهم المدرسة، وألا تسرقهم الحياة كما سرقتني، خاصة أن الزمن اختلف والتعليم أصبح ضرورة لا تغني عنها شيئا.
عنصرية جنسية
السيدة عائشة من قرية الفخاري في غزة، هي الأخرى لم تأخذ فرصتها في الالتحاق بصف دراسي، ولم يقف الأمر عندها بل تعداها إلى بناتها الثلاث، معللة ما حدث: فقدت زوجي بعد إنجاب أبنائي الأربعة، و لم أحصل على نصيبي من التعليم؛ ولكني بالرغم من هذا تمكنت من العيش والتكفل بأولادي وتربيتهم بشكل يليق بهم، بممارسة التطريز على القماش التي تعلمتها من والدتي ومن خلال بيع المطرزات وأعمال أخرى أدخلت ابني حسين المدرسة.
نسبة غير متوقعة!
في ظل ظروف مشابهة لأكرم تشير الإحصائيات الرسمية لدائرة الإحصاء المركزية الفلسطينية إلى أن الأمية في فلسطين، ورغم كل الظروف الصعبة، التي يمر بها المواطنون فهي الأقل في العالم، وهذا ما تؤكده علا عوض، رئيس الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، حيث توضح ذلك قائلة: تعرف منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) الشخص الأمي بأنه هو الشخص الذي لا يستطيع أن يقرأ ويكتب جملة بسيطة عن حياته اليومية، وأن عدد هؤلاء في الأراضي الفلسطينية حسب آخر الإحصاءات هو 120 ألف بالغ فقط.
ويشير الدكتور سعيد أبو حرب مدير وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بالقول إن الأمية في فلسطين ذات نسب ضئيلة جداً، حيث إن غالبية المواطنين الفلسطينيين يحظون بثقافة عالية جدا، وعدد كبير من المواطنين يجيدون القراءة والكتابة بنسبة تتجاوز الـ 90%، بل تشير الوقائع إلى أن عددا كبيرا من هؤلاء المتعلمين هم من المتفوقين وممن أثروا في كل مجالات الحياة العامة الفلسطينية والعربية بسبب الشتات الذي يعيشه الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص.
ويرى الدكتور أبو حرب أن إصلاح النظام التربوي في الوطن العربي وفي فلسطين على وجه التحديد من أهم الأسس التي قد تساعد في الوصول إلى نتائج حقيقية في القضاء على الظاهرة، ويقول حول هذا: النظام التربوي هو المدخل الرئيسي لجميع أنواع الأنظمة الفرعية الأخرى، فمن غير الممكن الاهتمام بالتفاصيل دون النظر إلى أن هناك خللا واضحا في أساس البناء.
أما د. كمال الشاعر فيرى أن نسبة الأمية في المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بين الإناث نحو ثلاثة أضعاف نسبة الأمية بين الذكور، ويؤكد الشاعر أن مسؤولية الحد من ظاهرة الأمية والعمل على إنهائها هي مسؤولية مشتركة بين عدد من الجهات الرسمية والشعبية التي يمكنها أن تلعب دوراً كبيراً في هذا، ويأتي هذا من خلال نظام تطبقه وزارة التربية والتعليم للتعليم الإلزامي واتباع إجراءات تربوية صارمة للحد من ظاهرة التسرب من المدارس، وهي بالتالي مدعوة لتصميم برامج تربوية حديثة عصرية لمحو الأمية وتقديم التسهيلات اللازمة لالتحاق الكبار في السن والصغار خاصة الفئة النسوية ببرامج محو الأمية الرسمية والشعبية والمؤسساتية.