ليس في دين الإسلام طبقية وتسلُّط؛ ولكن أُخُوَّة ومحبَّة؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، وهذا ينطبق على العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وبين السيِّد والخادم، وبين الغني والفقير؛ وإنما جعل اللهُ عز وجل الناسَ متفاوتين في القدرات والمواهب والأملاك ليختبرهم جميعًا؛ فقد قال تعالى: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام: 165]؛ لهذا كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم معاملة الخادم كالأخ؛ فقد روى البخاري عن أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال عن الخدم: ".. إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ".
فكان من السُّنَّة أن نُطْعِم الخادم من طعامنا، ويزداد أمر إطعامه تأكيدًا إن كان الخادم قد تولَّى إعداد الطعام؛ لأنه في الغالب قد اشتهى طعمه ورائحته، فيكون من الغبن له أن نحرمه منه، وقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا صَنَعَ لأَحَدِكُمْ خَادِمُهُ طَعَامَهُ، ثُمَّ جَاءَهُ بِهِ، وَقَدْ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ، فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ، فَلْيَأْكُلْ، فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا قَلِيلاً، فَلْيَضَعْ فِي يَدِهِ مِنْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ".
ومشفوهًا أي كثرت عليه الشفاه فصار قليلاً، فحتى في هذه الحالة ينبغي أن نُعطي الخادم ولو أُكلة -بضم الهمزة- أو أُكلتين؛ أي لقمة أو لقمتين، فهي إن لم تكن مُشْبِعة فهي تعبير عن المشاركة، وهي مشاعر جميلة ينبغي أن تسود في المجتمع المسلم، وفيها من الأجر الكثير؛ حيث إنها من سُنن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
المصدر : كتاب إحياء 354 للدكتور راغب السرجاني