علم السياسه … وواقع السياسه الآن
- بانوراما الشرق الأوسط
محمود كامل الكومى
أن النظره الواقعيه المثاليه وقِيَمِها , والتأصيل العلمى للظواهر , تقتضى بالضروره عقليه جديره بالنظر الى العلم على أنه لابديل عنه لتقدم البشريه ,وصياغه العلاقات الأجتماعيه وتبعا الدوليه من أجل أن يسود السلام والوئام في العالم , وتضحي البشريه في مَسِيرها نحو الأنسانيه تتهادى الى عالم يتكامل بين شعوبه وتذوب بين جوانحه الحروب وتتلاشى , حتى يقضى على العنصريه والقيم الاستعماريه , وهو مالايتأتى اِلا بالقضاء على سياسه الأستقطاب التى تسود العالم الآن وفرض الهيمنه الأمريكيه .
وعلى ذلك فاِن السياسه “كعلم ” هى تحليل الواقع استشرافاً للمستقبل الذى تبغيه البشريه نحو سلام يمضى ويسير مع الأستعانه بالسِيَر التاريخيه ,لنأخذ منها العِبر في طريقنا نحو تحقيق السلام .
والسياسه كعلم تفتضى الرجوع الى القانون ولغته التى تطلق على كل قاعده أو قواعد مطرده يحمل أطرادها معنى الأستمرار والأستقرار والنظام , غير أن اللغه القانونيه أستحوذت على هذا الأصطلاح ورصدته أساسا للدلاله بوجه عام على مجموع قواعد السلوك الملزمه للأفراد في المجتمع , وبذلك يشمل أصطلاح القانون في هذا المدلول العام , كل ما يوجد في الجماعه من قواعد تحكم سلوك الأفراد حكما ملزما , بقصد اقامه نظام هذه الجماعه , وفى الجماعه الدوليه فأن انتظامها بحكم انتظام أنظمتها ودولها , يصير المجتمع الدولى منتظما متناغما , حتى دون الحاجه الى أعمال قواعد القانون الدولى , والتى أراها تحصيل حاصل من قواعد القانون بصفته العامه المجرده في مدلوله العام الواسع بعيداً عن أى قانون وضعى لأى دوله ما .
ويتصل ” القانون” بعلم السياسه , حين يضع قواعد النظام السياسى في المجتمع فيحدد شكل الحكم وتوزيع السلطات وتعاونها , وعلى المستوى الدولى هو الذى يحكم العلاقات الدوليه بين الدول من أجل أن يسود السلم والأمن الدوليين , ويحدد آليات التعاون والتكامل بين دول العالم , وبذلك يقضى على الهيمنه الأستعماريه والحروب التى تدمر البشريه .
اِن النظره الواقعيه الى عالم السياسه الآن , تؤكد أن المجتمع الدولى قد حاد عن السياسه بمفهومها العلمى , وضرب بها عرض الحائط , وهو ما أدى الى تدمير الكثير من البلدان وقتل الكثر من بنى البشر وأنتشار السياسات التى تؤدى الى الفوضى الخلاقه في عالم اليوم , وجعلها بديلا لما ترمى اليه السياسه في مفهومها العلمى نحو عالم تسوده المحبه والنضال من اجل حقوق الأنسان واولها حق الحياه .
وصار مفهوم السياسه في وقعنا الحالى هو ” اللعب على الأحبال ” وتصوير العالم على أنه سيرك , يُبهر المتفرج بألعابه البهلوانيه , وقوه “الشَجِيع ” التى لاتقاوم , وقدره”المهرج”على أن يستحوذ على كيان المشاهد , ” والساحر” على الأبهار الذى يصل الى حد اِيمان المتفرج بقوته السحريه الخارقه التى قد تتعدى خياله الى السيطره على كيانه .
وفى عالم السياسه اليوم نَصبت الأمبرياليه الأمريكيه وحلف الناتو والصهيونيه العالميه “السيرك” وغدى العالم متفرجاً – خاصه عالمنا العربى- وهو يرى الأتحاد السوفيتى يسقط وقد كان حليفا للعرب , ولأن الأنبهار بألعاب السيرك البهلوانيه وقوه شَجيعه قد سرت في اللاوعى العربى , ودمرت بعض من خلاياه , فقد هللت نظم عربيه , وصارت تروج للسيرك الأمريكى الصهيوني , بكل الميديا الأعلاميه وخاصه قنواتها الفضائيه ,حتى غدت مصارعه المحترفين الأمريكيه تغرس الساديه بين أوساط جماهيرنا العربية .
ولذلك تفردت أمريكا بحكم العالم بعد أن حولت السياسه الى واقع أكروباتى وأفرغت القانون(الدولى اذا جاز)من الأخلاق ومن هدفه في أن يسود الأمن والسلام الدوليين .
فالنظام والأستقرار هو مايستهدفه القانون وهو ما يقضى بتحقيق المساواه بين الأفراد أو الدول وهو مايحتم أن يؤخذ التكليف المتوجه الى الأفراد والدول بمعيار موضوعى ,أى يلجأ فيه الى “تجريد “تكون العبره فيه بمفهوم ” الصفه” لا بتخصيص ” الذات”.
ضربت أمريكا بكل ذلك عرض الحائط ونَحت المعيار الموضوعى جانباً فصار التكليف الى دول بذاتها وصارت قوه الألزام المقرره في القانون والتى تؤكد سلطان القانون وقد فرضتها فرضا ولم تثبت لها نتيجه سلطه عامه بمفهومها العلمى والمجرد في الجماعه الدوليه .
وبالتطبيق على ما سلف بيانه , وفى عالمنا العربى الآن .
فقد أنتهت مرحله السياسه الأوكروباتيه ومضت البهلوانيه وكذاسياسه الساحر والمغناطيس بعد أن حققت مرادها , وأنقلب “شجيع السيرك” الى “شيطان” , وبدت السياسه الأمريكيه الصهيونيه هى “الشيطان الأكبر”الذى يفرض مفهومه السياسى “الشيطان يعظ” – وبدى حلفه يتشكل في منطقتنا العربية من
1- دول الخليج , حيث صار البترودولار السعودى القطرى – خاصه- يشيطن الأرض العربية
2- تركيا عضو الناتو الأسلامى الذى يتحين الفرصه من خلال شيطنه التراب العربى لفرض سطوته العثمانيه
3- وتلك الأسره الهاشميه التى قضمت فلسطين وتماهت مع اسرائيل وتتأمر الآن هى الأخرى على سوريا .
وهنا يثور التساؤل الآن : هل يجوز اللعب مع الشيطان ومريديه ؟!!
ثار في محيلتى هذا التساؤل ومازال يؤرقنى , منذ ثوره 30\6\2013 في مصر والتى قضت على حكم جماعه الأخوان الأرهابيه , وفى حينها وقفت المملكه العربية السعوديه الى جانب مصر, وبدت قطر في الجانب المعادى وأنضمت تركيا اليها في حلف يريد أن يحاصر مصر شرقا وغربا بالتنظيمات الأرهابيه ليقوض دعائم البلاد , على الرغم من أن السعوديه على النقيض ,شاركت قطر وتركيا تدمير بنيه سوريا التحتيه , وكذلك ومعهم الامارات قاموا تحت لواء الناتو بتدمير ليبيا , والكل يعلم أن أمن مصر القومى هناك في سوريا وعلى طول الحدود الليبيه .
ندرك جيد أن هذا ماهو اِلا توزيعاً للأدوار من الشيطان الأمريكى لتابعيه , لكن ورغم الأدراك فاِن القياده المصريه وقد أستجابت في وقت سابق لدعوى الملك السعودى الراحل للصلح مع الأمير القطرى ونظامه ,والآن تبدو زياره الرئيس”السيسى” للمملكه العربية السعوديه عشيه زياره “اردوجان”للمملكه ايضا , بما يؤكد ماتناقلته وكالات الأنباء عن وساطه سعوديه بين مصر وتركيا .
وعلى الجانب الآخر.. فأن الجمهوريه الإسلاميه الإيرانيه وقد رمت بكل ثقلها السياسى واللوجستى بجانب الدوله السوريه في حربها ضد الأرهاب والمؤامره الكونيه التى تمولها وتشارك فيها بأوامر أمريكيه , السعوديه وقطر وتركيا , ومع ذلك وعلى الرغم من العداء السعودى لأيران ,اِلا أن هناك علاقات مميزه لأيران مع قطر وبينها اتصالات على أعلى المستويات , ومع السعوديه تثير تصريحات المسؤلين الأمريكين مايبدى الرغبه في التعامل وكذا زياره سابقه لوزير الخارجيه الأيرانى للمملكه , وكذلك زياره رئيس الوزراء الايرانى لتركيا وعقد الإتفاقات معها.
ناهيك عن التواصل بين مصر وأمريكا , وكذلك بين ايران وأمريكا في أمور تخص الشأن المصرى والايرانى !!!
بما يجعل التساؤل أكثر الحاحا , هل يجوز اللعب مع الشيطان وخدامه ؟!!
لابد أن نضع نصب أعيننا ,أن من يلعب مع الشيطان أو أى من أذنابه , لابد أن يمس بمارج يحرق كيانه وقد يقضى على حياته , ولن يكتفى بحرق اصابعه أو تجريد أسنانه – لكن يبدو أن عالم الواقع لايفهم ذلك الان , ولايعترف بالعصيان , فثمه من يرى في الشيطان أو أى من أذنابه شريك في عالم فريد ومفروض عليك سواء رضيت أم أبيت .
علنا نفترض ذلك , وهو ليس تسليما , لكننا نرى أنه لابد لمن يريد أن يلاعب الشيطان او أى من أذنابه :
1- أن يدرك بكل يقينه وحواسه ومشاعره حقيقه “أنهم شياطين” وأنه من الاِيمان أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .
2- أن يشحذ فكره ويُكَوِن عقيدته على أن السياسه هى تحليل الواقع أستشرافاً للمستقبل الذى تبغيه البشريه نحو السلام , والشيطان لايريد اِلا الحرب والدمار .
3- واخيراً أن يدرك أن الشيطان وأذنابه لايمارسون اِلا سياسه اللعب على الأحبال , وقد تخطوا مرحله السيرك الى سياسه ” الشيطان يعظ” .
ويبقى الصراع النفسى محتدما : هل نقبل مواعظ الشيطان , فيمسنا بمارج من نار , أم نقضى على الشيطان وأذنابه بالعلم والفعل والعمل والأيمان من أجل مستقبل يسود فيه السلم والأمن الدوليين , وهما مبتغى السياسه الدوليه , كما تعرفها الشعوب المناضله من اجل حقوق الأنسان , والانسانيه جمعاء ؟
كاتب ومحامى – مصرى