من أعظم القربات إلى الله الصلاةُ على رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فهي دليل على حبِّ المسلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغبته في إيصال الخير إليه، ورفع درجاته، وقد يظنُّ ظانٌّ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحتاج إلى هذه الصلاة؛ لأن الله عز وجل قد أعزَّ قدره بما يكفي، ولكن الواقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسَه هو الذي طلب منَّا أن نسأل اللهَ له رفعَ الدرجات؛ فقد روى مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ أن يصل هذا الخير إلى أهله كذلك؛ فقد قال تعالى على لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]؛ لهذا عَلَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نكتفي بالصلاة عليه وحده، إنما نضمُّ آله معه، فكانت هذه سُنَّة نبوية يحبُّها الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى البخاري عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، فَقَالَ: أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَأَهْدِهَا لِي. فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
وروى البخاري عن أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه، أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ".
فمع أننا إذا قلنا: "اللهم صلِّ على محمد صلى الله عليه وسلم". تتحقق الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم؛ فإنه من السُّنَّة أن نهتمَّ بالصلاة على آله بيته صلى الله عليه وسلم كذلك، من أجل أن ذلك يُسْعِده، فلنحرص على هذه الصيغة، ولو عدَّة مرَّات كل يوم.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني