من أهل الدار
تاريخ التسجيل: January-2012
الجنس: ذكر
المشاركات: 1,323 المواضيع: 470
صوتيات:
4
سوالف عراقية:
0
مزاجي: عالي جدا
أكلتي المفضلة: خيارباللبن
موبايلي: x2
آخر نشاط: 3/June/2022
رساله الامام الهادي ( عليه السلام ) فى الرد على اهل الجبر والتفويض
رساله الامامالهادي ( عليه السلام ) فى الردعلى اهلالجبر والتفويض
(واثبات العدل والمنزلة بينالمنزلتين)
من علي بن محمد ؛ سلامعليكم وعلى من اتبع الهدى ورحمةالله وبركاته ، فانه ورد عليّ كتابكم وفهمتُ ماذكرتم من اختلافكم في دينكم ،وخوضكمفي القدر ، ومقالة من يقول منكم بالجبر ومن يقولبالتفويض ، وتفرقكم في ذلكوتقاطعكم وما ظهر من العداوة بينكم ، ثمّ سالتمونيعنه وبيانه لكم ، وفهمت ذلككلّه. اعلموا- رحمكم الله - انّا نظرنا في الآثاروكثرة ما جائت به الاخبارفوجدناها عند جميع من ينتحل الاسلام ممن يعقل عنالله جلّ وعزّ لا تخلو من معنيين : امّا حق فيتبع ، واما ، باطل فيجتنب . وقد اجتمعتالامة قاطبة لا اختلاف بينهم انّالقرآن حقّ لا ريب فيه عند جميع اهل الفرق وفي حالاجتماعهم مقرون بتصديق الكتابوتحقيقه ، مصيبون مهتدون ، وذلك بقولرسول الله (صلى الله عليهواله وسلم ) ( لاتجتمع امّتي على ضلالة ) ،فاخبر انّ جميع ما اجتمعت عليهالامة كلّها حق ، هذا اذا لم يخالف بعضها بعضاً ،والقرآن حقّ لا اختلاف في تنزيلهوتصديقه ، فاذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقهوانكر الخبر طائفة من الامة لزمهمالاقرار به ضرورة حين اجتمعت في الاصل على تصديقالكتاب ، فان هي جحدت وانكرت لزمهاالخروج من الملة . فاول خبر يُعرف تحقيقه من الكتابوتصديقه والتماس شهادته عليهخبر ورد عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم )ووجد بموافقة الكتاب وتصديقه بحيثلا تخالفه اقاويلهم ؛ حيث قالاني مخلف فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي -اهل بيتي - لن تضلوا ما تمسكتم بهما وانهما لن يفترقا حتى يرداعليّ الحوض )،قلّما وجدنا شواهد هذاالحديث في كتاب الله نصاً مثل قوله جلّوعزّ :
(انما وليكم الله ورسولهوالذين آمنوا الذين يقيمون الصلا ة ويؤتون الزكا ةوهم راكعون ،ومن يتول اللهورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون ) .وروت العامة في ذلكاخباراًلامير المؤمنين (عليه السلام)انّهتصدق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له وانزل الآيةفيه . فوجدنا رسول الله (صلىالله عليه واله وسلم ) قد اتى بقولهمن كنت مولاه فعليّمولاه ) وبقولهانت منّي بمنزلة هارون منموسى الاّ انه لا نبي ّ بعدي ) ووجدناه يقولعليّ يقضي ديني وينجز موعدي ، وهو خليفتيعليكم من بعدي ).
فالخبر الاول الذي استنبطتمنه هذه الاخبار خبر صحيحمجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم ، وهو ايضاً موافقللكتاب ، فلما شهد الكتاب بتصديقالخبر وهذه الشواهد الاُخرُ لزم على الامة الاقراربها ضرورة اذا كانت هذه الاخبارشواهدها من القرآن ناطقة ووافقت القرآن والقرآنوافقها ، ثمّ وردت حقائق الاخبار منرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) عن الصّادقين(عليه السلام ) ونقلها قوم ثقاتمعروفون فصار الاقتداء بهذه الاخبار فرضاً واجباًعلى كلّ مؤمن ومؤمنة ، لا يتعداهالا اهل العناد ، وذلك انّ اقاويل آل رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم ) متصلةبقول الله وذلك مثل قوله في محكم كتابهانّ الذين يؤذون اللهورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة واعد لهمعذاباً مهيناً) ، ووجدنا نظيرهذه آلاية قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) من آذى عليّا فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذىالله ، ومن آذى اللهيوشك ان يُنتقم منه ) ، وكذلك قوله (صلى الله عليهواله وسلم ) من احب عليّا فقد احبني ، ومن احبني فقد احبّالله ) ، ومثل قوله (صلى الله عليهواله وسلم ) في بني وليعةلابعثن اليهم رجلاً كنفسي ، يحب الله ورسولهويحبه اللهُ ورسوله ،قم يا عليّ فسر اليهم ) ،وقوله (صلى الله عليه واله وسلم ) يوم خيبرلابعثنّ اليهم غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ،ويحبه اللهورسوله ، كرّاراً غير فرار، لا يرجع حتّىيفتح الله عليه ) . فقضى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) بالفتح قبل التوجيهفاستشرف لكلامه اصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) ، فلّما كان من الغد دعاعليّا (عليه السلام) فيعثهاليهم فاصطفاه بهذه المنقبة ، وسمّاه كرّاراً غيرفرّار ، فسمّاه الله محباً للهولرسوله ، فاخبر انّ الله ورسوله يحبانه . وانّماقدّمنا هذا الشرح والبيان دليلاًعلى ما اردنا ، وقوّةً لما نحن مبيّنوه من امرالجبر والتفويض والمنزلة بينالمنزلتين ، وبالله العون والقوّة ، وعليه نتوكل فيجميع امورنا فانّا نبدء من ذلكبقول الصّادق (عليه السلام ) لا جبر ولا تفويض ولكنْ منزلة بينالمنزلتين وهي صحّة الخِلقَْة وتخلية السّرْب، والمهلة في الوقت ،والزاد مثلالرّاحلة ، والسبب المهيّج للفاعل على فعله ).
فهذه خمسة اشياء جمع بهالصّادق (عليه السلام ) جوامع الفضل ، فاذا نقصالعبد منها خلّة كان العمل عنه مطروحاا بحسسبه ،فاخبر الصّادق (عليه السلام ) باصلما يجب على النّاس من طلب معرفته ، ونطق الكتاببتصديقه ، فشهد بذلك محكمات آياترسوله ، لأنّ الرسول وآله (عليهم السلام ) لا يعدوشي من قوله واقاويلهم (عليهمالسلام ) حدود القرآن ، فاذا وردت حقائق الاخباروالتُمِسَتْ شواهدها من التنزيلفوُجِدَ لها موافقا وعليها دليلا كان الاقتداء بهافرضا ، لا يتعداه الاّاهل العنادكما ذكرنا في اوّل الكتاب . ولمّا التمسنا تحقيق ماقاله الصّادق (عليه السلام ) منالمنزلة بين المنزلتين وانكاره الجبر والتفويضوجدنا الكتاب قد شهد له وصدّق مقالتهفي هذا .
وخبرعنه ايضا موافق لهذا ؛انّ الصّادق (عليهالسلام ) سئل هل اجبر الله العباد على المعاصي ؟فقال الصّادق (عليه السلام ) : هواعدل من ذلك . فقيل له : فهل فوّض اليهم ؟ فقال(عليه السلام ) هو اعز واقهر لهم منذلك . وروي عنه انّه قالالنّاس في القدر على ثلاثة اوجه : رجل يزعم انّالامر مفوّض اليه فقد وهّن الله فيسلطانه فهو هالك ، ورجل يزعم انّالله جلّ وعزّ اجبر العباد على المعاصي وكلّفهم مالايطيقون ، فقد ظلّم اللهَ فيحكمه فهو هالك . ورجل يزعم انّ الله كلّف العباد مايطيقون ولم يكلّفهم ما لايطيقون،فاذا احسن خمد الله ، واذا اساء استغفر الله فهذا مسلم بالغ ) ،فاخبر (عليه السلام ) انّ من تقلّد الجبر والتفويض ودانبهما فهو على خلاف الحقِّ ، فقدشرحتُ الجبر الذي مَن دان به يلزمه الخطأ ، وانّالذي يتقلد التفويض يلزمه الباطل ،فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما .
ثمّ قال (عليهالسلام ) : واضربُ لكلّ باب من هذه الابواب مثلا يقرب المعنى للطالبويسهّل لهالبحث عن شرحه ، تشهد به محكمات آيات الكتاب ،وتحقق تصديقه عند ذوي الالباب ،وبالله التوفيق والعصمة.
فأمّا الجبر الذي يلزم مندانبه الخطأ فهو قول من زعم انّ الله جلّ وعزّ اجبرالعباد على المعاصي وعاقبهم عليها . ومن قال بهذا القول فقد ظلّمَ الله في حكمه وكذّبه، وردّعليه قوله : (ولا يظلم ربُّك احدا) . وقوله : (ذلك بماقدّمت يداك وأنّ الله ليس بظلاّم للعبيد) . وقولهانّ الله لا يظلم الناس شيئا ولكِنّ الناس انفسهميظلمون ) ، معآيٍ كثيرة في ذكر هذا ، فمن زعم انّه مجبر على المعاصي فقد احال بذنبهعلى الله وقدظلّمه في عقوبته ، ومن ظلّم الله فقد كذّب كتابه ،ومن كذّب كتابه فقد لزمه الكفربأجماع الامة . ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكالا يملك نفسه ولا يملك عرضا منعرض الدنيا ، ويعلم مولاه ذلك منه فامره على علممنه بالمصير الى السّوق لحاجةيأتيه بها ، ولم يملّكه ثمن ما يأتيه به من حاجتهوعلم المالك انّ على الحاجة رقيبالا يطمع احد في اخذها منه الاّ بما يرضى به منالثمن ، وقد وصف مالكُ هذا العبدنفسه بالعدل والنّصِفة واظهار الحكمة ونفي الجور ،واوعد عبده إن لم يأته بحاجته انيعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته انّهسيمنعه ، وعلم انّ المملوك لا يملكثمنها ولم يملكه ذلك ، فلما صار العبد الى السوقوجاء لياخذ حاجته التي بعثه المولىلها وجد عليها مانعا يمنع منها الا بشراء وليس يملكالعبد ثمنها ، فانصرف الى مولاهخائبا بغير قضاء حاجته فاغتاظ مولاه من ذلك وعاقبهعليه اليس يجب في عدله وحكمه انلا يعاقبه وهو يعلم انّ عبده لا يملك عرضا من عروضالدنيا ولم يملّكه ثمن حاجته ؟فان عاقبه عاقبه ظالما متعديا عليه ، مبطلا لما وصفمن عدله وحكمته ونَصِفَتِهِ ،وان لم يعاقبه كذّب نفسه في وعيده ايّاه حين اوعدهبالكذب والظّلم اللذين ينفيانالعدل والحكمة . تعالى عمّا يقولون علوّا كبيرا ؛فمن دان بالجبر او بما يدعو الىالجبر فقد ظلّم الله َونسبه الى الجور والعدوان اذاوجب على من اجبر العقوبة . ومنزعم انّ الله اجبر العباد فقد اوجب على قياس قولهان الله يدفع عنهم العقوبة ، ومنزعم انّ الله يدفع عن اهل المعاصي العذاب فقد كذّبالله في وعيده حيث يقولبلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحابالنّار هم فيهاخالدون ). وقوله : ( انّ الذين ياكلون اموال اليتامى ظلماانما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا ) . وقوله : (انّ الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلّمانضجت جلودهم بدّلناهمجلودا غيرها ليذوقوا العذاب انّ الله كان عزيزاحكيما ) ، مع آي كثيرة فيهذا الفنّ ، فمن كذّب وعيد الله يلزمه في تكذيبه آيةمن كتاب اللهالكفر وهو ممن قالالله : (أَ فتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء منيفعلذلك منكم الا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامةيُردون الى اشد العذاب وما اللهبغافل عمّا يعملون ) بل نقول : انّ الله جلّ وعزّ جازى العباد علىاعمالهم ،ويعاقبهم على افعالهم بالاستطاعة الّتي ملّكهمايّاها ، فامرهم ونهاهم بذلك ، ونطقكتابهمن جاء بالحسنة فله عشر امثالهاومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها وهم لا يظلمون ).وقال جلّ ذكرهيوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت منسوء تود لو انبينه وبينه امدا بغيدا ويحذركم الله نفسه ). وقالاليوم تجزى كلّ نفس بما كسبت لا ظلم اليوم )، فهذه آيات محكماتتنفي الجبر ومن دان به . ومثلها في القرآن كثير (اختصرنا ذلك لئلا يطول الكتاب . وبالله التوفيق ) .
اماالتفويضالذي ابطله الصادق (عليه السلام ) وخطّأ من دان بهوتقلده فهو قولالقائلانّ الله جلّ ذكره فوّض الىالعباد اختيار امره ونهيه واهملهم ) . وفي هذا كلام دقيق لمن يذهب الىتحريره ودقّته ، والى هذا ذهبت الائمة المهتدية من عترة الرسول (صلىالله عليه والهوسلم ) فانهم قالوا : لو فوّض اليهم على جهةالاهمال لكان لازماً له رضا ما اختاروهواستوجبوا به الثّواب ولم يكن عليهم فيما جنوهالعقاب اذا كان الاهمال واقعاً ،وتنصرف هذه المقالة على معنيين : امّا ان يكون العباد تظاهرواعليه الزموه قبول اختيارهم بآرائهم ضرورةً كَرِهَ ذلك ام احبّ فقدٍلزمهالوهن، اويكون جلّ وعزّ عَجَزَ عن تعبّدهمبالامروانهيعلى ارادته كرهوا او احبّوا ففوض امره ونهيه اليهم واجراهما على محبتهم، اذعجز عن تعبدهمبارادته ، فجعل الاختيار اليهم في الكفر والايمان .
وَمَثَلُ ذلك مَثَلُ رجلٍملك عبداً ابتاعهليخدمه ويعرف له فضل ولايته ويقف عند امره ونهيه ،وادّعى مالك العبد انّه قاهرعزيز حكيم ، فامر عبده ونهاه ووعده على اتباع امرهعظيمَ الثّواب واوعده على معصيتهاليم العقاب ، فخالف العبد ارادة مالكه ولم يقف عندامره ونهيه ، فايّ امره او ايّنهيٍ نهاه لم ياته على ارادة الولىبل كان العبديتبع ارادة نفسه واتباع هواه ، ولايطيق المولى ان يرده الى اتباع امره ونهيه والوقوفعلى ارادته ،ففوض اختيار امرهونهيه اليه ، ورضيَ منه بكلّ ما فعله على ارادةالعبد لا على ارادة المالك وبعثه فيبعض حوائجه ، وسمّى له الحاجة ، فخالف على مولاهوقصد لارادة نفسه ، واتّبع هواه ،فلّما رجع الى مولاه نظر الى ما اتاه به فاذا هوخلاف ما امره به ، فقال له : لمَاتيتني بخلاف ما امرتك ؟ فقال العبد : اتّكلت علىتفويضك الامر اليّ فاتبعت هوايَوارادتي ،لان المفوَّض اليه غير محظورٍ عليه ،فاستحال التفويض . اوَ ليس َ يجب علىهذا السبب امّا ان يكون المالك للعبد قادراً يامرعبده باتباع امره ونهيه علىارادته لا على ارادة العبد ، ويملّكه من الطاقةبقدر ما يامره به وينهاه عنه ، فاذاامره بامرٍ ونهاه عن نهيٍ عرّفه الثواب والعقابعليهما وحذّره ورغبه بصفة ثوابهوعقابه ليعرف العبد قدرة مولاه بما ملّكه من الطّاقةلامره ونهيه وترغيبه وترهيبه ،فيكون عدله وانصافه شاملاً له ، وحجته واضحة عليهللاعتذار والانذار ، فاذا اتّبعالعبد امر مولاه جازاه ، واذا لم يزدجر عن نهيهعاقبه . او يكون عاجزاً غير قادرففوّض امره اليه ، احسن ام اساء ، اطاع ام عصى ،عاجز عن عقوبته وردِّه الى اتباعامره ، وفي اثبات العجز نفي القدرة والتأله وابطالالامر والنهي والثواب والعقابومخالفة الكتاب ، اذ يقولولا يرضى لعباده الكفر وانتشكروا يرضه لكم ( وقوله عزّ وجلّ : اتقوا الله حقّ تقاتهولا تموتن الا وانتم مسلمون ) وقولهوما خلقت الجنّوالانس الا ليعبدون ، ما اريد منهم من رزق وما اريدمنهم ان يطعمون ) وقولهاعبدوا الله ولا تشركوا بهشيئاً ) وقولهواطيعوا الله واطيعوا الرسول ولاتولوا عنه وانتم تسمعون ).
فمن زعم انّ اللهتعالى فوض امره ونهيه الى عباده فقد اثبت عليه العجز ، واوجب عليهقبول كلِّ ماعملوا من خير وشر ، وابطل امر الله ونهيه ووعدهووعيده لعلّة ما زعم انّ اللهفوّضها اليه ، لانّ المفوّض اليه يعمل بمشيئته ،فان شاء الكُفْرَ او الايمان كانغير مردود عليه ولا محظور ، فمن دان بالتفويض علىهذا المعنى فقد ابطل جميع ماذكرنا من وعده ووعيده وامره ونهيه ،وهو من اهل هذهالآيةافتتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء منيفعل ذلك منكم الا خزيفي الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون الى اشدّالعذاب وما الله بغافل عمّاتعملون ) ، تعالى الله عمّا يدين بهاهل التفويض عُلُّواً كبيراً .
لكن نقول : انّ الله جلّوعزّ خلق الخلق بقدرته ،وملّكهم استطاعةً تعبدَهُم بها ، فامرهم ونهاهم بمااراد فقبل منهم اتّباع امرهورضيَ بذلك لهم ، ونهاهم عن معصيته ، وذمّ من عصاهوعاقبه عليها ، ولله الخيَرَة فيالامر والنهي ، يختار ما يريد ويامر به ،و ينهىعمّا يكره ويعاقب عليه بالاستطاعةالتّي ملّكها عباده لاتباع امره واجتناب معاصيه ،لانه ظاهر العدل والنَّصفةوالحكمة البالغة ؛ بالغ الحجة بالاعذار والنذار ،واليه الصّفوة ، يصطفي من عبادهمن يشاء لتبليغ رسالته واحتجاجه على عباده ، اصطفىمحمدا (صلى الله عليه واله وسلم ) وبعثه برسالاته الى خلقه ، فقال من قال من كفّارقومه حسداً واستكباراًلولا نُزِّلَ هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم ) يعنيبذلك اُمَيَّة بن ابي الصَّلْتِ وابا مسعودالثَّقفيَّ ، فابطل الله اختيارهم ولميجز لهم آراءَهم حيث يقولأَ هُم يقسمون رحمة ربِّك نحنقسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدُّنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتليتخذ بعضهمبعضاً سخزياً ورحمت ربِّك خير مما يجمعون ) ،ولذلك اختار من الامور ما احبونهى عمّا كرِهَ، فمن اطاعه اثابه ، ومن عصاه عاقبه، ولو فوَّضَ اختيار امره الىعباده لاجاز لقريش اختيار اُمَيَّةَ بن ابيالصَّلْتَ وابي مسعود الثقفيِّ ، اذكانا عندهم افضل من محمد (صلى الله عليه واله وسلم ).
فلّما ادّب الله المؤ منينبقولهوما كان لمؤمنولا مؤمنة اذاقضى الله ورسوله امراً ان يكون لهمالخيرة من امرهم ) ، فلميُجِزْ لهم الاختيار باهوائهم ولم يقبل منهم الاّ اتِّباع امرهواجتناب نهيه علىيديْ من اصطفاه ، فمن اطاعه رشد ، ومن عصاه ضلَّوغوى ، ولزمته الحجة بما ملَّكهُمن الاستطاعة لاتباع امره واجتناب نهيهِ ، فمن اجلذلك حَرَمَهُ ثوابه وانزل بهعقابه.
وهذاالقول بين القولين ليس بجبرٍ ولا تفويض ٍ،وبذلك اخبر امير المؤمنين صلوات الله عليه عباية بن ربعيّ الاسدي حين ساله عنالاستطاعة الّتي بها يقوم ويقعد ويفعل ، فقال امير المؤمنين (عليهالسلام ) : سالتعن الاستطاعة تملكها من دون الله او مع الله ؟ فسكتعباية ، فقال له امير المؤمنين (عليه السلام ) :قل يا عباية ، قال : وما اقول ؟ قال(عليه السلام ) : انْ قلتَ: انّك تملكها مع الله قتلتك ، وان قلت : تملكها دونالله قتلتك ، قال عباية : فمااقول ياامير المؤمنين؟ قال (عليه السلام ) : تقول :انك تملكها بالله الّذي يملكهامن دونك ، فانْ يُمَلِّكْها ايّاك كان ذلك من عطائه، وان يسلبكها كان ذلك من بلائه، هوالمالك لما ملّكك والقادر على ما عليه اقدركَ ، اما سمعت الناس يسالون الحوْلَوالقوّة حين يقولون : ( لا حول ولا قوة الا بالله )؟ . قالعباية : وما تاويلها يا امير المؤمنين ؟ قال (عليه السلام ) : لا حولعن معاصي اللهالاّ بعصمة الله ، ولا قوّة لنا على طاعة الله الابعون الله ، قال : فوثب عبايةفَقَبَّلّ يديه ورجليه .
ورُوِيَ عن المؤمنين (عليهالسلام) حين اتاه نجدة يساله عن معرفة الله ، قال : يا امير المؤمنينبماذا عرفتربك ؟ قال (عليه السلام ) : بالتمييز الذي خولني،والعقل الذي دلني ، قال : أَفَمجبولٌ انت عليه ؟ قال : لو كنت مجبولاً ما كنتمحموداً على احسان ولا مذموماًعلى اساءة ، وكان المحسن اولي باللاّئمة من المسيء، فعلمت انّ الله قائم باقِومادونه حدَث حائل زائل ، وليس القديم الباقيكالحدث الزائل ، قال نجدة : اجدُكاصبخت حكيماَ يا امير المؤمنين ، قال : اصبحتمخيراً ؛ فان اتيتُ السيئة بمكانالحسنة فانا المُعاقب عليها .
وروي عن امير المؤ منين (عليه السلام ) انّه قال لرجلٍ سأ له بعد انصرافه منالشّام فقال : ياامير المؤمنيناخبرنا عن خروجنا الى الشام بقضاءوبقدر ؟ قال (عليهالسلام ): نعم يا شيخ ؛ ماعلوتم تَلْعَةً ولا هبطتم واديا الا بقضاء وقدرٍ منالله ، فقال الشيخ : عند اللهاحتسب عنائي يا امير المؤمنين ؟ قال (عليه السلام ): مَهْ يا شيخ ، فانّ الله قدعظّمَ اجركم في مسيركم وانتم سائرون ، وفي مقامكم وانتممقيمون ، وفي انصرافكموانتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيءٍ مناموركممكرهين ولا اليه مضطرين ،لعلّك ظننتانّه قضاءٌ حتمٌ وقدرٌ لازم،لو كان ذلك كذلكلَبَطَلَ الثّواب والعقاب ، ولسقطالوعد والوعيد ولما اُلزِمَتِالاشياء اهلها علىالحقائق ؛ذلك مقالة عَبَدَةِالاوثان واولياء الشيطان ، انّ الله جلّ وعزّ امرتخييراً ، ونهى تحذيراً ، ولميُطَع ْمكرهاً ، ولم يُعْصَ مغلوباً ،ولم يخلقالسماوات والارض وما بينهما باطلاً ،ذلك ظنّ الذين كفروا فويلٌ للذين كفروا من النار ،فقام الشيخ فقبّل راس اميرالمؤمنين (عليه السلام ) وانشأ يقول :
انـت الامامالّذي نرجـــــو بطاعته يـوم النّجاة من الرحمان غـفرانا
اوضحـتَ من ديننا ما كانمُلتَبِســـاً جـــزاك ربك عنّا فيه رضـواناً
فليــــــس معذرةٌ في فعلفاحشةٍ قــد كنت راكِبَهاظلماً وعصيانا
فقد دلَّ امير المؤمنين (عليه السلام ) على موافقة الكتاب ، ونفي الجبروالتفويض اللذينِ يلزمان مْن دانبهما ويتقلدهما الباطلَ والكفرَ وتكذيبَ الكتاب ،ونعوذ بالله من الضلالة والكفر ،ولسنا ندين بجبرٍ ولا تفويضٍ لكنّا نقول بمنزلةٍبين المنزلتين وهو الامتحانوالاختبار بالاستطاعة التي ملّكًنا الله وتعبَّدَنابها على ما شهد به الكتاب ودانبه الائمة الابرار من آل الرسول صلوات الله عليهم .
ومَثَلُ الاختباربالاستطاعة مَثَلُ رجلٍ مَلًكَ عبدا وملك مالاً كثيراًاحبّ ان يختبر عبده على علمٍ منه بما يؤول اليه ،فملّكه من ماله بعض ما احبّ ووفقهعلى امور عرّفها العبد ، فامره ان يصرف ذلك المالفيها ونهاه عن اسباب لم يحبها ،وتقدم اليه ان يجتنبها ولا ينفق من ماله فيها ،والمال يتصرف في ايِّ الوجهين ،فصرف المال احدهما في اتِّباع امر المولى ورضاه ،والآخرُ صرفه في اتِّباع نهيهوسخطه ، واسكنه دار اختبارٍ اعلمه انّه غير دائم لهالسكنى في الدار وان له داراًغيرها وهو مخرجه اليها ، فيها ثواب وعقاب دائمان ،فان انفذ العبد المال الذي ملّكهمولاه في الوجه الّذي امره به جعل له الثواب الدائمفي تلك الدار التي اعلمه انهمُخرجه اليها ، وانْ انفق المال في الوجه الّذي نهاهعن انفاقه فيه جعل له ذلكالعقاب الدائم في دار الخلود . وقد حدَّ المولى فيذلك حدّاً معروفاً وهو المسكنالّذي اسكنه في الدار الاولى ، فاذا بلغ الحدُّاستبدل المولى بالمال وبالعبد علىانه لم يزل مالكاً للمال والعبد في الاوقات كلِّها، الا انه وعد ان لا يسلبه ذلكالمال ما كان في تلك الدار الاولى الى ان يستتمسكناه فيها فوفى له ، لانّ من صفاتالمولى :العدل والوفاء والنَّصَفَةَ والحكمةَ ، اوَليس يجب إنْ كان ذلك العبدُصَرَفَ ذلك المالَ في الوجه المأموربه أن يفيَ لهبما وعَدَهُ من الثواب ، وتفضلَعليه بأنِ استعمله في دارٍ فانية واثابه على طاعتهفيها نعيماً دائماً في دارٍباقيةٍ دائمةٍ ، وان صرف العبد المال الذي ملّكهُمولاه ايّام سكناه تلك الدّارَالاولى في الوجه المنهيِّ عنه وخالف امر مولاه كذلكتجب عليه العقوبةُ الدائمةالّتي حذَّره اياها ، غير ظالم له لما تقدم اليهواعلمه وعرَّفهُ واوجب له الوفاءبوعده ووعيده ، بذلك يُصًفُ القادر القاهر.
وامّاالمولى فهو الله جلَّ وعزَّ ،وامّا العبد فهو ابن آدم المخلوق ،والمال قُدرَةُالله الواسعة ، ومحنتهُ اظهارُه الحكمةَ والقدرةَ ،والدار الفانية هي الدنيا ،وبعض المال الّذي ملَّكه مولاه هو الاستطاعة الّتيمَلَّكَ ابن آدم ،والامور الّتيامر الله بصرف المال اليها هو الاستطاعة لاتِّباعالانبياء والاِقرار بما اوردوه عنالله جلَّ وعزَّ،واجتناب الاسباب الّتي نهى عنها هيطُرُقُ ابليسَ ، وامّا وعدهفالنعيمُ الدائم وهي الجنة وامّا الدّار الفاتنةفهي الدنيا وامّا الدار الاخرى فهيالدّار الباقية وهي الآخرة . والقول بين الجبروالتفويض هو الاختبار والامتحانوالبلوى بالاستطاعة الّتي ملّكَ العبد .
وَشَرْحُها فيالخمسة الامثال الّتي ذكرهاالصّادق (عليه السلام) انّها جمعت جوامع الفضل وانامفسرها بشواهد من القرآن والبيان انْ شاء الله .
أتمنى للجميع الفائدة