لقد أدى الاهتمام باللغة وبالمشكلات اللغوية إلى ظهور عدة علوم ومن بينها اللسانيات وهو علم مهم نظرا لأهمية الموضوع الذي يعنى به وهو اللغة.
وتعتبر الدلالة موضوعا حساسا سنتطرّق إليه باعتباره علما لم ينشأ بمعزل عن اللسانيات وإنما يعدّ فرعا منها ولصيقا بها لأن اللسانيات تهتم بدراسة اللسان البشري واعتبار الدلالة تتجاوز حدود اللسانيات.
لهذا فكما تستعين علوم اللغة بالدلالة في تحليلاتها فعلم الدلالة لأداء وظيفته يحتاج إلى علوم أخرى استنادا إلى مفهوم الدال والمدلول (الإشارة اللغوية).
تعتبر اللسانيات من الموضوعات المعقدة التي شغلت الباحثين وهذا ما دفعنا للتعرّف عليها من خلال التطرّق إلى تعاريفها.
قال عزّ وجلّ: {ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم}. (1)
وقال أيضا: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم}. (2)
وقوله أيضا: {لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين}. (3)
وقد ورد لفظ اللسان في القرآن الكريم للدلالة على النظام التواصلي المتداول بين أفراد المجتمع.
ترجع بداية علم اللسانيات إلى اكتشاف اللغة السنسكريتية على يد وليام جونز واستخدامها للمقارنة ونشوء علم اللغة التاريخي وظهور القواعد المقارنة، وقد نشأ مثل العلوم الأخرى نسبة للمعرفة الموثوقة التي تعتمد على المناهج في دراسة ظاهرة تقوم على التجربة والاستقراء واستنتاج القوانين أو النظرية. (4)
أما خصائص اللسانيات المتفق عليها والتي حددها جون ليونر:
إن اللسانيات تتصف بالاستقلالية وتهتم باللغة المنطوقة قبل المكتوبة وتُعنى باللهجات ولا تفضل الفصحى على غيرها، كما أنها تدرس اللغة ككل وعلى صعيد واحد ضمن تسلسل متدرّج من الأصوات إلى الدلالة مرورا بالجوانب الصرفية والنحوية ولا تنحاز بين اللغات. (5)
4) أحمد محمد قدور، مبادئ في اللسانيات العامة، مديرية الكتب والمطبوعات، 1427هـ - 2006م، ص 15.
وأرسى أسسه دي سوسير جاعلا اللسانيات واضحة الحدود من حيث الاختصاص ومن حيث المناهج التي نضجت عن طريق كتابه "محاضرات في اللسانيات العامة" وصدر بعد وفاته بـ 3 سنوات عام 1916م.
لهذا فإن الدارسين يتفقون على أن دي سوسير هو الأب الحقيقي للسانيات حيث وضع أفكارا لغوية رائدة، وصارت اللسانيات باعثا لنهضة علمية تولّد منها علوم ومناهج جديدة. (1)
مصطلح اللسانيات هو التعبير المقابل عربيا لكلمة linguistiques كما أرساها أهل العلم والاختصاص فقد بلغت المصطلحات المعرّبة أو المترجمة ثلاثة وعشرين مصطلحا منها: علم اللغة، علم اللسان، علم الغويات، علم اللغة العام الحديث، علم الألسنية... إلخ. وبعد ندوة منعقدة في تونس عنوانها "الألسنية واللغة العربية" عام 1978م اتخذت توصية باستعمال مصطلح اللسانيات وحده.(2)
وخلاصة القول: اللسانيات في جوهرها استمرارية للدراسات اللغوية السابقة وتعمل على دراسة اللغة البشرية بدراسة علميّة تقوم على الوصف ومعاينة الوقائع بعيدا عن النزعة التعليمية والأحكام المعيارية لأنها تختلف عن العلوم الأخرى في الاختصاصات وهذه المعايير ينبغي أن تتوفر في اللساني.
اجتهد الباحثون في دراسة اللغة الإنسانية وفق مجموعة من المناهج في دراسة اللغة وهي:
يتناول الدرس العلمي لكل الظواهر اللغوية بعد تحديد مجالاتها وزمنها وبيئتها، أي إن كانت اللغة فصحى أو لهجة أو مستوى من المستويات، كما يحدد انتماء تلك الظواهر في أسرة واحدة. (3)
1) أحمد محمد قدور، نفس المرجع، ص 15.
2) إبراهيم محمود خليل، اللسانيات ونحو النص- قسم اللغة العربية، الجامعة الأردنية- ط1، ص 13.
يدرس اللفظ انطلاقا من بعض المؤثرات عبر الزمن والتطورات الاجتماعية والثقافية والعلمية. إنه يهتم بها انطلاقا من المؤثرات المختلفة التي تحيط بها. (1)
أحدث المناهج اللسانية يختص بدراسة علمية للوصول إلى الفروق الموضوعية بين لغتين أو لهجتين أو مستويين، كما لا يشرط في هذا المنهج دراسة اللغات التي تنتمي إلى أسرة لغوية واحدة.(2)
يختص بدراسة لغتين أو أكثر على المستوى الصرفي والنحوي والدلالي حيث يلجأ إلى التاريخ بهدف المقارنة ضمن أسرة لغوية واحدة. ويبدو الاختلاف الجوهري بين المنهجين التقابلي والمقارن حيث يختص كل منها بمجال معيّن. (3)
تعتمد المناهج في دراسة اللغة الإنسانية بعبارة أخرى تبحث في الظواهر اللغوية أو في المستويات اللغوية فكل منهج يسعى إلى تحقيق نتائج معيّنة تخدم تطور اللغة وتعمل على تنميتها أو تساعد الإنسان على استثمارها في عملية التواصل ولا نخفي أن المستوى الدلالي هو أهم المستويات، وتؤدي إليه وتخدمه بقية المستويات اللغوية الأخرى (صوت، كلمة، جملة) لهذا سنعتمد في العنصر الموالي تعريف الدلالة لغة واصطلاحا وما ارتبط بها من نظريات وعلوم.
2) نفس المرجع، ص 26 و 27.
الدلالة تعتبر من أكثر الموضوعات أهمية وتعقيدا في الواقع بتطورها اللغوي،فهي شغلت ذهن الباحثين، فماذا يقصد بعلم الدلالة؟
ورد في لسان العرب كلمة (دلّ) للفعل الثلاثي صور صرفية متعددة بفتح الدال، ومشتقة من قولهم دلُّ المرأةِ ودَلالُها : تدللها على زوجها، وذلك ترويه جراءة عليه تغنج بهوتشكل كأنها تخالفه وليس به خلاف.
والدليل: ما يستدل به والدليل: الدال وقد دله على الطريق يدله دلالة ودلالة ودلولة والفتح أعلى.
والدّلّ: كالهدي وهما من السكينة والوقار في الهيئة والمنظر والشمائل وغير ذلك. (1)
لقد تعددت تعاريف علم الدلالة ومن أبرزها ما تعرّض له العالمان العربيان شريف الجرجاني والجاحظ.
فالشريف الجرجاني قال عن الدلالة: "الدلالة كون الشيء بحالة يلزم من العلم بها العلم بشيء آخر الأول هو الدال والثاني هو المدلول" (2).
أما ما عرضه الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين)... الدلالة: "والدلالات هي التي تكشف عن المعاني في الجملة..." (3)
ونستنتج من خلال هذين التعريفين أن هناك شبها حيث أن الدلالة تفيد المعنى في كل علامة.
1) ابن منظور- لسان العرب. مادة. دل-ل- دار الكتب العلمية- بيروت/لبنان. الجزء السادس. ص 346-347.
2) الشريف الجرجاني. كتاب التعريفات. مكتبة لبنان. 1885م – ص 70.
3) الجاحظ. البيان والتبيين. تحقيق عبد السلام هارون. دار الجيل. بيروت. ج1. ص 76.
كذلك ضبط الأستاذان الناقدان الإنكليزيان أوجدن وريتشاردز في كتابهما "معنى المعنى" ما لا يقلّ عن ست عشرة تعريفا للمعنى.
ومصطلح الدلالة في العربية تركيب إضافي يدُل دلالة الاسم على مسمى خال من الدلالة على الزمان وهو يقابل الاصطلاح الفرنسي Semantique ومشتق من Semantics يعني يدل. (1)
يبدو أن المفهوم اللغوي والاصطلاحي للدلالة يتقاربان بل يرتبطان، حيث أن المفهوم الاصطلاحي مبني انطلاقا من المفهوم اللغوي وهو الهدي والإرشاد فالدلالة ترشدنا إلى المعنى.
1) كلود جرمان وريمون لوبلون. علم الدلالة. ترجمة نور الهدى لوشن. الدلالة. المكتب الجامعي. ص 7.
علم الدلالة لا يبحث في المعنى في حد ذاته بل يتعداه إلى البحث عن الكيفية التي يظهر فيها المعنى سواء في الكلمات أو الجمل مما يستلزم أن موضوعه أي شيء أو كل شيء يقوم بدور العلامة أو الرمز، ويدرس اللغة، واللغة هي نظام من الرموز الصوتية العرفية وهذه الرموز قد تكون إشارة باليد أو إيماءة بالرمز أي رموزا غير لغوية تحمل معنى، ويركز علم الدلالة على اللغة بين أنظمة الموز باعتبارها ذات أهمية خاصة بالنسبة للإنسان. (1)
أما دي سوسير فيقول عن اللغة بـ أنها نظام من العلامات الذي يعبّر عن الأفكار ولذلك فهي مشابهة لنظام الكتابة الأبجدية الصم البكم الطقوس والمذاهب الرمزية ولضيع المجاملة والإشارات العسكرية... (2)
ويمكن أن نوضح ذلك بأن الدلالة تدرس المعاني الحقيقية والمجازية والاشتياق اللغوي وعلم المعنى لا يقف فقط على معاني الكلمات المفردة بل يتعدى ذلك لأن الكلمة ما هي إلا وحدة يبنى بها الكلام، والدلالة تدرس العلامات وتهتم باللغة خصوصا.
1) أحمد مختار عمر. علم الدلالة. جامعة القاهرة. عالم الكتب. بيروت، د ط ، د ن، ص11 و ص12.
2) فيرديناند دي سوسير. محاضرات في اللسانيات العامة. ترجمة يوسف غازي. المؤسسة الجزائرية. دط.، 1986م-ص33.
إن أهمية الدلالة وضرورته للعلوم الأخرى جعله ذا تسميات مختلفة من طرف العلماء وكل مسمى من تلك المصطلحات هو مصطلح دلالي والتي أسهمت في بلورة هذا العلم.
وهذا ما سنتطرّق إليه في إعطاء نظرة على تلك التسميات.
* لغة: اشتقاق المعنى من الإظهار، يقال: عنت القربة إذا لم تحفظ الماء بل أظهرته، وقال آخرون من العرب: تمكنت الأرض بنبات حسن إذا أنبتت نباتا...) والإظهار هو الإبانة والوضوح.
* اصطلاحا: اتفق العلماء على مفهوم المعنى بأنه الصور المقصودة بالحروف إلى الدلالة عليها كما قال الشريف الجرجاني (ما يقصد بالشيء وعرفها الرماني مقصد يقع البيان عنه باللفظ) والمعنى هو القصد والمراد، يقال عنيت بالكلام كذا أي قصدت _عمدت_ بيد أن هذه التسمية أسست انطلاقا من موضوع علم الدلالة الأصلي وهو المعنى. (1)
* لغة: (الأول: الرجوع، آل الشيء يؤول أولا ومآلا: رجع وأول إليه الشيء: رجعه و؟آلت عن الشيء ارتدت) ومعناه الرجوع والمعاقبة. (2)
* اصطلاحا: يقول الأزهري: قال الليث: والتأويل تفسير الكلام الذي تختلف معانيه، ولا يصح إلا ببيان غير لفظه وهذا ما اتفق معه ابن الأثير حيث قال: نقل ظاهر اللفظ وحدده الشريف الجرجاني التأويل وخصه بالشرع والسنة. (3)
1) جاسم محمد عبد العبّود. مصطلحات الدلالة العربية، دار الكتب العلمية، بيروت/لبنان. 2007م. ط1. ص51.
2) ابن منظور. لسان العرب. ص13/33.
* لغة: فسرت الشيء فسرا من باب ضرب بنيته وأوضحته والتثقيل مبالغة.
* اصطلاحا: فرّق أبو هلال العسكري بين التأويل والتفسير بقوله: "إن التفسير هو الإخبار عن إفراد وآحاد الجملة، والتأويل الإخبار بمعنى الكلام..." (1)
فالاتصال بين التفسير والدلالة اتصال وثيق حيث تحدد المقاصد ويعتمد فيها المفسّر على النص وهو موضوع مشترك بين الدلالة والتفسير.
* لغة: الإيضاح والإفصاح، وأصله الكشف والظهور بأن الشيء فهو بيّن.
* اصطلاحا: كثيرة هي تعريفات البيان فهو مرادف للدلالة لاشتراكهما في الوضوح والبيان، وهذا ما يسعى إليه علم الدلالة الحديث.
واتفق الباحثان السكاكي والشريف الجرجاني:
فالسكاكي يقول: إيراد المعنى الواحد في طرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه بالنقصان ليحترز الوقوف على ذلك الخطأ...
أما الشريف الجرجاني فيقول: إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة في الوضوح الدلالة عليه. ونجد أن هذين التعريفين متشابهان. (2)
والفصاحة: وهذا ما وصف به البيان بالفصاحة والظهور، فالفصاحة تكون خادمة الدلالة لأن بيان الشيء يكون بالكلام والعقل والإشارة مع أسماء الدلالة الأخرى بمعنى الظهور والقصد هو معنى النحو. (3)
1) أبو الهلال العسكري. دراسة البنية الدلالية لمعجم العربية. دار الهدى والتوزيع. ص11.
2) جاسم محمد عبد لعبود. ص54.
* لغة: اشتقاقه الطريق والاعتماد وإلام قصده وإليه يقصده وأقصد السهم أصاب فقتل مكانه ويقصد به أيضا مواصلة في الطريق وهو يشترك مع أسماء الدلالة الأخرى بمعنى الظهور والقصد.
* اصطلاحا: القصد معنى خاص بالفرد لكنه تحوّل إلى معنى عام يخصّ علم الدلالة ويعرّفه المحدثون اتجاه الذهن نحو موضوع معيّن وإدراكه مباشرة يسمى القصد الأول وتفكيره في هذا الإدراك يسمى القصد الثاني. (1)
- يتبيّن مما سبق أن المراد بالدلالة موضوع الحكم والنقد أمّا المعنى هو محطة في محور الدلالة لأن الدلالة متغيّرة مرتبطة بكل مؤوّل حسب مقاصده ومقصديه.
لهذا فإن أغلب هذه التسميات هي للمعنى وكان أكثرها يختص بالدال والمدلول وهما من أركان الدلالة.
وبهذا فإن مضمون الكلام بأن الدلالة هي العلاقة المتبادلة بين اللفظ والمضمون والمعنى خفيٌّ يدرك بالقلب أو العقل وأنه الشيء غير اللفظ.
1) جاسم محمد عبد العبّود. ص56.
قضية علم الدلالة شغلت أذهان أهل العلم والمعرفة قديما ويعود ذلك إلى قرون عديدة قبل الميلاد وخاصة عند فلاسفة اليونان الذين أدهشتهم اللغة فذهبوا يغوصون في أسرارها ويعجبون بها وإن اختلفت آراؤهم.
ولهذا سنحاول أن نقدّم نبذة تاريخية عن هذا العلم مستعينين بذلك مما سبق من محاولات وجهود للتعرّف كيف نشأ هذا العلم وتطوّر وأصبح علما قائما بذاته.
تعرّض فلاسفة اليونان في القديم في بحوثهم ومناقشاتهم لموضوعات تعدّ من صميم الدلالة، أي أن الدراسة الدلالية قديمة في التفكير الإنساني.
وقد تكلم أرسطو مثلا عن الفرق بين الصوت والمعنى وذكر التطابق بين المعنى والتصور الموجود في العقل للمفكر وميّز بين ثلاثة أمور:
1- الأشياء في العالم الخارجي.
3- الأصوات : الرموز أو الكلمات.
يعتبر موضوع العلاقة بين اللفظ ومدلوله من القضايا التي تعرّض لها أفلاطون في محاوراته عن أستاذه سقراط، وكان اتجاهه نحو الطبيعة الذاتية للعلاقة لأنها واضحة وسهلة.
أمّا أرسطو تزعّم فريقا آخر يرى أن الصلة بين اللفظ والدلالة لا تكون إلا صلة اصطلاحية. (2)
1) إبراهيم أنس، دلالة الألفاظ، مكتبة الأنجلو مصرية، ط2، 1963، ص62.
إذْ أنهم لم يكونوا أقل اهتماما بمباحث الدلالة من اليونانيين فقد عالجوا منذ وقت مبكر جدا كثيرا من المباحث التي ترتبط بفهم طبيعة المفردات والجمل ومن أهم هذه الموضوعات هي:
1- نشأة اللغة: تعتبر من المشكلات التي لفتت أنظار علماء الدلالة الهنود وقد اختلفت الآراء بين اعتبار اللغة القديمة هبة إلهية ليست من صنع البشر وآخرون اعتبروا اللغة اختراع الناس ونتاج نشاطه الفكري. (1)
2- العلاقة بين اللغة والمبنى: جذب هذا الموضوع اهتمام الهنود قبل اليونانيين فمنهم من رفض فكرة التباين بين اللفظ والمعنى ولا يمكن الفصل بينهما، وهناك من صرّح بأن العلاقة بين اللفظ ومعناه علاقة فطرية وطبيعية، ومنهم من قال بوجود علاقة ضرورية بين اللفظ والمعنى شبيهة بالعلاقة اللزومية بين النار والدخان.
3- أنواع الدلالات للكلمة: درس الهنود أصنافا مختلفة للأشياء التي تشكل دلالات الكلمات وصرحوا أيضا بوجود أربعة أقسام وهي:
أ- قسم يدل على مدلول عام أو شامل (رجل).
ب- قسم يدل على الكيفية (طويل).
ت- قسم يدل على الحدث (جاء).
ث- قسم يدل على ذات (محمد).
4- مسائل متفرّقة: أشار الهنود إلى كثير من النقاط التي مازال يعترف بها علم اللغة الحديث. (3)
تعدّ الأعمال اللغوية عند العرب من أهمّ ما لفت اللغويين وأثارت اهتمامهم منها تسجيل الغريب في القرآن الكريم ومثل إنتاج المعاجم الموضوعية ومحاولة ابن فارس الرائدة في معجمه المقاييس ربط المعاني الجزئية للمادة بمعنى عام يجمعها، ومحاولة الزمخشري في معجمه أساس البلاغة في التفرقة بين المعاني الحقيقية والمعاني المجازية.
وتعتبر محاولة ابن جني من الجهود في ربط تقلبات المادة الممكنة بمعنى واحد. (1)
حصروا أهل العرب بأن الغرب هم من بادروا في نشأة هذا العلم متجاهلين بذلك بأن القرآن هو الذي يحتوي على ما يدفع اللبس من دلالة بعض المفردات والسياقات، كما نجد كذلك دراسات وإشارات كثيرة للمعنى في مؤلفات الفارابي وابن سينا وابن رشد وابن حزم واهتمام البلاغيين التي تمثلت في الحقيقة والمجاز وفي دراسات كثيرة من الأساليب كالأمر والنهي والاستفهام. (2)
نستخلص من كل ما قدمناه أن اهتمامات القدماء أثيرت قديما وقد أسس المحدثون أبحاثهم على ما بناه من قبلهم من العلماء وأصبح في سائر فروع علم اللغة.
ارتبطت الدلالة بالبلاغة قديما في الثقافة الفرنسية ولم تنفصل عنها إلا بعد تبلورها، ويرجع الكثير من الدارسين المعاصرين نشأة علم الدلالة الحديث إلى أواخر القرن 19 حيث ظهر مصطلح Sementics على يد العالم اللغوي الشهير ميشال بريال وهو صاحب أول دراسة علمية خاصة بالمعنى حديثا في كتابه بعنوان مقالة في السيمانتيك. (1)
هناك الكثير من الجهود التي بذلت في سبيل تطوير الدرس اللساني، من ذلك:
أ- أفكار ومساهمات سوسير اللسانية: اللغة في نظر دي سوسير عبارة عن مستودع من العلامات، والعلامة وحدة أساسية في عملية التواصل بين أفراد مجتمع معيّن، وتضم جانبين أساسيين هما:
الدال والمدلول ولها وجهتان:
1- ذهنية مجردة تتألف من تصور وصور سمعية.
2- حسية تتألف من شيء مقصود المدلول. (2)
ومن خلال تعريفه نستنتج أن العلامة اللغوية تختلف اختلافا جذريا عن المفهوم القديم الذي يزاوج بين الاسم والمسمّى.
اعتباطية العلامة اللغوية:
يرى العلاقة التي تربط بين الدال والمدلول اصطلاحية غير معللة أي اعتباطية ويقرّ بأنه ليس المبدع الأول لهذه النظرية. "إن مبدأ اعتباطية العلامة لا يرد ولا يدحض، ولكن غالبا ما يكون اكتشاف حقيقة ما أكثر سهولة ثم نوليه المكانة اللائقة به". (3)
2) أحمد محمد فنور، ص285 و259.
ظهرت في القرن العشرين الكثير من النظريات العامة التي تتطرق إلى التحليل اللغوي كالنظرية البنيوية ثم نظرية النحو التوليدي التي يتزعمها تشومسكي والتي أحدثت ثورة في الفكر اللغوي وعرّفها بأن "قواعد" اللغة وبأنها جهاز أو وسيلة لتوليد جميع الجمل النحوية الصحيحة في لغة معيّنة.
وقد ذهب إلى التمييز بين الكفاءة والأداء لهذا فإن اللساني تعتبر الكفاءة بالنسبة له موضوع الدراسة اللسانية، وإذا كان اللساني لا يمكنه أن يدرس اللغة إلا بفحص ما يقوله الفرد التي هي جزء من أدائه لا تكون إلا جزءا من الدليل على كفاءته ويكون تشومسكي قد جعل من اللسانيات شعبة من علم النفس المعرفي. (1)
ونلاحظ أن مجال الدلالة لم يقتصر على التصنيف الدلالي للمفردات المعجمية بل امتدّ إلى تصنيف الحقول الدلالية عن الأوزان الاشتقاقية وأجزاء الكلام والأدوات النحوية كلها تدل على ما تحمله الحقول الدلالية من أهمّية وعلى هذا الأساس اتخذنا جملة العناصر لتبيان علاقة هذه الدلالة بالحقول الدلالية ومجمل العلوم الأخرى.
1) التواتي بن تواتي، المدارس اللسانية في العصر الحديث ومناهجها في البحث، دار الوعي للنشر والتوزيع، دط، 2008، ص49 و50.
يعدّ مبحث الحقول الدلالية من المباحث التي لم تتبلور فيها نظرية دلالية جامعة رغم الجهود اللغوية لعلماء الدلالة، والتي أنتجت أراءً مختلفة حول أصول الحقول الدلالية.
وتعرف الحقول الدلالية Les champs sémentiques بأنها مجموعة من الكلمات التي ترتبط دلالتها ضمن مفهوم محدد من ذلك مثلا: حقل الكلمات التي تدلّ على الحيوانات وحقل الكلمات التي تدل على السكن أو التي تدل على الألوان، أو القرابة.. أو أي قطاع من المادة اللغوية يعبّر عن مجال معيّن من الخبرة والاختصاص. (1)
إنّ دراسة معنى الكلمة كما يذهب أصحاب هذه النظرية يجب أن يكون من خلال الكلمات المتصلة بها دلاليا، فمعنى الكلمة إذن هو محصّلة علاقاتها بالكلمات الأخرى داخل الحقل المعجمي كما يقول ليونز (Lyons) .
وهناك اتجاهات متعددة حول تصنيف المفاهيم الموجودة في اللغة، استند بعضها إلى افتراض وجود أطر مشتركة بين لغات البشر، إذ تتقاسم اللغات جميعا عددا من التصورات التي يصحّ أن تدعى "مفاهيم عالمية" مثل حي وغير حي، وحسّي ومعنوي وبشري وغير بشري... (2)
1) أحمد محمد قدور، مبادئ في اللسانيات العامة، ص273.
وقد اقترح hallig و Varburg تصنيفا يقوم على ثلاثة أقسام هي:
وهو تصنيف عام يصلح لكل اللغات غير أن أهم تصنيف في هذا الصدد ما يقوم على الأقسام التالية:(1)
وتجدر الإشارة إلى أنّ أصحاب نظرية الحقول الدلالية يهتمون ببيان أنواع العلاقات الدلالية داخل كل حقل من الحقول المدروسة، وقد انتهوا إلى أن هذه العلاقات يمكن أن تحصر في الأنواع التالية: (2)
وليس من الضروري أن يتضمن كل حقل جميع هذه الأنواع، إذ يحوي بعض الحقول كثيرا من العلاقات، على حين أنّ حقولا أخرى لا تحوي منها إلا القليل، وسنمرّ بتحليل عام لهذه الأنواع تحت عنوان "الحقول الدلالية" في فقرة مستقلة من هذا الفصل.
ويلاحظ أنّ مجال هذه النظرية لم يقتصر على التصنيف الدلالي للمفردات المعجمية، بل امتدّ إلى تصنيف الأوزان الاشتقاقية ولأجزاء الكلام والأدوات النحوية وغير ذلك. (3)
2) نفس المرجع السابق، ص273.
3) العلاقات الدلالية: مصطلح حديث يدلّ على العلاقات بين الكلمات من نواح متعددة كالترادف والاشتراك والتضاد ونحو ذلك، وقد تولد هذا المصطلح من دراسة الحقول الدلالية، إذ تبيّن أن معنى الكلمة لا يتضح إلا من خلال علاقتها مع الكلمات الأخرى ضمن الحقل الذي تنتمي إليه. المرجع نفسه، ص271.
تعريف الحقل الدلالي لغة واصطلاحا:
الحقل فواح طيب، وقيل طيب يزرع فيه وهو الموضع البكر الذي لم يزرع فيه قط، وقيل: هو إذا ظهر ورقه واحصدّ وحقل الفرس حقلا: أصابه وجع في بطنه من أكل التراب وهي الحقلة والحقل داء يكون في البطن والحقل والحقال والحقبلة: ماء الرطب في الأمعاء والجمع حقائل. (1)
هو مجموعة من الكلمات ترابطت دلالتها، وتوضع عادة تحت لفظ عام يجمعها فمعنى الكلمة يفهم من خلال مجموعة الكلمات المتصلة بدلالتها، ولهذا ندرس العلاقة بين المفردات داخل الحقل أو الموضوع الفرعي، ولهذا يعدّ معنىً، الكلمة محصّلة علاقتها بالكلمات الأخرى داخل الحقل المعجمي. (2)
1) ابن منظور، لسان العرب، دار صار، بيروت، مادة (ح.ق.ل).
2) محمود عكاشة، الدلالة اللفظية، مكتبة الأنجلو مصرية، 2002، ص98.
ويمكن تصنيف الحقول الدلالية كالآتي:
أ- الحقل الدلالي العام: الإنسان، النبات، الحيوان، الماديات.
ب- الحقل الدلالي الجزئي: مثل علاقات الإنسان، حلفة وخلفة.
ت- الحقل الدلالي الفردي: وهذا الأخير يتفرّع عن الحقل الدلالي الجزئي. (1)
5-3- الحقول الدلالية عند علماء العرب القدامى:
لم يظهر عند العرب شاهد لغوي ذو قيمة مثل الإسلام إذ أغلب العلوم اللغوية جادت خدمة للنص القرآني الذي يرجع إليه الفضل في إثارة الكثير من المسائل التي اعتنت بالدراسات اللغوية على اختلاف فروعها وقد ركّز القدماء على دلالة اللفظة المفردة دون النظر إلى السياق الذي ترد فيه، فهم بحثوا في دلالة الألفاظ من حيث الاشتراك والترادف والتضاد والمعنى وأيهما يشكل مقياسا للفصاحة، وبالتالي ظهر صراع بين من ينتصر للمعنى ومن يؤيد اللفظ والمعنى والعلاقة بينهما فحسن المعنى يكون بحسن اختيار الألفاظ ولا يكون المعنى جيّدا إلا إذا اخترنا له أحكمت صياغتها.
وحذا حذو الجاحظ "أبو هلال العسكري (ت 395 هـ) بل كان أشدّ تعبا للفظ حتى جعله الأدب كلّه. (2)
1) علي دريس: الألفاظ الدالة على الأدوار هي مخصص، لابن سيبة، رسالة ماجستير بجامعة باجي مختار عنابة، ص47:48.
5-4- نظريّة الحقول الدلالية عند الغربيين:
لقد تطوّرت نظرية الحقول الدلالية في العشرينات من هذا القرن، خاصة بعدما فرّق فردي ناندي سوسير بين الدراسات التاريخية والتعاقبية (الزمانية). والدراسات الوضعية التي أولاها أهمية كبرى كما بدأ عدد من الدارسين الألمان والفرنسيين وغيرهم بدراسة أنماط من الحقول الدلالية فدرسوا الألفاظ الفكرية في اللغة الألمانية. وغير ذلك وقد قادته هذه الدراسات إلى التفكير في تأليف معجم يضمّ جميع الحقول الموجودة في اللغة.
وقد اشتمل مصطلح الحقول الدلالية لأول مرّة 1924 عند اللساني الألماني "إيبسن" الذي حاول أن يصنف مجموعته من الكلمات التي تشكل معا معنى موحدا، وهي الكلمات التي تتصل بالأنغام وترتيبها في اللغات الهندو أوروبية. (1)
ومن المحاولات التي جاءت بعد "طيبس" نذكر "يوليس" و"جولز" و"بورستاج"، سيجر 1734 .
وتبقى محاولات "تريري 1936" أهم محاولة في هذا المجال حيث ابتكر مصطلح الحقل اللغوي، ونجح في استخراج دلالات الكلمات الألمانية الفكرية.
1) كريم زكي حسام الدين، التحليل الأدبي إجراءاته ومناهجه، ص 132.
ولقد حدد العلماء لهذه النظرية مجموعة من الأسس ينبغي أن تراعى بإطار هذه النظرية وهي:
أ- لا وحدة معجميّة lexem ، عضو في أكثر من حقل.
ب- لا وحدة معجميّة تنتمي إلى حقل معيّن.
ت- لا يصحّ إغفال السياق الذي ترد فيه الكلمة.
ث- استجابة دراية المفردات مستقلة في تركيبها النحوي. (1) ولدراسة معاني الكلمات ودلالتها وبصورة متدرجة يمكن اتباع الخطوات التالية:
· تحليل كلمات كل حقل وبيان العلاقات بين معانيها المتعددة.
· تحليل كلمات المشترك اللفظي إلى مكوناتها أو معانيها المتعددة.
· تحليل المعنى الواحد إلى عناصره التكوينية المميزة. (2)
فيبدو أن هذه النظرية تقوم بتحليل المعنى إلى مكونات صغرى، ملقية الضوء على المكونات الدلالية باعتبارها مكونات تفسيرية.
يقسّم "أولمن" الحقول إلى ثلاثة أنواع، هي:
6-1- الحقول المحسوسة المتصلة:
ويمثلها نظام الألوان في اللغات فمجموعة الألوان امتداد متصل يمكن تقسيمه بطرق مختلفة وتختلف اللغات فعلا في هذا التقسيم.
6-2- الحقول المحسوسة ذات العناصر المنفصلة:
ويمثلها نظام العلاقات الأسرية فهو يحوي عناصر تنفصل واقعا في العالم غير اللغوي، وهذه الحقول كسابقتها يمكن أن تصنف بطرق متنوعة بمعايير مختلفة.
وتمثلها ألفاظ الخصائص الفكرية، وهذا النوع من الحقول يعدّ أهم من الحقلين المحسوسين نظرا لأهميته الأساسية للغة في تشكيل التصورات التجريدية.
وكما يعتمد « Trier » الحقول اللغوية ليست منفصلة ولكنها منظمة معا لتشكل بدورها حقلا أكبر وهكذا حتى تحصل المفردات كلها، ومن الممكن تبعا لهذا أن نخصص حقلا للحرف أو المهن، وحقلا للرياضة، وحقلا للتعلّم، ثم نجمع كل هذه الحقول تحت حقل واحد يشملها جميعا هو النشاطات الإنسانية. (1)
1) أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ص106.
7- أهم الظواهر التي تدرس العلاقات الدلالية نذكر:
حيث يمكننا تعريف هذه الظواهر اللغوية على النحو الآتي:
7-1- الترادف:
إن الترادف معروف في كل اللغات، ولكنه في اللغة العربية أكثر منه في غيرها، لذلك عدّه بعض علماء العربية من أبرز خصائصها، ولو أردنا تعريفا للترادف عند القدامى والمحدثين لوجدناه كالآتي:
قال الإمام فخر الدين الرازي: "هو الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتباره واحدا". (1)
7-2- المشترك اللفظي:
ولقد عرّفه بن فارس بقوله: "هو تسمية الأشياء الكثيرة باسم واحد كعين الماء، وعين المال، وعين السحاب". (2)
ويعرّفه السيوطي نقلا عن الأصوليين بقوله: "بأنه اللفظ الواحد الدال على معنيين مختلفين فأكثر دلالة على السواء". (3)
أما عند المحدثين: اتحدت صورة لفظه واختلف معناه، أو هو أن تتحد المعاني للفظ الواحد، وهذه أمثلة عن المشترك اللفظي. (4)
1) السيوطي: المزهر، شرح وتحليل وضبط محمد جاد المولى، أبو الفضل إبراهيم علي البجاوي، ص25، ط3، دار التراث 2003.
2) رجب عبد الجواد إبراهيم: دراسات في الدلالة والمعجم، ص34، دار غريب للنشر والطباعة، القاهرة، 2005.
3) ابن فارس: الصحابي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامهما، تحقيق مصطفى الأشموني، ملتزم بالطبع والنشر، ص96، ط4، دار بيروت للنشر.
4) السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، ص369.
7-3- التضاد:
هو وجود لفظين يختلفان نطقا،ويتضادان معنى، مثل: قصير ضد طويل، وهو نوعان: متدرج وحاد. (1)
أ- الحاد: فمثل كلمة "ميت" و "حب"، متزوّج وأعزب، فهذه المتضادات تقسم عالم الكلام بحسم دون الاعتراف لدرجات أقل أو أكثر.
ب- المتدرّج: وهو الذي لا يمكن أن يقع بين نهايتين لمعيار متدرج أو بين أزواج من المتضادات الداخلية. (2)
مثل "التبع" و"النو" حيث أن التبع يرادف الملك من الملوك وأما النو فهو أقل مرتبة من ذلك.
الشوارع والأزقة، حيث أن الأول يتسم بالاتساع أمّا الثاني فيتسم بالضيق.
الدينار والدرهم، الدينار يتخذ من الذهب والثاني يتخذ من الفضة.
المتطوعة والمرتزقة، المتطوعة يذهبون للحرب دون انتظار أجر، أما المرتزقة فهم قوم يذهبون للحرب من أجل مكسب أو مبلغ من المال.
السّفن والزوارق، فالسفن تتسم بالضخامة والاتساع بينما تتسم الزوارق بالصغر والضيق.
ومن هنا فالتضاد متدرّج لأنه يمكن أن يوضع بينهما في منطقة وسط لفظة مثل: القارب، المركب، السفينة المتوسطة الحجم. (3)
1) رجب عبد الجواد: دراسات في الدلالة والمعجم، ص21.
2) أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ص12.
7-4- الاشتمال والخصوص (العموم والخصوص):
* الاشتمال: هو من العلاقات الدلالية الأساسية في بنية المفردات، فالاشتمال والعموم يتعلق بعلاقة تضمن معنى جزئيا محددا ضمن العامة التي تجمع المجال كله لعموم معناها، مثلا هناك علاقة تضمن بين دعا – قال، حيث أن الدعاء يتضمن معنى القول: قال، اللفظ الأعم، دعا: اللفظ الفرعي. (1)
* علاقة التخصيص: وهو أيضا من العلاقات الدلالية الأساسية في بنية المفردات.
ومثال ذلك علاقة اليد بالجسم، وهذه علاقة نسبية، فاليد جزء والجسم كل، بالنسبة لليد، بينما الإصبع جزء من اليد واليد كل بالنسبة للإصبع. (2)
وما يهمّنا هنا هو أنّ نظرية الحقول الدلالية تُعدّ أهمّ طريق اعتمده الدارسون سواء أكانوا من اللغويين أو من غير اللغويين، ممن وجدوا فيها وسيلة للكشف عن أبنية عقلية، تشترك فيها الثقافات الإنسانية لا يمكن الكشف عنها وفهمها إلا عن طريق اللغة، في تصنيف الكلمات من أوجه نجاحها أنها سيطرت على البحث اللغوي الألماني في العشرينات والثلاثينات والتأثير في أداء التركيبين الأمريكيين من أتباع بلوم فيلد الذين تجاهلوا دراسة المعجم لأنهم في نظرهم يعالج مفردات تصنف بأنها غير تركيبية على الأقل يبدو التسبب في تركيبها.
1) أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ص99.
2) محمد محمد داود: العربية وعلم اللغة الحديث، ص196، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة 2001.
أمثلة عن العلاقات الدلالية
الذلة = المهانة = الاستعباد
الجبان = الهيوب = المتردد
المجموع = الأفراد = الناس
الاتحاد = تعاون = التضامن
الموجودات: (حي، ميت، متحرك، ساكن).
الأمية: (الكتابة، القراءة، التعلم، المرض، نقيصة، رذيلة، الشلل، زمانة).
الإنسان: (جسم، عين، عضو، عقل، بصر، النفس، نطق).
الله: (الكمال، موجودات، الحب، الفناء، حكيم).
الطبيعة: (الجبال، الثمار، حيوانات).
حيوانات: (أغنام، طائر، جراد، دود، جرثومة، الثور).
أوراق: (صحائف من المقوى، جمل، أرقام حسابية).
الداء: (الأوبئة، الطواعين، أضرار، أمراض).
الجهل: (السقوط، الذلة، المهانة).
الحرب: (معركة، فناء، سلاح، أضرار، مقاومة، محاربة، مكافحة، الاستعباد، العدم، الذل، المهانة، مفسدة، مضرة).
السنة: (الشهر، الساعة، الليل، يوم).
الصناعة: (السيارات، حرقة).
عين الإنسان والحيوان
عين الحنفية
بمعنى الحسد
الشيء النفيس (الذهب) مثال: زكاة العيد
حرف العين: أحد حروف الهجاء
الشريف في قومه وجمعه أعيان القوم
بمعنى المصدر مثال: اشرب من العين (مصدر)
المكتوب
القضاء والقدر
القرآن الكريم
الدين
[ التعريف كما يقول ابن جنّي "حد اللغة أصوات يعبّر بها كل قوم عن أغراضهم"
العقوبة الشرعية
وجه الإنسان
وجه الشيء كنهه والمراد منه
عضو من أعضاء الإنسان
هي الإنسان (مجاز بالتعبير عن الكل بالجزء)
العون والمساعدة والكرم
7-5- أهمية نظرية الحقول الدلالية:
لهذه النظرية أهمية كبرى تتمثل فيما يأتي:
1- الكشف عن العلاقات وأوجه الشبه والخلاف بين الكلمات التي تنطوي تحت حقل معيّن وبينها وبين المصطلح العام الذي يجمعها، وإذا كان أقصى ما يحققه معجم تقليدي هو أن يصنف الكلمات في ترتيب هجائي، ويسرد كل معاني الكلمة ويقوم بتحدي المعاني الأساسية والمعاني الفرعية فإن معجم المفاهيم يعالج "المجموعات المترابطة من الكلمات التي تنتمي إلى مجال معيّن فمثلا كلمة "كوب" يمكن دراستها مع كلمات مثل: فنجان، كوز، زهرة، كأس، إبريق، باعتبارها كلمات الملامح داخل المجموعات وهو ما يعجز عنه المعجم التقليدي. (1)
2- إنّ تجميع الكلمات داخل الحقل الدلالي وتوزيعها يكشف عن الفجوات المعجمية التي توحد داخل الحقل، أي عدم وجود الكلمات المطلوبة لشرح فكرة في الإنجليزية تتعلق بموت النبات في مقابل كلمة corpse بالنسبة للإنسان وكلمة carcass بالنسبة للحيوان وكلمة must ليس لها ماض في اللغة الإنجليزية وتملأ هذه الفجوة باستخدام hard to مثلا.
1) أحمد مختار عمر: علم الدلالة، ص14.
يتضح لنا أنّ نظرية الحقول الدلالية تقوم على ما يسمّى عند اللغويين المحدثين بالحقل الدلالي وهي من أهم نظريات البحث اللغوي الحديث، طوّرها عدد من الباحثين في ألمانيا وأمريكا كما تقوم أيضا على مبدأ التقابل فلو كان الكون كله بلون واحد لما كنّا في حاجة إلى كلمات للألوان ووجود كلمات مختلفة في مجال دلالي واحد يفرض علينا بحث دلالة كل كلمة مختلفة في مجال دلالي واحد يفرض علينا في بحث دلالة كل كلمة أن نحدد العلاقات الدلالية التي تربطها بالكلمات الأخرى داخل المجموعة الدلالية نفسها فالكلمة لا تتخذ قيمتها الدلالية في نفسها ولكنها تتخذ بالنسبة إلى موقعها الدلالي.