لا يَختلف اثنان على "عالمية" دبي وتحولها خلال السنوات القليلة الماضية الى مركز اجتذاب قوي لرؤوس الاموال والفعاليات المالية والاقتصادية والسياسية والمهرجانات المتنوعة المثيرة للانتباه!
ودبي اليوم ليست وحدها وليدة رماد حروب العراق!
الى جانب دبي تصطف جميع الامارات الصغيرة والكبيرة ومدن الكويت والبحرين والسعودية في تطورها المدهش وانتعاش مواطنيها وتحولهم الى "مواطنين عالميين" بعد ان كانوا حتى حافات 1970 يحلمون بتبليط شارع او انشاء مطار حديث او امتلاك دار سكن لايدخل الطين في بنائه!
وكنت أرى الكويتيين في البصرة - لما كنت طالبا في جامعتها اوائل سبعينيات القرن الماضي – مرحين و"متونسين" وهم يتجولون في حارات المدينة واسواقها الراقية بعد ان كانت الكويت كمدينة ودولة لاتصل في رقيها الحضري الى مستوى قضاء تابع للبصرة!
وعندما زار المرحوم زايد آل نهيان العراق قال لصدام انه يتمنى ان يرى الامارات في تطورها العمراني في مستوى مدينة البصرة!
كنا في عام 1970 نملك شوارع حديثة ومحال تجارية بمستوى محال اكبر مدن آسيا وحدائق جنان وباركات زاهية واول محطة تلفزيون في الشرق الاوسط بينما كان اهالي الرياض والمنامة ومسقط والدوحة وابوظبي يأكلون "الحشف"وهو التمر الجاف الصلب والزهدي وديدان البحر في وجباتهم الرئيسة – اللهم لاشماته – بينما كان العراقيون ينمون الكروش وفي صحة وعافية لمأكلهم الصحي والغذائي المتنوع وكان زوارنا من "عرب الخليج" يرون في "المسكوف" علامة فارقة لاهل بغداد وفي "الصبور" ملمح بصري و"الكبب" الموصلية وتشاريب الكراع واللحوم الحمر والباجة والدولمة والبرياني اكلات.. في احلامهم فقط!
كنا حتى عام 1979 في ذروة رقينا وتقدمنا وشموخنا وكرامتنا وعزنا وعزتنا قبل ان تطل علينا اعواد المشانق وحمامات الدم وفوهات المدافع واطيان الجبهات والموت تحت وابل الرصاص وصواريخ "اورغن ستالين".. كنا نحفر القبور لاولادنا القتلى بينما كانوا يحفرون اسس عمارات وابراج!
وتراجعنا نصف قرن من الحياة والتقدم والتطور بينما تقدمت دبي واخواتها قرنا كاملا من الحياة والرقي والازدهار على حساب زهرات شبابنا: دفاعا عن عروش وكروش حكامهم وامرائهم تحت يافطة العروبة والنضال القومي والمصير العربي المشترك!!
وخسرنا نصف مليون شاب وترملت اخواتنا وامهاتنا وتيتم اولادنا وتاه بعضهم في شوارع العاصمة وتشرد الكبار واصيب آخرون بالجنون !!
وتحولت بغداد الى بدلة زيتونية ومسدس بينما راحت ترتفع عمارات شاهقة وابراج عملاقة في مدن وعواصم اصحاب السعادة والمعالي والسمو..!!
تحولنا الى خراب ورماد في سلسلة لاتنتهي من حروب وحصارات وموت بالتقسيط حتى جاءت "الضربة العربية القاضية!" في خاصرة العراق واسقطته ارضا ليسحق تحت اقدام المحتل!!
من دافعنا عن عروشهم وكروشهم طوال ثماني سنوات استأجروا لقتل بغداد طيارين من امريكا وبريطانيا واسرائيل.. واقلعت طائراتهم من المطارات العربية وليس من شيراز وطهران وانقرة!
ياللخيبة.. بعد "خراب البصرة" دبي واخواتها نموا بعد ان تغذوا بدماءالعراقيين.. هل يصدق القول انها مدن "مصاصي الدماء" ام انها مبالغة وتشهير ومجافاة للحقيقة؟!