وجدت مقالة القاص الراحل عبد الستار ناصر جريئة وقيمة ترتقي الى مستوى الوثيقة عبر اعترافه الصريح وكشفه للحقائق من دون خوف أو تردد، اذ لم يحدث طيلة تأريخنا الأدبي والثقافي ان غامر كاتب عراقي بالاعتراف بذات الجرأة والشجاعة اللتين تحدث بهما عبد الستار ناصر ناقداً بجدية عالية تجربته الأدبية وذاته المثقلة في ظنه بالخداع والأخطاء والوهم شأنه في ذلك شأن العديد من الكتاب الى جانب اقراره بمسؤوليته وندمه لانخراطه في جوقة الطبالين للنظام السابق في محاسبة علنية للنفس على ما فعلت من سوء، وبعد ان صار العقل في مكانه الصحيح عاد الضمير الى عرشه المكين وفقاً لتعبيره، بغية تحرير قلمه وتخليص روحه مما علق بها من أدران، كما تضمنت مقالته الافصاح عن اعتراف اخطر تمثل بقوله في مستهلها انا كاتب فاشل! الا ان هذا الاقرار بقدر ما يحمل من حزم ربما لفحص ادواته واعادة تشكيل تجربته بوعي جديد انذاك، لكنه يبقى مثيراً للغرابة خاصة لكاتب مثل عبد الستار ناصر الذي كان لا يتوانى عن كيل المديح لكتاباته على الطريقة التي برع بها واجادها قبله عبد الرحمن مجيد الربيعي لتسويق نفسه، ولعل الناصر كان محقاً بعض الشيء كونه كاتباً شعبياً استقطبت كتاباته جمهوراً واسعاً لا يناظره ربما جمهور أي كاتب عراقي لما تميز به فنه من وضوح الافكار وسلاسة الاسلوب الذي يذكرنا باسلوب القاص الشهير يوسف ادريس، الا ان الراحل عبد الستار لم يكتف بما حقق انما قال: بعد اربعين سنة من زمن الكتابة واربعين كتاباً حملت اسمي لكنني لم أحقق نصف ما حققه ماركيز أو سارتر، ويستأنف قوله متسائلاً بمرارة، لماذا أخدع نفسي وأستمر في الكتابة كما يفعل اقراني، لماذا لا أعود الى مجرد قارئ، ومضى في تحقيق متصل ومحاكمة قاسية، فيهما كشف للذات واعتراف للخروج نهائياً من كوابيس الماضي وتبكيت الضمير والتطهر، طوبى لك عبد الستار، لهذه الشجاعة في الاعتراف، فما أحوجنا لتشييد صرح هذه الثقافة، ثقافة الاعتراف في العراق الجديد.