الإرهاب الإلكتروني
بانوراما الشرق الاوسط
هل تساءلت يوماً ما الذي يدفعك الى مشاهدة أفلام “داعش” الوحشية المنتشرة على الشبكة العنكبوتية؟ هل عددت المرات التي كرّرت فيها رؤية المشهد الاجرامي نفسه؟ هل أحصيت تعليقاتك وتحليلاتك لتلك الافلام ذات الصبغة الارهابية؟ إذا كان جوابك “نعم” فهذا يعني أنك تتابع همجية “داعش” عن سابق إصرار وتصميم، وبالتالي تقدم خدمة مجانية لهذا التنظيم الارهابي في توسيع نطاق انتشاره وجعله محط أنظارنا.
إجرام “داعش” ليس جديداً في عالم الارهاب، إلاّ أن الجديد فيه هو التطور التكنولوجي الملحوظ في استخدام أحدث التقنيات. تلعب الكاميرا دوراً مهماً في ايجاد نوع جديد من الجمهور، ليس عادياً مقارنة بجمهور عمليات القتل المماثلة في السابق. لا تضمن الصور تسجيل عملية توثيق أعمال “داعش” الارهابية فحسب، بل ضمنت أيضاً تخليد المشهد للأجيال الصاعدة التي صار بوسعها العودة الى أرشيف التسجيلات ومتابعة تلك العمليات عبر الانترنت.
رغبة الناس في رؤية صور العمليات الاجرامية التكفيرية التي تجاوزت كل حدود الوحشية واللاإنسانية، هي إحدى “الفيتامينات” الاعلامية التي تساعد “داعش” على تحقيق مبتغاه في بث الذعر وإثارة حالة من الهلع في نفوس الخصوم.
كانت عمليات قطع الرأس تاريخياً وسيلة للترهيب في زمن لم يكن هناك وسائل ترفيه للجماهير، وقد أثبت اختراع افلام الفيديو ذلك دون أدنى شك. وإذا كان هناك من درس نتعلمه من تاريخ عمليات الاعدام فهو أن هناك على الدوام من يرغب في مشاهدتها، واليوم صار الانترنت الضمان الأكيد للمشاهد لمتابعة تلك العمليات بخصوصية كاملة، فما من أحد سيعلم أننا جلسنا لمشاهدة فظائع من هذا النوع.
تعامل عدد كبير من المشاهدين مع عمليات قطع الرأس التي نفذها تنظيم “داعش” وكأنها حلقات من مسلسل درامي وحشي، وكان القتلة يدركون أننا سنجلس مشدودين الى الشاشات لمتابعة الحلقات، كما كانوا على علم بأن أولئك الذين لن يشاهدوا عمليات الذبح سيكون عليهم مشاهدة الكم الهائل من التعليقات والتحليلات المرتبطة بها.
انتاج هذه الأفلام ونشرها يعدّ وسيلة تضمن تأثيراً واسع النطاق، بل إنها وسيلة يمكن استعادتها بصرياً كلما تم الحديث عنها، مولدة نتائج نفسية واضحة. تحولت الكاميرا مسرحاً تقام عليه العمليات الارهابية العلنية ورمحاً ترفع عليه الرؤوس المقطوعة لعرضها أمام العامة. أما الضحية فتقف أمام الكاميرا دون حول ولا قوّة.
ولتسهيل عملية نشر الأفكار يستخدم “داعش” بشكل مثير للدهشة مواقع التواصل الاجتماعي حيث يخوض حرباً رقمية فعلية مع ادارة تلك المواقع التي تمتنع عن نشر نصوص تدعو الى العنف. ولهذا الغرض يجند “داعش” الآلاف من “المجاهدين الرقميين”، مهمتهم فقط فتح حسابات جديدة في حال إغلاق الحسابات الموالية له.
والأهم أن انطباعاتنا عن التسجيلات ومحتوياتها يمكن نقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فوري الى الحشود التي تراقب معنا عبر الانترنت المشاهد الارهابية المشينة.
الذبح والتنكيل وسلخ الجلود وسبي النساء وقطع الرؤوس وحرق الأحياء، كلها مشاهد لا تحتوي على بطولات أو انجازات، فالقاتل الذي يحترف نحر الرقاب وحرق الأحياء لا يستطيع بالضرورة الانتصار في معركة ميدانية، خاصة، وأن الضحية تكون في حالة استسلام ورضوخ، منتظرة الموت، ولكن الانتصار الحقيقي للقاتل يتم باداء دوره الكامل خلال تصوير الفيلم “الهوليوودي” على الطريقة “الداعشية”، ومن ثم دفعنا لمشاهدته.
إن التقدم في محاربة الارهاب التكفيري “إعلامياً” يكون من خلال قدرة الجمهور على حرمان القاتل التلذذ بإبراز عمله “السادي”، ولا يتم ذلك إلا بالامتناع عن عرض المشاهد الهمجية حين يستعصي على إدارة مواقع التواصل الاجتماعي حجبها.