سرّ التغذية السليمة الصحية والسهلة، يكمن في تبنّي نظام غذائي يعتمد على الأطعمة الكاملة البسيطة، فهي لا تَزْخَر بسلسلة واسعة من العناصر المفيدة فحسب، بل وتتمتع أيضاً بنكهات لذيذة ومتنوعة.
في وقت يتواصل فيه انتشار مطاعم الوجبات السريعة غير الصحية، وتتكاثر الاضطرابات الصحية المرتبطة بالتغذية السيئة، يدعونا الخبراء بالعودة إلى اعتماد نظام غذائي بسيط، خالٍ من المواد الكيميائية المضافة، وغني بالمنتجات النباتية الكاملة غير المكرَّرة وغير المصنَّعة. ويؤكد هؤلاء، أنّ تطبيق بعض القواعد الغذائية كفيل بمنحنا فوائد عديدة تُعزز حالتنا الصحية العامة وتقوّي مناعتنا في مواجهة الأمراض. وأبرز التعديلات البسيطة التي يدعون إليها هي:
إدخال الفاصولياء والفول إلى وجباتنا اليومية:
على الرغم من مظهرها الخارجي البسيط وانخفاض سعرها، مُقارنةً بالمواد الغذائية الأخرى، إلا أنّ الفوصولياء تَزْخَر بعشرات الفوائد الصحية. وتصف مديرة مركز العلاج بالطعام في العاصمة الأميركية كاثي سويفت، الفوصولياء بأنها الدرّة الغذائية المتواضعة. ويحتوي نصف كوب من الفاصولياء على كمية البروتينات نفسها الموجودة في 60 غراماً من اللحوم. ومعظم أنواع الفاصولياء غني جدّاً بالألياف، فيتامينات (b)، مضادات الأكسدة، والعديد من المعادن، بما فيها الكالسيوم والمغنيزيوم.
واللافت، أنّ أنواع الفاصولياء ليست متشابهة في قيمتها الغذائية، فكل نوع يتمتع بخصائص مُتميّزة. فالفاصولياء السوداء مثلاً غنية بمضادات الأكسدة، وفول الصويا يحتوي على سلسلة من العناصر الكيميائية النباتية التي تُسمّى "إيزوفلافونات". أمّا الفوصولياء البيضاء فهي غنية بالبوتاسيوم، والفاصولياء أرخص مصدر للبروتينات ثمناً. وهي تساعدنا ببضعة دراهم فقط على التمتّع بفوائد صحية مهمة هي:
-الوقاية من السكري: تساعد الفاصولياء على التحكم في مستويات سكر الدم. وكان البحّاثة الكنديون قد حلّلوا نتائج عشرات الدراسات. فتبيَّن لهم أنّ الأشخاص الذين يتناولون الفاصولياء والبقوليات بانتظام، يتمتعون بمستويات أكثر استقراراً لسكر الدم مقارنةً بالآخرين الذين لا يأكلونها. أما سبب ذلك، فيعود إلى ارتفاع مستويات الألياف الغذائية في الفاصولياء، ما يُسهم في إبطاء عملية هضمها، ما يعني إبطاء عملية امتصاص السكريات ودخولها إلى مجرى الدم. وتكون النتيجة أن تُصبح أجسام مَن يأكلون الفاصولياء، أكثر قدرة على تنظيم مستويات السكر في الدم، وهو عامل مهم جدّاً في المساعدة على الوقاية من سكري الفئة الثانية.
-مكافحة زيادة الوزن: تبيّن في نتائج الدراسات التي نشرتها مجلة "التغذية" الأميركية، أنّ إمكانية معاناة البدانة تتراجع بنسبة 22 في المئة، لدى الأشخاص الذين يأكلون الفاصولياء بانتظام، مُقارنةً بالآخرين الذين لا يفعلون ذلك. ويقول الخبراء، إنّ الألياف الغذائية تلعب دوراً أساسياً في هذه الظاهرة، لانها تساعدنا على الإحساس بالشبع بقدر قليل من الوحدات الحرارية، كما أنها تساعد على استقرار مستويات سكر الدم، ما يخفّف إحساسنا بالتوق الشديد إلى الأكل.
-تعزيز عملية الهضم: تلعب الفاصولياء دوراً مهماً في تنشيط عملية تخلص الجسم من الفضلات، ما يقي الجسم المواد السامة والالتهابات. وتقول المتخصصة الأميركية في التغذية المتكاملة بيث ريردون، إنّ أسلافنا كانوا يتناولون ما يصل إلى 100 غرام من الألياف الغذائية يومياً، بينما لا يتناول معظم الناس الآن أكثر من 15 غراماً منها في اليوم. وتوفّر لنا الفاصولياء نوعي الألياف الغذائية القابلة وغير القابلة للذوبان في الماء. وتتحول الأولى عندما تذوب في الماء إلى مادة هُلاميّة، تساعد على خفض مستويات الكوليسترول وسكر الدم. أمّا الثانية فلا تذوب في الماء، فتعبُر الجهاز الهضمي من دون ان تتأثر تقريباً، ما يزيد من حجم البُراز ويُسهّل عملية التخلص من الفضلات، ويحول دون تراكم المواد السامة في الجسم.
-التحكم في مستويات الـ"كوليسترول": الألياف الغذائية القابلة للذوبان في الماء، لا تمتص هذا الأخير فحسب، بل تمتص أيضاً مواد أخرى مثل الكوليسترول والسكر الزائد، ما يجعلها عاملاً مهماً في الحفاظ على صحة القلب. وتقوم المادة الهلامية، التي تتحول إليها الألياف القابلة للذوبان في الماء، بالعبور ببطء في الأمعاء، وتمتص أحماض الصفراء في الأمعاء وتُخرجها من الجسم، ما يحث الكبد على سحب الكوليسترول من الدم لإنتاج المزيد من أحماض الصفراء. فضلاً عن ذلك، فإنّ الألياف القابلة للذوبان في الماء، تحث الكبد على إبطاء عملية إنتاج الكوليسترول.
الاستمتاع بتناول الدهون الصحية:
صحيح أن بعض أنواع الدهون، خاصة دهون ترانس، تضر بصحتنا، إلا أنّ الدهون الطبيعية كافة تقريباً، الموجودة في المنتجات الكاملة مفيدة للصحة. والكثيرون منّا لا يُدركون ذلك، فيحذفون معظم الدهون من نظامهم الغذائي، ويستعيضون عنها بالكربوهيدرات المكرّرة المصنّعة، ما يُعرّضهم للإحساس بالتوق الشديد إلى الأكل وتقلبات المزاج وزيادة الوزن، إضافةً إلى الأمراض المزمنة. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الدراسات الحديثة تؤكد، أنّ الكربوهيدرات سريعة الهضم (الموجودة في السكر، الخبز الأبيض والأرز الأبيض..) وليس الدهون، تُعتبَر المسؤولية الأولى عن الإصابة بالبدانة، مرض القلب، سكري الفئة الثانية، واضطرابات صحية عديدة. وتعلّق المتخصصة الأميركية في علوم التغذية ماغي وورد فتقول: إنّ انتشار الخوف من الدهون في صفوف الناس، أدّى إلى حدوث نقص لديهم في الدهون الصحية. وتضيف، إنّ الحل يكمن في الحصول على اغلبية الدهون التي نحتاج إليها من الأطعمة الكاملة. فيمكننا أن نتناول المكسرات والبذور كوجبات خفيفة خلال النهار، ونضيف الأفوكادو المقطّع إلى السلطة والشطائر، ونتناول الأسماك الدهنية.
والأطعمة الكاملة التي تحتوي على الدهون، لا تساعد فقط على إحساسنا بالشبع، ما يخفف من توقنا إلى تناول الحلويات والمعجنات فحسب، بل تساعد الجسم على الحصول على الأحماض الدهنية الأساسية، التي لا يمكنه أنتاجها بنفسها.
من جهة ثانية، فإنّ الدهون المشبعة من الأطعمة الكاملة، مثل لحوم الماشية التي تقتات على الأعشاب، والبيض، والدواجن، وجوز الهند. فيمكن أيضاً الاستمتاع بتناولها بكمية معتدلة، كجزء من نظام غذائي صحي وغني بالألياف الغذائية والمنتجات النباتية. فهي مفيدة أيضاً. وتقول وورد، إنّ الدهون المشبعة تشكل جزءاً من أغلفة الخلايا، ويحتاج إليها الجسم لإنتاج الهرمونات، وتُعتبر مصدراً مهمّاً للوقود. ومثلها مثل بقيّة الدهون، فإنّ الدهون المشبّعة تساعد أيضاً على تعزيز الإحساس بالشبع، وتُسهم في استقرار مستويات سكر الدم.
أما فوائد الدهون الجيدة فهي:
-كبح التوق الشديد إلى الأكل: تُسهم إضافة القليل من الدهون إلى الوجبة في إطالة الإحساس بالشبع، وتخفف من توقنا إلى تناول الكربوهيدرات الذي يسببه الأرتفاع والانخفاض الكبيران في مستويات سكر الدم. وتقول وورد، إنّ الدهون هي التي تمنح الوجبة قدرتها على الإشباع، فإذا ما تناولنا مثلاً القليل من الزبدة، أو جوز الهند، أو الأفوكادو في الوجبة، فإن ذلك سيجعل مفعولها الإشباعي يستمر فترة طويلة. كذلك، فإنّ الحفاظ على توازن جيِّد للدهون الصحية في الجسم، يساعد أيضاً على تعزيز الأيض الصحي، وهو أمر ضروري للتخلص من زيادة الوزن. يمكن أن نحصل على هذه الدهون الجيدة بطُرق مختلفة، فيمكننا مثلاً أن نضيف حفنة من المكسرات إلى مزيج الحليب والفواكه، أو أن نأكل اللبن كامل الدسم مع ثمار العليق، أو قطعة من الجبن مع تفاحة.
-التخفيف من الالتهابات: تُعتبر الالتهابات أصل الكثير من الأمراض المزمنة، بما فيها مرض القلب والسكري وبعض أشكال السرطان. والحقيقة، أنّ الدهون التي كانت تُعتبر عاملاً مُسهماً في التسبب بهذه الأمراض، قد تلعب في الواقع دوراً مهماً في الوقاية منها. ويُجمع الكثير من الخبراء على القول، إنّ الخلل في توازن الدهون التي نتناولها (الإكثار من دهون "أوميغا/ 6" الدهنية، من اللحوم والزيوت النباتية، مثل زيت الصويا والذرة، مقابل نقص أحماض "أوميغا/ 3" الدهنية)، هو الذي يطلق لدينا الالتهابات التي تقود إلى إصابتنا بالأمراض. وتقول ريردون: إنّ نظام أسلافنا الغذائي كان متوازناً، فقد كانوا يتناولون كميات متساوية من أحماض "أوميغا/ 3" و"أوميغا/ 6". أما اليوم، فإن كمية الـ"أوميغا/ 6" تزيد بأكثر من 20 مرة على الـ "أوميغا/ 3" في نظامنا الغذائي الشائع. ويمكننا إعادة هذا التوازن عن طريق التخفيف من كمية الزيوت النباتية في وجباتنا، مقابل زيادة كمية الأسماك الغنية بأحماض "أوميغا/ 3"، مثل سمك السالمون والترويت والتونة والسردين، إضافةً إلى الجوز وبذور الكتّان.
-تعزيز صحة الدماغ: تُشكل أحماض "أوميغا/ 3" الدهنية، نحو 20 في المئة من تركيبة المادة الرمادية في الدماغ. كذلك، فإنّ أغلفة الخلايا داخل الدماغ مؤلفة من الدهون التي تُسهّل التواصُل الخليوي بينها. لهذا السبب، نجد أنّ الافتقار إلى الدهون يُعتبر عاملاً شائعاً في التسبب بحالات الاكتئاب، تقلبات المزاج، وتراجُع الوظائف الدماغية.
اختيار الحبوب الكاملة الصحية:
عوضاً عن تناول دقيق الحبوب المقشورة، التي تُفقد معظم فوائدها في عمليات التصنيع، ينصح الخبراء بتناول الحبوب الكاملة المتنوعة، والغنية بالفيتامينات والمعادن والألياف الغذائية والمواد الكيميائية النباتية المغذية، مثل الكينوا، الشعير، الشوفان، حبة الدخن والحنطة السوداء، والأرز البنّي. وتنصح سويفت باعتماد نظام غذائي متوازن، يحتوي على كمية معتدلة من الحبوب الكاملة المتنوعة، وتفادي التركيز فقط على القمح، مع تغليب البقوليات والخضار والفواكه والمكسرات والبذور. أما أبرز فوائد الحبوب الكاملة المذكورة، فهي:
-تفادي تقلبات مستويات سكر الدم: خلافاً للمنتجات الغذائية المحضَّرة من الدقيق الأبيض، التي تتحول بسرعة إلى سكر في الجسم، يتم هضم الحبوب الكاملة غير المطحونة ببطء. بالتالي، لا يُسبّب تناولها ارتفاعاً كبيراً في مستويات سكر الدم.. فهذه الحبوب الكاملة تتمتع بمؤشر تحلون منخفض. وتقول سويفت، إنّه في إمكاننا جميعاً التخفيف من سرعة هضم الحبوب، عن طريق تناولها مع الدهون الصحية والبروتينات والخضار الغنية بالألياف الغذائية. مثال على ذلك، فإن كوباً من الأرز الأبيض وحده، يكون ذا مُؤشّر تحلون مرتفع إذا أكلناه وحده، أما إذا أضفنا إليه مقدار كوب ونصف الكوب من الخضار المقلّبة سريعاً على النار، والقليل من لحم الدجاج والدهون، فإن مؤشّر تحلون الوجبة بأكملها ينخفض بشكل ملحوظ جدّاً.
-الحصول على عناصر مغذية مُفيدة: تناول مجموعة متنوعة من الحبوب الكاملة، يمنحنا سلسلة من العناصر المغذية المختلفة. فمعظم الحبوب الكاملة التي ذكرناها، تحتوي على فيتامين (e)، وعدد من مجموعة فيتامينات (b) إضافةً إلى الكالسيوم، المغنيزيوم، الزنك، الحديد، والمنغنيز والنحاس فضلاً عن ذلك، فإنّ الألياف الغذائية الموجودة في معظم الحبوب الكاملة، تُسهم في خفض مستويات الكوليسترول، وتخفف الالتهابات، وتنشّط عملية الهضم.
وإلى جانب هذه النصائح الرئيسية الثلاث، يدعونا خبراء التغذية إلى تناول الطعام في غضون ساعة من استيقاظنا صباحاً، ثمّ توزيع الوجبات المتوازنة التي يجب أن تحتوي دائماً على القليل من الدهون والبروتينات، على ساعات النهار، بحيث نأكل كل 3 أو 4 ساعات. وتقول وورد: إنّ من شأن ذلك أن يساعد على إبقاء الأيض نشيطاً، ويحول دون الانخفاض الكبير في مستويات سكر لدم، الذي يؤدي إلى الإرهاق والتشوّش الذهني، وإحساسنا بالجوع الشديد في فترة بعد الظهر. وينصح الخبراء أيضاً، باستخدام كميات وافرة من الأعشاب العطرية والبهارات في أطباقنا، فهي غنية بمضادات الأكسدة التي تساعدنا على مكافحة الأمراض. كذلك من المفيد أن نتناول المكسرات النيئة والبذور، كوجبات خفيفة عندما نشعر بالجوع، فهي تساعد على خفض مستويات الكوليسترول الضار. ويجب ألا ننسى، أن علينا شرب كمية وافرة من الماء لا تقل عن ليتر ونصف الليتر في اليوم، إضافةً إلى الشاي الأخضر الغني بمضادات الأكسدة.