مدن الزائرين في كربلاء المقدسة تثبت يوما بعد آخر كونها مكانا مقدسا يخص العراقيين جميعا بأطيافهم وألوانهم وأديانهم كافة. ففي كل أزمة تمر بها بلاد الرافدين تجدها هي أولى المدن التي تفتح ذراعيها لتحتضن ابناء العراق من دون أن تسألهم من أي مدينة جئتم وهي بهذا تقدم لنا صورة مشرفة عن طبيعة هذه المنشآت والقائمين عليها الذين يقفون اليوم وقفة سيشهد لهم التاريخ بها ويسجلها ضمن مآثرهم التي لن تنسى، فهم يستنفرون الجهود ويبذلون أقصى مايستطيعون لخدمة ضيوفهم، إخوتهم في الله والوطن الذين نزحوا من مناطق سكناهم تحسباً للعمليات العسكرية وخوفا من بطش عصابات داعش التي لن تتوانى عن القيام بعمليات إبادة وتخريب واللجوء لأستخدام المواطنين الأمنين كدروع بشرية.
كل الناطقين بإسم المرجعية الدينية العليا أكدوا على توجيهات المرجعية الصريحة بإيواء النازحين وتوفير المأكل والملبس والمكان الذي يحميهم. ونحن نقف على مفترق الطرق هذا الذي تعيشه بلادنا نجد مرجعيتنا تثبت مرة اخرى حكمتها وإنسانيتها وتجسيدها لروح الإسلام السامية بدفع المواطنين لحب بعضهم البعض وإيواء بعضهم البعض والوقوف جنبا الى جنب ضد كل اشكال التفرقة والعنصرية والأنانية.
مدن الزائرين اليوم تفتح ابوابها، ومواطنو كربلاء والنجف ومحافظات الوسط والجنوب الاخرى يفتحون ابوابهم بوجه إخوتهم النازحين الذين تركوا وراءهم الكثير، ولكن نخوة العراقيين أعادت لهم هيبتهم وإحساسهم بالامان الذي كاد يصبح مجرد حلم لولا هذه الصفة التي لن يقضي عليها شيء في عروق الإنسان العراقي؛ إنها الغيرة والنخوة والشهامة التي باتت مفقودة، وأصبح من الصعب العثور عليها وسط هذا الكم الهائل من زيف البشر.
أين ما ذهبت وجدت إعلانات من مواطنين عراقيين بسطاء لايملكون سوى بيت ورزق محدود يعرضون إستقبال عائلة أو إثنتين في بيوتهم مستعدين لتحمل النفقات كافة؛ هذا غير توفير فرص لنقل الأطفال إلى مدارس في المحافظات التي إحتضنتهم كي لاتضيع منهم سنة دراسية هم في أمس الحاجة إليها. وهنا وليس في مكان آخر يتجسد أجمل وأسمى دروس الوطنية والإنسانية على أرض وادي الرافدين، فقد ضرب أبناء هذا الشعب لكل البشرية مثالا في الحب والتآخي والتآزر وهم يقدمون الغالي والنفيس من أجل إكرام إخوتهم ودفع أذى الحاجة والتشرد عنهم وكل منهم يتابع مايحدث بقلب واحد ونفس واحد هو العبور من هذه المحنة يدا بيد وقلبا على قلب.
مايحدث بين العراقيين اليوم سيكون نقطة مضيئة في مسيرة هذا الشعب الأبي الطيب فمحافظات الجنوب العريق تحتضن أبناء محافظات الغرب والشمال، بيوت تفتح في كل أنحاء العراق لتستقبل عوائل لا يجمعهم بها سوى إسم العراق وهوية العراق فطوبى لكم أبناء بلدي، فهذا هو العهد بكم وبوطنيتكم وإنسانيتكم وليس هذا بجديد عليكم .
وفي الختام لن يفوتني أن اذكر قصة الرجل صاحب العائلة الكبيرة الذي خرج على غير هدى من مدينة الانبار هو وعائلته من دون نقود ومن دون وجهة محددة سوى إنه قاد بهم سيارته صوب مدينة عين التمر بعد ان فقد الأمل في الوصول الى حل في قضيته المأساوية حتى وصل حدود مدينة عين التمر فإستقبلته سيطرة لجنود عراقيين أوقفوه وسألوه عن وجهته فأخبرهم بإنه هارب بعائلته عسى أن يجنبهم الكثير من الألم فماكان من الجنود إلا أن استقبلوه في إحدى الحسينيات القريبة ووفروا له ولعائلته المسكن والملبس والمأكل وأكرموه على أحسن وجه، فقال كلمة لن أنساها ماحييت: "في هذا اليوم عرفت كم هوعظيم أن تكون عراقياً، وكم هو عظيم أن يكون هؤلاء هم أبناء بلدك".