بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
العـزة المطلقـة لله
(تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ)
تنزيل منصوبة على المفعولية ( عامل نصبها من مادة مدح )
أي : إن القرآن الذي أنزل إنما أنزله إله عزيز وحكيم ، لقد ورد هنا اسمان من الأسماء الحسنى :
1) العزيز من العزة ، بمعنى الغلبة من الغالبية والقاهرية ، الله الغالب على الكل .
2) والرحيم من الرحمة والرأفة .
والتفسير المناسب هو : لتعلموا أن إلهكم ليس لدية أي شكل من أشكال الحاجة إليكم وإلى عباداتكم وهدايتكم على الإطلاق .
(( لو أن الكائنات بأجمعها كفرت ، لما مس ذلك حاشية كبريائه ))
العزيز المطلق هو الله ، فلا وجود للحاجة في هذا المحضر على الإطلاق ، فلو آمن الجميع وأطاعوا ، لما أضافوا شيئاً إلى ملكة ، ولو كفر الجميع وعصوا ، لما أنقصوا شيئاً من ملكه ، وكل ما يدعو إليه عز وجل إنما هو من باب رحمته ، لأنه لطيف بعبده ولأنه رحيم بهم ، فقد أنزل لهم القرآن برحمته ورأفته كي يجنبهم الهلكة ، وكي لا يغفلوا عن سعادة أنفسكم .
وإلا فلو شاء أن يعاملهم باسم (العزيز) لكان مقتضى عزته عدم الاهتمام بهم ، ولكن ، لأنه رحيم ، لم يكلهم – وطبقاً لرحمته – إلى أنفسهم ، بل وهبهم توفيقه . هذا القرآن الحكيم المنزل هو تنزيل إله عزيز ورحيم أيضاً ، بعث برحمته محمداً (ص) " (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) سورة الأنبياء الآية : 107 “.
لقد ارسل الله تعالى رحمةً عامة باسم محمد (ص) لتشمل الجميع ، لكن البعض أبوا الاستفادة من هذه الرحمة ، فظلموا أنفسهم وأصيبوا بالحرمان .
لتنـذر بمـا لـم ينـذروا
( لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ)
اللام لام العلة (السبب)
أي : إن الله العزيز الحكيم أنزل القرآن لتنذر به هؤلاء الناس ، هؤلاء القوم ، أهل مكة وجزيرة العرب .
(( ما أنذر )) لها وجهان :
1) الوجه الأول أن تكون ((ما)) ما النافية لا الموصلة فيكون المعنى : ليتم إنذار هؤلاء الذين يتم إنذار آبائهم ، ( لعلها إشارة إلى زمان (الفترة) إذ إن الزمان الممتد من بعد عيسى بن مريم إلى عهد رسول الله (ص) يسمونه ( زمان الفترة ) حيث لم يبعث رسول خلاله ، طبعاً كان هناك نواب وأوصياء المسيح ولم تكن الأرض خالية من حجة إلا أنه لم يكن هناك من نبي مرسل يوحي إليه يأتي برسالة من قبل الله ، وذلك لفترة تقرب من ستمئة عام ) ، فأرسلناك لتنذرهم إذ لم ينذر أباؤهم في زمان (الفترة) .
2) الوجه الثاني أن تكون ((ما)) موصلة ويكون المقصود الآباء ما قبل عيسى ، ويكون المعنى : لتنذرهم بما أنذر به آباؤهم ، آباؤهم البعيدون وأجدادهم السابقون الذين أنذرهم السلف من الرسل .
التبشير والترهيب ، نهج الأنبياء محل الكلام ، جملة ((لينذر)) لقد ذكر الله تعالى تكراراً في القرآن المجيد الغاية من بعثه الأنبياء ، خصوصاً خاتمهم ، والغاية من نبوة وبعثه الأنبياء يتضمنها قوله تعالى (رسلاً مبشرين منذرين) و (بشيراً ونذيراً ) ، أي : إن الانبياء كانوا مبشرين ومنذرين ، يبشرون من جانب الله ، أهل الإيمان والتقوى والعمل الصالح ، وكل إنسان أطاع الله – بالسعادة الأبدية ، والنعم الإلهية .
لقد جاء محمد (ص) ليبشر كل مؤمن يعمل الأعمال الصالحة أن أجراً عظيماً في انتظاره (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا) "سورة الكهف الآية : 2 "
بشراك إذ تهبط عليك الملائكة وقت الاحتضار فتبشرك ألا تخاف ولا تخزن ..
بشراك بالجنة التي وعدت بها ..
(تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) " سورة فصلت الآية : 30 "
إن ملك الموت أرأف بك من أمك ، فأبشر أيها الصائم بالمغفرة الإلهية ولك الفرحة . والفرحة عند اللإفطار فرحتان : هي أولاً لذة روحية ، فلو أن إنساناً أفطر وهو حاضر القلب لاستشعر بنفسه اللذة الروحية ، والثانية عند الله أثناء حضور الموت
((للصائم فرحتان : فرحة عند الإفطار ، وفرحة عند لقاء الله)) (سفينة البحار /م / : 2 / ص : 64 )
لقد أطعت أمر الله فامتنعت عن الطعام والشراب (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) (الحاقة / 24 ) ، وإن إلهك لشكور ، وهو لا يغض طرفاً عن أصغر عمل تعلمه
بشارة أخرى أقدمها للشباب الأعزاء :
كل من وقعت عينه على امرأةٍ أجنبية فلم يعاود النظر إليها ، بل رفع رأسه أو خفضه ، فإن الله يمنحه على الفور شيئين : يذوق أولاً (( برد الإيمان )) أي إنه يحس اللذة الروحية لعلمه ، والثاني الفرح ساعة الموت ، إذ تصحبه إحدى الحور العين في القبر والبرزخ ، إنها نفسها تلك الحورية وقد ادخرت له ذلك اليوم .
((من نظر إلى مرأة فرفع بصره إلى السماء أو أغمض عينه ، لم ترتد إليه بصره حتى يزوجه الله من الحور العين ويعقبه الله إيماناً يجد طعمه)) ( مرآة الكمال / المامقاني )
و جاء محمد (ص) نذيراً ..
فحذار يا تارك الصلاة ، لأن ملك الموت سيكون عدوك عند الاحتضار ، وتموت على غير الإيمان ، فأنت والكافر سيان ، وخمسة عشر بلاءً في انتظارك .
وحذار يا آكل الربا ، فسترد المحشر ببطن ملأى بالنار .
وحذار يا آكل مال اليتيم فأنت إنما تأكل ناراً ، أنت لا تحس طعم النار التي تأكلها الآن ، غير أن طعهمها الحقيقي سيتضح لك بعد الموت (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا )( سورة النساء الآية : 10 )
حذار أيها الظالم ، فالحقوق التي هضمتها ستسترد منك ذرة إثر ذرة ، فإن كان لديك حسنات أخذت منك وأعطيت للمظلوم ، وإن لم يكن لديك حسنات ، أخذوا من ذنوب المظلوم وأضافوها إلى أوزارك ، وزاد بها وبالك ، حتى يظهر العدل الإلهي .
شمولية مقام الإنذار لرسول الله
الرسول (ص) لا ينذر العرب فحسب ، فهو (ص) نذير للناس كافة إلى قيام يوم الدين ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ) ( سورة سبأ الآية : 28 ) ، وعليكم أن تبلغوا قمة الشوق لبشاراته وأن تخافوا إنذاراته .
معنى قبولك للإسلام ديناً هو : أن تدفعك بشارات محمد (ص) إلى العمل كما تدفعك إنذاراته إلى ترك الذنوب ، وإلا فمن يقول : ( الإسلام ديني ، القرآن كتابي )إنما يقول الكذب ! فاعرف موقعك ، وانظر هل أنت من أهل الإسلام حقاً ؟!
من بشارات رسول الإسلام القيام في السحر ، فقم قبل ربع ساعة أو قبل نصف ساعة من تناول السحور ، ولا تترك الركعات الإحدى عشرة لصلاة الليل ، لا تترك الاستغفار وقول العفو
( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ) ( سورة آل عمران الآية : 17) ، (وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ( سورة الذاريات الآية 18 )