إحدى أكبر مهامِّ المؤمن في الدنيا أن يُذَكِّر إخوانه بالله عز وجل، وأن يُذَكِّرهم كذلك بقيمة الطاعة، وأهمية العبادة، وقد لَخَّص موسى عليه السلام ما يُريده من أخيه فقال -كما جاء في القرآن الكريم-: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} [طه: 29-34]، فواجب الأخ أن يُعين إخوانه على ذِكْرِ الله عز وجل؛ لهذا كانت هذه السُّنَّة النبوية الجميلة، وهي سُنَّة قراءة سورة العصر عند افتراق الصديقين؛ فقد روى الطبراني -وقال الألباني: صحيح- عَنْ أَبِي مَدِينَةَ الدَّارِمِيِّ رضي الله عنه، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ قَالَ: كَانَ الرَّجُلاَنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 2] ، ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ".

والصحابة لا يفعلون ذلك من تلقاء أنفسهم، ولكن من المؤكَّد أنهم علموا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسورة العصر سورة قصيرة، ولكنها شافية كافية؛ فقد أوضحت خسارة البشر جميعًا إلا مَنْ قام بأربعة أعمال: الإيمان بالله، والعمل الصالح، ودعوة الناس إلى الخير والحقِّ، والصبر على الابتلاء في كل ما سبق.

فكان أمرًا عظيمًا أن يُذَكِّر المؤمن أخاه بكل ذلك عند الافتراق، وبذلك تحمل الأُخُوَّة معانيَ جميلة من التثبيت على الدين، والتكثير من الحسنات، والتذكير بمهمَّة الإنسان الأولى في الأرض؛ وهي مهمَّة عبادة الله عز وجل، وكلُّ هذا يُؤْخَذ من سورة العصر؛ لهذا قال الشافعي رحمه الله: "لَوْ تَدَبَّرَ النَّاسُ هَذِهِ السُّورَةَ لَوَسِعَتْهُمْ".

فلنحرص في نهاية مجالسنا على قراءة هذه السورة العظيمة.

ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].

من كتاب إحياء 354 للدكتر راغب السرجاني

المصدر : كتاب " إحياء354 " للدكتور راغب السرجاني