خاص - روتانا
كثيراً ما نتجاهل أثر إصابة أحد أفراد العائلة على بقية العائلة من الناحية النفسية، فاللحوادث والمآسي التي يتعرض لها أي فرد آثارها وتبعاتها على الشخص نفسه وعلى محيطة، وتجاهل فكرة التعامل مع هذه المشاعر والتبعات قد يترك أثره العميق وسلبياته التي لا نتوقعها. لهذا لابد من خوض الشخص ومحيطة كعائلته برنامجاً تأهيلياً يساعدهم على تجاوز ما مروا به، ليتابعوا طريقهم بشكل سليم معافى جسداً وروحاً.
حول هذا الموضوع قابلنا ريبيكا براشلر مدير خدمات المرضى الدوليين في معهد إعادة التأهيل في شيكاغو RIC، وتتمتع براشلر بخبرة تزيد على 30 عاماً في مجال إعادة التأهيل. وتحمل اعتماداً في العمل الاجتماعي السريري، وهي أيضاً أستاذ مساعد في قسم العلاج الطبيعي والتأهيل بكلية فاينبرغ للطب في جامعة نورث ويسترن، وتتركز خبرتها في استعادة التوازن العائلي في أعقاب الإصابات أو الأمراض الخطيرة والصحة العالمية والعناية بالعسكريين المرضى.
- من تجربتكم، من الأكثر تأثراً بالأزمات، المريض أم العائلة؟ وإن كانت العائلة، فأي فرد يتأثر أكثر؟
لا يوجد نمط ثابت أو معادلة محددة لرد الفعل عند تشخيص مريض جديد. فكل عائلة تختلف عن الأخرى وسيختلف رد فعل كل فرد عن الآخر ويتغير رد فعله في محاولة العثور على مسار للتعافي أو التكيف.
غالباً ما يوصف ذلك بالبحث عن أسلوب لمواجهة أزمة تغيّر مسار الحياة ومعالمها. فالأقارب الذين يتقبلون ما لا يمكنهم تغييره، ويركزون على الأمور التي يمكنهم السيطرة عليها، هم في الواقع من يقومون بالأداء الأفضل. كما أن أولئك الذين لا يوجهون اللوم لأنفسهم أو للآخرين على سوء حظهم يتمتعون بمكانة أفضل تمكنهم من المضي قدماً نحو التعافي. بتلك الطريقة سيكون بإمكانهم إيجاد صورة فعلية للموقف تلخص معتقداتهم الفردية والدينية وآراءهم وقيمهم وتجاربهم الحياتية.
يمكن للعاملين في إعادة التأهيل تسهيل عملية البحث عن الجانب الإيجابي والسعادة ولكن الأمر يختلف من فرد إلى آخر في نفس العائلة - ونعرف أنه غالباُ ما يتضمن تغيير المنظور وإعادة التفكير بالقيم. خلال العمل في إعادة التأهيل نرى في كل يوم أدلة على أن المرضى وعائلاتهم أقوى مما نعتقد ولديهم قدرة على التكيف أكثر مما كانوا يتوقعون. ولهذا السبب فإن العمل في مجال إعادة التأهيل نادراً ما يسبب الاكتئاب بل إنه يرفع المعنويات ويدعو للنظر إلى الحياة بنظرة متفائلة.
1. أيهما أكثر صعوبة – إعادة التأهيل للمريض أم لعائلته أم أطفاله، أم للأبوين إذا كان المريض طفلهم ؟
لا يمكن القول بأن إحدى تلك الحالات أصعب دوماً من غيرها. فكل عضو من العائلة يتأثر بدرجة مختلفة عن الآخرين وقد يعتمد وسائل مختلفة للتعايش مع الأمر. عند مواجهة مرض جديد أو إعاقة مفاجئة، يمر كل فرد من أفراد العائلة بفترة يتغير فيها أداؤه وتفكيره، ولكن كل تجربة تختلف عن الأخرى وتتأثر بالعديد من العوامل كالتجارب الحياتية السابقة والمخزون العاطفي والقدرة على مواجهة التغيير وطبيعة دوره في العائلة.
2. ما هي أصعب الحالات في التعامل والتي يمكن القول أنها تحمل الكثير من الأثر السلبي على العائلة؟
لم أسمع عن أبحاث تثبت أن مرضاً معيناً أكثر تأثيراً نفسياً من غيره. نعرف أن من الصعب للغاية على العائلات أن تتكيف مع حالات الغياب الذهني الغامضة كإصابات الدماغ التي يكن فيها المريض موجوداً ولكن شخصيته تتغير بشكل كبير يجعل التعامل معه أصعب من الإصابات الأخرى أو حتى الموت.
كما أن هناك أدلة على أن الأمراض التي تتطور مع الوقت، أو تلك التي لا يمكن التنبؤ بمراحلها التالية (كمرض ALS أو التصلب اللوحي المتعدد) قد تشكل تحدياً أكثر صعوبة من مرض محدد أو حادث واحد كبتر أحد الأطراف مثلاً. ولكن أهم ما يجب أن نتذكره هو أن ما يهم في الواقع هو منظور المريض للحالة وليس مفهومنا نحن لها.
قد أعتبر فقدان أحد الأصابع خسارة بسيطة ولكن بالنسبة إلى عازف محترف للفيولين مثلاً سيكون الأمر ذا تأثير هائل. وبالمثل قد يجد الموسيقي أن التعامل مع شلل الأطراف السفلية أسهل من غيره.
3. ما هي التحديات التي تواجهونها عند التعامل مع عائلة تعرضت لصدمة من هذا النوع ؟
الصدمات ذات طبيعة معقدة ولا يمكن تصنيفها بسهولة. توجد بيانات تجريبية محدودة حول أفضل منهجية لتسهيل التكيف والتعايش، ويعرف الخبراء العاملون في مجال إعادة التأهيل أن التكيف مع المرض ملئ بالتناقضات وهو غالباً ما يكون حالة من التضارب.
فالأم قد تحب ابنها المصاب بإعاقات النمو حباً هائلاً غير مشروط في الوقت الذي تدعو له فيه بالشفاء، وقد يشعر المريض بالإحباط الكامل بسبب عدم قدرته على المشي ولكنه يأمل أن يتمكن في المستقبل من استعمال الكرسي المتحرك.
قد يحزن شخص بمرارة لفقدانه القدرة على النطق ولكنه يسعد لكونه لا زال على قيد الحياة.
التعافي من الصدمات والحوادث ليس بالأمر البسيط أبداً، ولا يوجد جوانب محددة للمشاعر فيه كما لا تنطبق عليه النظريات. والجانب الأهم هنا هو العثور على المعالجين الذين يفهمون تلك الصورة المركبة ويمكنهم التعامل معها.
4. كيف تبدأ رحلة إعادة التأهيل؟ وكيف تقرر العائلات انها بحاجة له؟
من الضروري جداً أن يدخل المريض مرحلة إعادة التأهيل بالسرعة الممكن بعد تشخيص إصابته بمشكلة في الأعصاب كالجلطة، أو بإصابة في الدماغ أو الحبل الشوكي. تدعم الأبحاث الجديدة حول مرونة الدماغ وتعافي الأعصاب الجهود الرامية للانتقال إلى برنامج شامل متعدد التخصصات والجوانب لإعادة التأهيل بمجرد استقرار الحالة الصحية للمريض.
من المهم للعائلات تحديد مواقع تواجد الخبراء في المجال المطلوب، ممن لديهم سجل من النجاح في مجال تأهيل الحالة. وتبدأ الرحلة بالتعامل مع فريق إعادة التأهيل الذي يضم الأطباء والمعالجين الطبيعيين والوظيفيين ومعالجي النطق والأطباء النفسيين والعاملين الاجتماعيين والممرضين المختصين بإعادة التأهيل ممن سيدرسون حالة المريض وسجلاته الطبية ليتمكنوا من إشراكه سريعاً في برنامج مؤهل لتأهيل المرضى المقيمين.
5. أخبرينا عن رحلة صعبة لإعادة التأهيل عايشتها مع إحدى العائلات. هل هناك حالات لا يمكنها قبولها لإعادة التأهيل؟
تتضمن إعادة التأهيل المشاركة الفعالة من المريض، ولهذا فإن الحالات التي لا يستجيب فيها المريض معنا (كالغيبوبة مثلاً) لا يمكن دمجها في برامج إعادة التأهيل، وكذلك الحالات التي يكون فيها المريض غير قادر على المشاركة في العلاج بسبب مرض عقلي أو عدم وجود دافع ليه.
6. ما هي نصيحتكم للعائلات؟
تحلوا بالصبر. فالتعايش مع الإعاقة أو المرض المزمن عملية لا يمكن تحديدها في إطار الأسابيع والشهور، لأن عملية التكيف الناجحة قد تمر بمدّ وجزر مع الوقت. كما أن مراحل الشفاء لا تسير في خط مستقيم، وتماماً كما يمر الناس الأصحاء بأيام جيدة وأخرى سيئة، فستمر العائلات التي تعاني من مرض أو إصابة بأوقات تتراوح بين الجيد والسيء.
يجب أن تتضمن أفضل برامج إعادة التأهيل الدعم النفسي للمريض والدعم النفسي لأفراد الأسرة المقربين، وعلى الأقارب الاستفادة من تلك الخدمة دون أن يترددوا في طلب العون والمساعدة.
7. ما هي النصيحة التي تقدمونها لأقارب أو أصدقاء المريض المصاب بمرض خطير ويحتاج لإعادة التأهيل؟
من المفيد أن نتذكر دوماً أنه لا يوجد ما هو صحيح أو خطأ عند التعامل مع تشخيص كارثي لمرض أو إصابة. قد يبدو بعض الأفراد جامدين دون رد فعل مقابل المرض الجديد بينما قد يتصرف البعض الآخر بشكل عاطفي للغاية وتبدو عليهم كل معالم الحزن -ولا يشكل أي من ردّي الفعل هذين مشكلة مرضية تحتاج إلى التدخل أو القلق.
يكون الأصدقاء والأقارب أكثر فائدة للمريض عندما يحافظون على حيادهم دون أن يخبروا المريض باستمرار ما عليه أن يفعل أو يشعر به.
أصغوا بعناية إلى المريض وتفسيره الخاص لما يعتبره دعماً، فإعادة التأهيل أمر مرهق ومؤلم قد يستمر لأسابيع أو حتى أشهر، ولهذا يكون التواجد للمساعدة خلال تلك الفترة هو ما يحتاجه المريض بالفعل وأفضل ما يمكن تقديمه له في هذا الوقت. قد يرغب بعض المرضى بمساعدة الأصدقاء أو الأقارب لهم في مهام محددة كقيادة السيارة أو الطهي أو المساعدة في العلاج بينما يفضّل البعض الآخر عدم إشراك الأصدقاء في رعايتهم والاكتفاء بالدعم المعنوي وفرص التواصل الاجتماعي.
في معهد إعادة التأهيل في شيكاغو نرحب بمشاركة الأصدقاء وأفراد العائلة في كافة جوانب برنامج إعادة التأهيل. فوجود فريق من الخبراء السريريين والأشخاص الذين يحبهم المريض سيهيئ له أفضل سبل التعافي.