.ما تعلّمته من ماري أنطوانيت
لا تدري امرأة وهي تُزفّ إلى حاكمٍ أين هو ماضٍ بها القدر ، فهي لم تعقد قرانها على رجل . . بل على التاريخ .
دوماً استوقفتني نهايات ملكات وامبراطورات أوروبا ، في أقدارهن الإنسانيّة الهشّة .جوزفين الغيورة والخائنة ، التي صنعت سعادة نابليون ومن ثمّ مأساته ، فحين تخلّى عنها وشفي من ولعه بها ، خسر امبراطوريّته وانت...هى منفياًّ في جزيرة . .وانتهت هي بائسة .
" سيسي " الإمبراطورة الجميلة والبريئة ، ذات الشعر الطويل الذي يبلغ قدميها ، والعمر القصير الذي توقّف في عمليّة اغتيال ، والتي عاشت غريبة في قصور فيّينا ولم تُصادق إلا الأشجار .
لكن التاريخ الذي مجّد " سيسي " وبراءتها الأولى ، وتغزّل في أكثر من فيلم سينمائي بتلك الصبيّة التي عبرت الحياة كفراشة الحقول ، غير معنيّة بأبّهة القصور ، ولا بالبروتوكول ، تعامل مع ماري أنطوانيت بالضغينة نفسها التي حملها لها الفرنسيون ، يوم شاء لها القدر أن تغادر فيينا وهي في الخامسة عشرة من العمر ، لتُزفّ إلى لويز السادس عشر ملك فرنسا ، الذي كان يعاني من عجز جنسيّ . سبعة سنوات وهي تنتظر في سرير جلالته ، قبل أن تهب فرنسا أخيراً ولي عهد . فكيف لا تُغذِّي بمأساتها الأقاويل والروايات . حتى أنها أُجبرت على وضع مولودها بشهادة نساء ورجال القصر ، الذين غصت بهم غرفتها حتى كادت تختنق.ربما كانت أكثر النهايات ظلماً ، نهاية ماري أنطوانيت . قبل أن يُقطع رأسها ، كان الفرنسيون قد اغتالوها بالإشاعات .
.فمعها وُلدت ظاهرة الإشاعات المكتوبة ، وقبل زمن الأنترنت ، كانت رسائلها إلى عشيقها " لوكونت دوفرسان " تتناقل بين الناس في منشورات شعبيّة . وحتى الرواية الشهيرة التي نُقلت عنها ، حين نصحت الفقراء أن يأكلوا كاتو إن لم يجدوا خبزاً ، تُكذّبها رواية أخرى ، تجزم أن قولها قد تمّ تحريفه قصد المطالبة برأسها وليمة ً للجياع ، وأنّها في الواقع ، قالت لخادمتها " ليأكلوا قحاطة الطنجرة " فقد كانت هي نفسها تحبّ الطعام المحروق الذي يبقى في قعر الطناجر .
يحدث أن أتذكّر ماري أنطوانيت ، كلّما احتفظت لنفسي بذلك الجزء من الرز المطبوخ حدّ الإحتراق ، لكن لم يحدث أن تذكّرتها وأنا أتناول قطعة كاتو .أذكر أيضا يُتمَ حذائها الذي عثروا على فردة منه وقعت منها وهي تصعد إلى المقصلة ، فبيع دون حياء في المزاد العلنيّ . لكن لا أحد احتفظ بالثوب الذي شنقت فيه . وكانت يومها قد ارتدت ثوباً أسود ، لكن إمعاناً في إذلالها طلبوا منها أن تغيّره ، ربما ليسعدوا برؤية دمها عليه .فارتدت ثوباً أبيضاً .
من ماري أنطوانيت تعلّمت أن الأبيض هو الوجه الآخر للأسود . لكن لا أظنها كانت تدري أنها كانت منذورةً للّونين . فقبل ذهابها إلى المقصلة فقط تذكّرت تلك الوصيّة التي كتبتها لها أمّها على ورقة ، يوم غادرت النمسا لتلتحق بلويس السادس عشر " إنني أأمرك يا ابنتي الحبيبة بأن تُخصّصي يومين كلّ سنة لتستعدّي فيهما للموت .. كما لو أنك واثقة تماماً أنهما آخر يومين في حياتك " . قالت مُتحسّرة لخادمتها وهي تغادر القصر حليقة الرأس " لم أفعل ذلك . .كنت أعتقد لصغر سنّي أنني لن أموت يوماً " !
كم من أناسٍ حولنا أقنعتهم نِعم الشباب أو الجاه أو السلطة أنهم لن يموتوا يوماً !
احلام مستغانمى..ما تعلّمته من ماري أنطوانيت .