معاني الألوان
المقدمة.
لغز حائر يجمع الإنسان والألوان ... لغز قديم قدم الوعي البشري. الألوان تصبغ الحياة وتوشي الوجود الإنساني منذ ما دب الإنسان على الأرض . ينظر إليها المرء وكأنه أمام ساحر تبهرهُ اعماله! يجذبه تدرج الألوان في ظلالها وتنوعها . ويسحرهُ بريقها في صفائها وشفافيتها. بعض الاشخاص الى لون معين من دون سائر الالوان . والبعض الاخر لا ينسجمون مع هذا اللون أو ذاك ... يعزون ذلك الى الذوق الشخصي أو المزاج الذي يتمتع به كل فرد . ولكن . هل ادرك أحدهم سبب تفاوت الاذواق من شخص لآخر ؟ ما هو مصدره ، وما هو سر اختلافه ؟!.
الإنسان يحب الألوان بالفطرة ، يمتع نظرهُ بها ، يعشق مزجها ويهوى خلق الالوان الجديدة بشوق ، وهو يلجأ الى الالوان ، احياناً لجوءه الى الطبيعة طلباً الى الراحة والهدوء . هذا السر برح يحير العلماء والباحثين ... فيما الإنسان لا يزال يتذوق الألوان أو يتواصل معها دون ان يعي الرابط الخفي الذي يجمعهما معاً ! من جهة أخرى. نجد الإنسان ينجذب لا شعورياً الى مطالعة المجلات والمطبوعات الاكثر احتواء على الصور الملونة ... بينما الصفحات التي تقتصر على الاسود والابيض نادراً ما تلفت انتباهه! او تحظي باهتمامه . اللوحات أو الرسوم التي تضج بالالوان الصارخة المتنوعة او بالالوان الحية ، تشد الناظر اليها اكثر من التي تصطبغ بالألوان الباهتة . أو من لون واحد او لونين وسوى ذلك من اشياء ومشاهد حيث نجد الانسان يفضلها ملونة ويرتاح اليها كذلك ، كما نلقاهُ يفاضل بين لون وآخر ، دون ان يعلم سبب المفاضلة فمن هنا وجب على المرء الالمام بعلوم باطن الانسان والتعمق فيها ليعد طريقه الى نفسه ويكتشف مكونات ذاته . فلان علم الالوان يؤثر تأثيراً بالغاً في شخصيته في تكوينه وفي كيانه ، فمن هذا المنطلق وجب عليه التعرف على علم الالوان من اجل التطور في الوعي ... ويأتي علم النفس ليلقي الضوء على بعض خصائص الالوان وما تفتعله من تأثير مباشر أو غير مباشر في حالة الانسان النفسية ، فان علم النفس الحديث. بدأ يتنبه الى تأثير الألوان في الانسان سواء من حيث الصحة الجسدية او الحالة النفسية او الفكرية.
إطلالة الألوان – وجدت الالوان مع بدء الوجود فلا وجود دون الألوان ولا ألوان دون وجود. مع مرور الزمن واستقرار الانسان البدائي في حضن الطبيعة ، تحسنت أحواله المعيشية وبدأ عقله يتطور ، وفكره يعمل ويتبصر في الأشياء وصار يراقب ويتمعن في ما حوله عندها تيقن أن للالوان دلالة ما ، او تأثيراً معيناً في نفسه.
كما انه اكتشف تفاوتاً في تأثير الألوان في نفسه . بدأت الألوان تتسلل الى حياته العملية تدريجياً. فأدخل الإنسان القديم الالوان في طقوسه وعباداته. فظهرت الأثواب المكرسة للصلاة تغلب عليها اللون الاحمر القرمزي والأصفر الفاتح والأزرق السماوي ، ثم استعملت تلك الالوان في طلاء جدران المعابد والهياكل المقدسة ، وصار لكل لون رمز ومرتبة ... ثم انتقل استعمال الألوان الى الحياة المعيشية .. من هنا نرى ان الالوان نفذت الى صميم الحياة اليومية لدى الانسان القديم ومع انها انتشرت على كل صعيد ، الاّ انها احتفظت بمكانتها السامية وأهميتها البالغة في النفوس فأدخل المصريون القدماء الالوان الى معابدهم وقصورهم ، كما ادخل الاغريق الى معابدهم وهياكلهم ، اما في بلاد ما بين النهرين فصنفت الألوان الى صنفين : احدهما ترتديه الاسرة المالكة وتزخرف به قصورها ومغتنياتها ، والاخر لعامة الشعب وما لبس ان انتشر ارتداء الثياب الملونة بين فئات الشعوب القديمة ، فحتى الالوان جسدت الطبقية آنذاك اذ كان لكل طبقة لونها المميز ، فاللونان البنفسجي والاحمر الارجواني كان حكراً على الملوك والامراء ، الالوان الاخضر والاصفر والقرمزي والأزرق كانت خاصة بالكهنة والمعابد ، اما الاطباء والعلماء فكان البرتقالي لونهم المميز فيما اللون النيلي كان خاصاً بالقضاة والمحامين ، اما اللونان البني والرمادي وسوى ذلك من الوان داكنة فكانت من نصيب كافة وعامة الشعب . وفي غضون كل ذلك بقي الشرق الأقصى موئل علوم باطن الإنسان لا سيما بلاد الصين والهند على معرفة ودراية بسر الألوان وتأثيرها في النفس. من هذا المنطق ، فقد باتَ لزاماً علينا كشف سر الألوان ، وكيفية الإفادة منها على كل صعيد ، ليس لأن علم الألوان غاية بحد ذاته بل لانه محطة على درب معرفة الذات ... واحد العلوم الإنسانية الباطنية التي يجب على المرء أو طالب المعرفة الإلمام بها.
معاني الألوان ورموزها لعل اكثر ما يجذب انتباه الإنسان هو الرغبة في معرفة معاني الألوان ، او بتعبير آخر عن الميزات والخصائص التي تمثلها الألوان ، وكما كل لون يجسد رمزاً . كذلك لكل لون معنى أو ميزة خاصة به.
اللون الأحمر القرمزي.
رمز المقدرة الذاتية والإرادة الصلبة والحضور القوي ، ويرمز ايضاً الى الصفات القيادية والسيطرة والتفوق ، ويعتبر هذا اللون نقطة انطلاق الجسد المادي ، اذ انه يمثل زخم الحياة في الجسد ، كذلك دفق العاطفة في الأجسام الباطنية ، كما يرمز هذا اللون إلى القوة النفسانية او الطاقة الباطنية التي يستطيع بواسطة الارادة توجيهها حيثما يشاء لتحقيق ما يريد ، فهي طاقة خالصة مقدرة حيادية يمكنه استعمالها في السبل الايجابية او السلبية وحتى لا يساء استعمالها ، تيقى تلك الطاقة غافلة في الإنسان ، بحيث لم يعيها قبل ان يرتقي تفكيره ويسمو به الى مرتبة الحكمة ، حكمة القول والفعل التي ستتحكم في تصرفاته وإعماله ، هذه الحكمة هي التي ستوجه تلك الطاقة الباطنية ، فيصبح المرء آنذاك في مأمن من خطر الضياع في متاهات السلبيات واللون القرمزي يرمز ايضاً الى العنفوان والجبروت ، اذ انه انعكاس الشعاع الارجواني الأصيل على الارض ، وفي عالم الشكل.
اللون الأزرق السماوي.
يرمز الى المحبة الروحية ، المحبة الصافية المترفعة عن كل أنانية ، محبة الإنسان للخير وللاله ، ويرمز هذا اللون ايضاً الى الصفاء ورهافه المشاعر ، والى الدفعة والطيبة كذلك الى الارتفاع فوق المصاعب ، والترفع عن التعلق بالمادة ، والحرص على عدم الإساءة الى الآخرين. واللون الازرق السماوي هو رمز العطاء دون مقابل ، العطاء المتفاني المنتظم ، لا تلك المشاعر المفرطة التي تتعدى القوانين والأعراف ويمثل ايضاً السمو والصفاء والتضحية في سبيل الغير.
اللون الأصفر الشفاف.
فهو رمز الوعي وطبقاته والعقل وقدراته والفكر وابعاده ورمز التركيز الذهني والفهم الباطني والتألق والاشراق ، ويرمز ايضاً الى المخيلة والمقدرة على التصور وعلى الخلق والإبداع والإتقان.
اللون الأخضر الهادئ.
رمز الهدوء والسلام والسكينة الباطنية ، ورمز الحياة النابضة في الكيان ، بل هو مصدر تلك الحياة يمثل ايضاً النظام الحكيم والناموس العادل ، كونه اندماج اللونين الازرق المحبة والوعي ، ويرمز ايضاً الى رهافة الحس في التمييز بين مقومات المادة والروح كذلك الفصل بين الخير والشر ، والتكيف في المجتمع ، والانفتاح في التعرف الى كل جديد ، ويعني ايضاً في النفس ، والراحة الداخلية والعطاء كما يمثل ايضاً الانسجام والتناغم الداخلي والحياة المنظمة ، والانطلاق المنهجي في درب المعرفة الذاتية ، وتطبيقاتها عملياً لان الانطلاق الصحيح لا يتحقق ما لم يوجد مريد المعرفة أفكاره ومشاعره ، ان اللون الأخضر يعتبر احد الألوان راقية الصفات.
اللون البرتقالي الشفاف.
هو رمز الحيوية والحياة وهو انعكاس صفات اللون الأزرق في النفس. أي انعكاس العواطف الإنسانية والخلق الرفيع والمحبة السامية ، وبالتالي هو مجموعة المشاعر الإنسانية الأصيلة ، المشاعر الصادقة الرفيعة ، وكون اللون البرتقالي مزيجاً من اللونين الاحمر والأصفر – أي الإرادة مع الفكر ، فهو يمثل الوعي في عالم المشاعر وخصائصه جوهرية ، بحيث يمكن للمرء الافادة من ميزاته ، فالمشاعر النبيلة لها أهميتها ، لكن متى توصل الإنسان الى المحبة السامية ، انصهرت جميع مشاعره في تلك المحبة الروحية الشاملة.
اللون النيلي البحري.
يمثل السمو والرفعة والنقاء وكذلك التألق والمقام الجليل ، واللون النيلي هو حصيلة امتزاج الالوان الثلاثة الأصيلة الأحمر والأصفر والأزرق لذلك هو رمز الحكمة والاكتمال – اكتمال الانسان بإنسانيته.
اللون البنفسجي القدسي:
بنقائه البراق ونورانيته الساطعة يرمز الى الالوهه والقداسة هو اللون الذي يمثل الروح والشعاع الرباني او الجوهرة الإبداعية الكاملة المكتملة وحيث ان هذا اللون البنفسجي القدسي هو رمز الروح اصلاً فهو يمثل مرحلة الكمال الروحي التي تلي الكمال الإنساني لكن تصرفات الانسان السلبية ، هي التي جعلت لكل لون نقيضاً له يرمز الى معنى سلبي فالالوان السلبية هي كالأتي :
1. اللون الأحمر الصارخ:
يرمز الى العنف والعدائية والتعلق بالأرضيات ويرمز إلى الفطرة المتأصلة بالنفس والى الملذات الدنيوية.
2. اللون الأزرق الداكن ، الضارب الى الاخضرار أو الى البني:
يعني التصلب او التعصب في الافكار والمعتقدات ، ويعني ايضاً الأنانية وإيثار المنفعة الشخصية على مصالح الغير ، كذلك هو يمثل المشاعر الغير الصادقة والغيرة والبغض والكآبة.
3. اللون الأصفر الداكن الضارب إلى البرتقالي:
يرمز إلى الحقد والكره والحسد ، كذلك إلى التشويش والاضطراب الفكري كما يرمز إلى الإرهاق والقلق.
4. اللون الأخضر الضارب إلى الاصفرار ، أو إلى البني:
رمز الاضطراب الداخلي وغياب الراحة النفسية والاطمئنان ، ويعني ايضاً الأنانية والخوف والتردد والكبت النفسي وعدم التجارب مع الآخرين . كذلك عدم التكيف مع كل جديد.
5. اللون البرتقالي الضارب إلى البني:
هو رمز الجشع والأنانية ورغبة التسلط ورمز الاضطراب النفسي والحرمان العاطفي أحياناً.
6. اللون النيلي الداكن:
يرمز الى الحزن ومشاعر القلق ، يمثل عدم الصدق والصراحة مع النفس ، ومع الاخرين كما يرمز الى العجرفة والنظافة.
7. اللون البنفسجي القاتم ، او الضارب الى الحمرة:
يعني الانزواء والانفه وايثار النفس ، ويعني ايضاً الغرور والمكابرة وعدم اللياقة في التصرف مع الغير .. على صعيد آخر هناك عدة درجات من اللون الأحمر من بينها الاحمر الناري رمز الشهوات الجسدية ، وهناك الأحمر الأرجواني رمز السمو والجلال الإلهي . والأحمر القرمزي رمز الإرادة والعنفوان ، والأحمر الداكن رمز الحقد والصراع والنزاع ، والاحمر القاني ، رمز الصدق والمشاركة في مشاعر الحب والترفع عن الأنانية ، وسوى ذلك من متفرعات تندرج تحت قائمة اللون الاحمر.
8. اللون البني:
يعني الشك وكذلك الاضطراب ، الخوف ، الضياع وتشتت الفكر.
9. اللون الترابي:
هو صفة التردد ، الخجل والحياد ( فهو ان مال الى البنفسجي الضارب الى السواد قد يؤدي في النهاية الى التلكؤ والجمود والتقهقر.
10. اللون الفضي الضارب الى الزرقة:
يمثل الرغبة في الاستطلاع والاستكشاف كذلك حب المغامرات والتعرف الى كل جديد لكنه يقود الى الضجر والفراغ والفضول لأجل إشباع رغبة ، وايضاً الى الرتابة وعدم التفاعل مع المحيط الخارجي ... اذ مال هذا اللون الى الرمادي الداكن واللون الفضي هو رمز عالم المادة او عالم الشكل.
11. اللون البنفسجي الزاهي الضارب الى الزهري:
هو لون البحث في خفايا النفس ، والتعمق في دراسة الذات ، لكن اذا ركن اللون ومال الى الحمره ، رمز الى الغرور وإيثار النفس والأنانية ، لكن ، قلما يستفيد اولئك الأشخاص من ايجابية الذبذبات الخارجية . فالأشخاص مرهفو الحواس للتأثيرات الخارجية ، يلتقطون عادة الذبذبات السلبية اكثر . من الايجابية وهذا النوع من الاشخاص يعرفون بالمزاجيين ، فمزاجهم يبقى عرضه لأهوائهم الخاصة وكذلك لتأثيرات المحيط الخارجي. ان ثمة الواناً تؤثر في شخصية المرء اكثر من الوان اخرى ، والسبب يعود اما الى ذكريات هذه الالوان التي طبعت نفسها في وعيه الباطني منذ دورات حياتية سابقة او الى عامل نفسي خاص استحدث في الحياة الحاضرة..
منقــــــــــــ ــــــــــــــــول