[frame="1 10"]قال الحسين رضي الله عنه: فَسَأَلْتُ أبى – علياً رضي الله عنه – عَنْ مَخْرَجِهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ:[/frame]
{كَانَ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلا فِيمَا يَعْنِيهِ، وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلا يُنَفِّرُهُمْ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ الْقَوْمِ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيُحَذِّرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِي عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَلا خُلُقَهُ، وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ، مُعْتَدِلَ الأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ، لا يَغْفَلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفَلُوا أَوْ يَمِيلُوا، لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، وَلا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ وَلا يُجَاوِزُهُ، الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ، وَأَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُؤَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً}{1}
{كَانَ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلا فِيمَا يَعْنِيهِ} قال صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لا يَعْنِيهِ}{2}
لم يقل الإيمان، ولكن الدرجة الأولى وهي الإسلام، فالذي يريد أن ينال درجة الإسلام لا يتكلم في شيء لا يعنيه، ويعنيه: أي يهمه وينفعه في الدنيا أو الدين.
قال العلامة ابن رجب في شرح حديث: " إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ": معنى يعنيه أنه تتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية: شدة الإهتمام بالشيء يقال: عناه يعنيه، إذا اهتم به وطلبه، وليس المراد أنه يترك ما لا عناية له به بحكم الهوى وطلب النفس بل بحكم الشرع والإسلام، انتهى.
وعن أنس رضي الله عنه قال: تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَجُل: أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {أَوَلا تَدْرِي فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ فِيمَا لا يَعْنِيهِ، أَوْ بَخِلَ بِمَا لا يَنْقُصُهُ}{3}
والكلام الذي لا يعنيه هو الكلام الذي لا يختص به الإنسان، كأن يتدخل الإنسان بين اثنين يتكلمان في أمر يخصهم، إلا إذا طلبا ذلك، أو يتداخل مع جماعة يُسرُّون حديثاً، ليس لك شأن بهذا الأمر، لأن هذا ليس من أدب الإسلام، فالمسلم شأنه مشغول بربه، ولا ينشغل بخلق الله.
وكذلك لو كان هناك شأن لا أستطيع أن أَبْلغه أو أُدركه لماذا أتدخل فيه؟ ونحن نرى أن المجتمع في هذه الأيام مشغول كله بالسياسة والإنتخابات والأحزاب وغير ذلك، ما شأننا وهذه الأمور؟
إذا كونت لنفسك رأياً لا تُجبر عليه غيرك ولو كان ابنك، لكن ما نراه من اللدد والمجادلات، وفلان أفضل من فلان، ومميزات هذا أفضل، ولو سألت أحدأً عن مميزات صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعجز وما استطاع أن يتكلم بحرف واحد.
فلا شأن لنا بمثل هذه الأمور التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع، وكل كلمة سنتفوه بها سيحاسبنا عليها الله: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}ق18
وخير لك من ذلك أن تشغل نفسك بذكر الله ، بدلاً من هذه المهاترات والمتاهات والعداوات التي تحدث بسبب الجدال.
هذا هَدْى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان لا يتدخل إلا فيما يعنيه، وللأسف نجد الآن الكثير الذي يتدخل فيما لا يعنيه، ويرى أنه الخبير في كل الأمور فيتدخل فيها.
{وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلا يُنَفِّرُهُمْ} ويقول لنا صلى الله عليه وسلم: {الْمُؤْمِنُ إِلْفٌ مَأْلُوفٌ، وَلا خَيْرَ فِي مَنْ لا يُأْلَفُ}{4}
وفي رواية أخرى: {الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَيُؤْلَفُ، وَلا خَيْرَ فِيمَنْ لا يَأْلَفُ وَلا يُؤْلَفُ}{5}
علامة المؤمن أن يألف الناس، ويألفه الناس، يُحب الناس ويتكلم معهم، ويُحبه الناس وتتقرب منه، ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف، فالذي تبعد عنه الناس لا خير فيه، لكن الخير في الذي يُحبه الناس.
{وَيُكْرِمُ كَرِيمَ الْقَوْمِ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ} وهذا من كريم خلقه صلى الله عليه وسلم وذلك انه يكرم كريم القوم بما يناسبه من التكريم والحفاوة ويجعله واليا عليهم وأميرا مُدبّرا لأمورهم وهذا من تمام حسن نظره صلى الله عليه وسلم وحكمة تدبيره وتنظيمه واعطاءه المراتب حقها. وهذه صفة الإسلام، إكرام الكبير وتوقيره، والرحمة بالصغير والعناية به، قال صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ}{6}
عندما ضاعت هذه القيم في مجتمعنا حدث التسيب، لكن ليس هذا من الإسلام، لأن الإسلام عبارة عن قيم إجتماعية، وانظر إلى أدب العباس رضي الله عنه، قالوا له: أيكما أكبر أنت أم رسول صلى الله عليه وسلم؟ فقال رضي الله عنه: رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر مني ولكني وُلدت قبله أو قيل أسنُّ منه.
آداب غريبة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تسمع لحديثهم، أدب غريب وعجيب لا ينطق به إلا قلب مليء بحب الحبيب صلى الله عليه وسلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يُولِّي كريم القوم، لأنه ما دام أكرمهم فهو أعقلهم، وهو أعلمهم، وهو صاحب الشورى والرأي فيما بينهم، وهذا الكلام عاصرناه وكانت الأمور مستقرة بسبب هذه القيم.
{وَيحَذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِي عَن أَحَدٍ بِشْرَهُ ولاَ خُلُقَهُ} وهذا مما يدل على عظيم عقله وسعة فكره وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يحذر الناس الذين هم حديثوا عهد بالاسلام ولم يخبرهم ولم يجربهم في مهام الأمور ويحترس منهم ولكنه لا يطوى عنهم بشره وحسن مقابلته وطلاقة وجهه صلى الله عليه وسلم.
وكذلك يُحذر الناس من أهل الشر، لأن أهل الإيمان دائماً طيبين، وقد يضحك عليهم المنافقين وطلاب الدنيا، ويستغلون سذاجتهم وحبهم للدين ويَدخلون لهم من هذا الباب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {الْمُؤْمِنُ كَيِّسٌ فَطِنٌ حَذِرٌ}{7}
أي أن المؤمن عاقل ولبيب وحذر ولا يضحك عليه أحد
كان الإمام الحسين والإمام الحسن يتصدقان بالمائة ألف على الفقراء والمساكين، ويساوم أحدهم في السوق ويتجادل على الدرهم، فيقولون: يا ابن بنت رسول الله أنت تتصدق بالألوف وتساوم على هذا الدرهم؟ فيقول: حتى لا يُقال خدعنا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الدين يحتاج إلى الكياسة والحذر، والإنسان عندما يتَّقي الله يجد نوراً في فؤاده ينظر به، يقول فيه صلى الله عليه وسلم: {اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ}{8}
فيعرف مَنْ أمامه في لحن القول، أو في فلتات لسانه، أو في تقاطيع وجهه، أو في هيئته عند الكلام ... يعطيه الله نور كاشف يعرف به أن هذا الرجل غير صادق، وعندما يتتبع ذلك يجد أن قلبه لا يكذبه، وهذا شأن المؤمن في مثل هذه الأمور.
وكان صلى الله عليه وسلم لا يطوي عن أحد بِشره ولا خُلُقه حتى ولو كان من المنافقين ليتألفهم، جاء رجل من أجلاف العرب، وكان زعيم قبيلة كثيرة العدد، وكان مُطاع في قومه، حتى سموه الأحمق المُطاع، فاستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: {بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ، قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ: كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا عَائِشَةُ: مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ}{9}
النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن تدخل قبيلة هذا الرجل في الإسلام، وهذا الرجل قد يمنعهم من الدخول إلى الإسلام، فتألفه النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، وبعد أن يشرح الله صدورهم للإسلام سيتركونه ويتخلو عنه، وهذا كان من أدبه صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: {إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي بِإِقَامَةِ الْفَرَائِضِ}، ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً: {مُدَارَةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ}{10}
وهناك فرق بين المداراة وبين التزلف، فالمداراة تكون مع الذي أخاف من شره، أي أعامل إنساناً بالحسنى اتقاء شره، إن كان الشر منه، أو ممن وراءه، أو ممن حوله، لي أولمن حولي، أما التزلف فهو التودد إليه والتقرب إليه والتوسل إليه والتحبب إليه رغبة في نوال منفعة من وراءه، وهذا من النفاق، وهذه خصلة انتشرت في هذا الزمان.
{وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ} كان صلى الله عليه وسلم من هديه إذا لم يجد رجلاً من أصحابه في المسجد لمدة ثلاثة أيام يسأل عنه، فإن كان مريضاً عاده، وإن كان غائباً دعا له، وإن كان محتاجاً واساه، لا بد من التفقد. نحن تحاببنا في الله، فلا بد أن نتفقد بعضنا، والتفقد أصبح الآن سهلاً وميسوراً حتى ولو عن طريق الهاتف، ليس التفقد للمصلحة فقط، ولكن للإخوة الإيمانية.
فالتفقد من أخلاق الأنبياء، سيدنا سليمان عليه السلام يقول فيه الله: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ} النمل20
لأن الطيور كانت خاضعة له فكان يبحث عنها، نبي وحوله على البساط خمسمائة ألف من الإنس، وخمسمائة ألف من الجن غير الوحوش والطيور، ونظر فلم يجد هدهداً واحداً فقال: {مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ} النمل20
وهذا دليل على الذكاء الغريب والملاحظة الشديدة.
وهذا يحتم علينا جميعاً مهما كانت الأحمال عليك لا بد أن تتفقد أهل بيتك؛ أولادك وبناتك وزوجتك، فلا تتعلل بكثرة المشاغل، ولا تتحجج بأنك وفرت لهم كذا وكذا، لا بد أن تتفقد أحوالهم تارة ظاهراً، وتارة من خلفهم حتى تتحسس جلية أخبارهم، وتستطيع أن تربيهم على النهج القويم الذي علَّمنا إياه النبي الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم.
ومَن لا يستطيع أن يتفقد أهل بيته كيف يستطيع أن يتولى أمر أُمَّة؟ فالإنسان لا بد أن يتفقد كل مَن ولَّاه الله أمرهم، فلو أصبحت مديراً في مكان لا بد أن أتفقد كل هذا المكان، ومهما كانت ثقتي في أحد لا بد أن أتفقده، حتى يظل حريصاً.
{وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ} ليس عنهم ولكن عمَّا في الناس من الأحوال والأخبار، عن طعامهم، وعن أسواقهم، وعن مشاكلهم، حتى يقضي فيها برأيه.
{وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ} لا يوجد مجاملات، فالذي ضيَّع الناس في هذا الزمان المجاملات، يعرف أن هذا الأمر غير سديد ولا رشيد لكن يصفه لصاحبه أن هذا الأمر لا يساويه شيء من قريب ولا من بعيد، وهذا من النفاق الذي ضيَّع مجتمعنا.
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُعلِّمنا ذلك، كل ما علَّمه لنا حسن الكلام في النقد، فنبدأ أولاً بالمدح بما في الشيء من محاسن، ثم نذكر العيب، فلا بد من قول الحق: {قُلِ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا}{11}
قل الحق ولوكان على نفسك، وهذا نظام الإسلام.
{مُعْتَدِلَ الأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ} يمشي على الوسطية من غير اختلاف، أي أن جميع أفعاله صلى الله عليه وسلم وأقواله على غاية من الإعتدال محفوظ من أن يصدر عنه أمور متخالفة أو يعارض بعضها بعضاً وهذا دليل على كمال عقله واحكام أمره صلى الله عليه وسلم، فالوسطية فيها السلامة كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}البقرة143
{لا يَغْفَلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفَلُوا أَوْ يَمِيلُوا} لا يغفل عن ذكر الله، إذا زرنا أخاً لنا ونخوض في الدنيا ويخوض معنا، فمَن سيذكر الله منا بعد ذلك؟ لا أحد، ولذلك كان من وصايا شيخنا الشيخ محمد علي سلامة رضي الله: "إذا جالست أحداً فلا تتحدث معه في أموره الخاصة وأمور دنياه إلا لدقائق معدودة؛ ثم اهبطا أنت وهو إلى وادي الآخرة".
انظرا في آية من كتاب الله، أو حديث من أحاديث رسول الله، أو ذكر الله، أو الصلاة على رسول الله، فلا نضيع الوقت في الدنيا، ولكن نُدخل أنفسنا في الأمر الجامع الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل أَيُّ الأَصْحَابِ خَيْرٌ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: {صَاحِبٌ إِذَا ذَكَرْتَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعَانَكَ، وَإِذَا نَسِيتَهُ ذَكَّرَكَ}{12}
وكذلك لا يغفل صلى الله عليه وسلم عما فيه مصالح أتباعه من تذكيرهم وارشادهم ونصيحتهم وتعليمهم مخافة أن يغفلوا فيزلوا أو يميلوا إلى الراحة والكسل ويبطئوا عن العمل فهو صلى الله عليه وسلم يشد عزمه ويتعهدهم بالتذكير والنصح.
{لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ} وهذه قوة النبوة، وإعانة رب البرية عز وجل لحضرته صلى الله عليه وسلم، إذا رزقه الله ومن حوله همٌ وجَّههم إلى الدعاء، وإذا لاقوا مشقة وجَّههم إلى الصبر، وإذا لاقوا عدواً وجَّههم إلى الاستعانة بالله وبذكر الله، ثم الاعتماد على السلاح وعلى رباطة الجأش وقوة الإيمان في القلوب. إذاً لكل أمر عنده عتاد، إذا وجد قوماً أغناهم الله يوجِّههم إلى شكر الله، وإذا وجد قوماً تركوا العمل يوجِّههم إلى العمل.
{وَلا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ وَلا يُجَاوِزُهُ} هو الحق في قوله وفعله وعمله، إن كان مع نفسه، وإن كان مع أهله، وإن كان مع أمته، دائماً وأبداً هو الحق، وينطق بالحق، ويقول الحق، ويفصل بين الناس بالحق، ولا يتجاوز الحق قدر أنملة ولا طرفة عين أبد الآبدين. فهو صلى الله عليه وسلم على الحق المستقيم لا افراط ولا تفريط ولا تقصير عن الحق ولا مجاوزة للحق وذلك في جميع أموره وقضاياه.
{الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ} ينتقي الأخيار من الأصحاب، ويقول صلى الله عليه وسلم: {الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ}{13}
{وَأَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً} أفضلهم من هو دائماً ينصح الناس، ويُوجِّه الناس، ويُقوِّم الناس، لأن هذا هو الذي أرسله به رب الناس: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}آل عمران104
{وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُؤَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً} أعظمهم الذي يواسي إخوانه، يواسي الفقراء بالإنفاق، ويواسي المرضى بالزيارات والتخفيف، ويواسي أهل الأموات بالذهاب إليهم وتعزيتهم، ويواسي كل إنسان بما يليق به، لأنه دائماً يلتف بإخوانه، ويحاول أن يكون دائماً معهم على كل حال ويواسيهم ويعاونهم.
{1} سنن الترمذي والطبراني والبيهقي {2} سنن الترمذي والبيهقي {3} سنن الترمذي والبيهقي {4} مسند الشهاب عن جابر بن عبد الله {5} معجم الطبراني عن جابر بن عبد الله {6} الحاكم في المستدرك ومسند أحمد عن عبادة بن الصامت {7} مسند الشهاب عن أنس {8} سنن الترمذي والطبراني عن أبي سعيد الخدري {9} الصحيحين البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها {10} {إن الله} أمالي بن مردوية وأبي مطيع المصري عن عائشة رضي الله عنها، و{مدارة الناس} لابن حبان في صحيحه والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الإيمان عن جابرٍ {11} صحيح ابن حبان ومسند الشهاب عن أبي ذر {12} الإخوان لابن أبي الدنيا {13} مسند أحمد والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة
منقول من كتاب {الجمال المحمدى ظاهره وباطنه}