كان هارون الرشيد يبث عيونه وجواسيسه في المجتمع، ليأتوه بأخبار مخالفيه، وليكون على علم من عقائدهم ومذاهبهم.. وذات يوم وشي ببهلول إليه، بأنه من أتباع ومحبي الإمام موسى الكاظم (ع).. وحكي أن هارون الرشيد، كان على حذر شديد من الإمام الكاظم (ع)، وأنه كان يسعى دائما لمعرفة شيعته، ومحبيه للقضاء عليهم.. ولما جاء ه خبر بأن بهلولا من شيعة الإمام، قرر إحضاره وإنزال العقوبة به ؛ ليكون عبرة للآخرين.
ولما أحضر بهلول إلى القصر، وقف أمام هارون - الذي كان الغضب مستوليا عليه - فقال له هارون : سمعت بأنك من شيعة ومحبي موسى بن جعفر، وأنك تسعى في خلافي.
سكت بهلول ولم يتكلم بشيء، وكان هذا السكوت مؤذيا لهارون ومثيرا لغضبه أكثر!.. قال هارون : تظاهرت بالجنون، لتفر عن عقوبتنا، لكني لست بتاركك.
قال بهلول : ما كنت تفعل، إن كنت صادقًا فيما تقول؟..
كان هارون يتوقع من بهلول، أنه بعد التهديد يقول شيئا يظهر به مخالفته عن الإمام الكاظم (ع)، لكنه فوجئ بما سمعه من بهلول، وصمم هذه المرة إنزال العقوبة ببهلول.. ولكن أي نوع من العقوبة يمكن إنزالها ببهلول الذي كان من أرحام الخليفة هارون من جهة، وأنه قد اشتهر بين الناس أن بهلولا مجنون من جهة آخرى؟.. فلا يمكن إنزال أشد العقوبة به، لأنه بعقوبته سيقول الناس : بأن هارون لم يقدر إلا على المجانين.
وعليه، فأخذ هارون يفكر في طريقة لعقوبة بهلول، وأخيرا أمر بخلع ملابس بهلول وألبسه ما يسرج به الفرس، ثم أمر بوضع لجام على فمه، وأخذوا يدورون به في المدينة.. ولما عادو ببهلول إلى القصر، وأجري في حقه أمر الخليفة، كان وزير هارون في القصر، وحيث أن الوزير لم يكن يعلم خبر بهلول، وأنه لماذا يفعلون به هكذا قال : ماذا فعل بهلول؟..
لم يجبه أحد بشيء، قام هارون من كرسيه ونفض رداء ه بغرور، ثم وقف أمام بهلول وقال : ألم تسمع ما قال وزيرنا، أجبه إذن؟..
التفت بهلول إلى الوزير بكل وقار وسكينة، ولم يبدو على وجهه آثار الانزجار من الخليفة، ثم قال : دعاني أمير المؤمنين، وسأل مني شيئا، فأجبته جواب الحق.. فخلع أمير المؤمنين لأجل ذلك ملابسه الغالية، وأهداها إلي!..
لقد تغير وضع مجلس الخليفة بسماع هذا الكلام، فلم يتمالك الجميع أنفسهم من شدة الضحك بما فيهم هارون ؛ فإنه ضحك ضحكًا كثيرًا.. وبعد لحظات هدأ المجلس، ثم أمر هارون بخلع ما على بهلول من السرج واللجام، وأمر بإحضار خياطه الخاص، وقال له : إهد إليه أفضل ما خطته لي من الملابس.
لكن وقبل أن يأتمر الخياط بأمر الخليفة، قال بهلول : لا حاجة لي بملابس الخليفة.. ثم لبس ملابسه البالية، وخرج من القصر