من السهل جدًّا أن تنتقل أخلاق الصاحب إلى صاحبه؛ فالمعايشة والمجالسة وطول الحوار تؤدي إلى تَطَبُّع الإنسان بأخلاق وطبائع مَنْ يُصاحبه، وقد يحدث هذا بشكل متدرِّج فلا يلحظ المرء التغيير على نفسه؛ ومن ثَمَّ لا بُدَّ أن يكون الإنسان حَذِرًا في اختيار جلسائه؛ لذا كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمْرُ المسلمين بانتقاء مَنْ يُصاحبون أو يُجالسون؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ".
وقد نَبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إلى أن التغيير في حياة الإنسان نتيجة المصاحبة سيصل إلى تغيير في الدين، وهو أمر خطير كما هو معلوم، حتى المجالسة السريعة البسيطة قد تُحْدِث أثرًا؛ فقد روى البخاري عن أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ المِسْكِ وَكِيرِ الحَدَّادِ، لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ المِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً".
لهذا كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم مجالسة الصالحين، ومصاحبة المؤمنين؛ بل الحرص على بروز التقوى فيمَنْ تدعوهم إلى دخول بيتك والأكل من طعامك؛ فقد روى الترمذي -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا, وَلاَ يَأكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ".
فهذه سُنن تحفظ لنا ديننا، وتُعيننا على الطاعة، فليحرص كلٌّ منا على انتقاء جلسائه، ونسأل الله الهداية لنا أجمعين.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني