بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
يستفاد من بعض الروايات والآيات القرآنية بان هناك ذنوباً صغيرة تتبدل الى ذنوب كبيرة وتتلبس بأحكامها .
1 ـ الاصرار على الذنب الصغير:
إنّ ممارسة الذنب الصغير لعدة مرات يعد ذنباً كبيراً واذا لم يبادر المرتكب للذنب الى التوبة والاستغفار يحسب اصراراً على المعصية .
فمثلاً لو نسج الخيط مع الشعر لصار حبلاً قوياً فعندها لا يكون خيطاً ولا شعراً بل هو حبل قوي . ففي سورة آل عمران ( الآية 135 ) نقرأ :
" ولم يصرّوا على ما فعلوا وهم يعلمون"
قال الامام الباقر ( عليه السلام ) في شرح هذه الآية :
"الاصرار هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر الله فلا يحدث نفسه بتوبة ، فذلك الاصرار » (اصول الكافي ج 2 ص 288).
قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ):
« إياك والاصرار فأنه من أكبر الكبائر واعظم الجرائم »(غرر الحكم ج 1 ص 151).
"لا تغفلوا عن الذنوب الصغيرة".
قال الامام الصادق ( عليه السلام ):
ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نزل بأرضٍ قرعاء فقال لاصحابه : ائتوا بحطبٍ ، فقالوا : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب ، قال ( صلى الله عليه وسلم ) : فليأت كل إنسان بما قدر عليه ، فجاؤوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض ، فقال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : هكذا تجتمع الذنوب ، ثم قال : إياكم والمحقرات من الذنوب ، فان لكلّ شيء طالباً ألا وإن طالبها يكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمامٍ مبين » (اصول الكافي ج 2 ص 288) .
اشارة الى قوله تعالى في سورة يس الآية 12 :
"ونكتب ما قدموا" .
قال الامام الصادق (عليه السلام):
"لا صغيرة مع الاصرار".
2 ـ الاستهانة بالذنب:
الاستهانة بالذنب تعدّ من الذنوب الكبيرة، ولا يضاح الموضوع نضرب مثالاً :
اذا ضرب أحد غيره بحجرٍ كبير على رأسه ثم ندم على عمله واعتذر ، فمن الممكن ان يصفح عنه . ولكن اذا ضرب احد الآخر بحجرٍ صغير جداً ولم يعتذر منه زاعماً أنها هفوة طفيفة ولم تكن شيئاً مهماً ، فطبيعي أن لا يصفح عنه المضروب ، لانها نابعة من روحه المتبكرة واستهانته بذنبه .
قال الامام الحسن العسكري ( عليه السلام ):
"من الذنوب التي لا تغفر : ليتيني لم أواخذ الاّ بهذا» (بحار الانوار : ج 73 ، ص 355).
لان الذنب المشار اليه في الرواية قد استهين به .
قال الامام علي ( عليه السلام ):
"أشد الذنوب ما استهان به صاحبه" (نهج البلاغة الحكمة 348 غرر الحكم ج 1 ص 193 )
نقل زيد الشحام عن الامام الصادق ( عليه السلام ) انه قال :
« اتقوا المحقرات من الذنوب فانها لا تغفر » .
قلت : وما المحقرات ؟ قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« الرجل يذنب الذنب فيقول : طوبى لي لو لم يكن لي غير ذلك » (اصول الكافي ج 2 ص 287 ) .
4 ـ وجاء في الصحيفة السجادية عن الامام السجاد ( عليه السلام ) في ضمن الدعاء انه يقول :
"اللهم اعوذ بك من… الاصرار على المآثم واستصغار المعصية واستكبار الطاعة ومباهاة المكثرين والازراء بالمقلين وسوء الولاية لمن تحت ايدينا وترك الشكر لمن اصطنع العارفة عندنا … » (الدعاء الثامن من الصحيفة السجادية ) .
3 ـ الابتهاج عند ممارسة الذنب :
الاحساس باللذة والفرح عند اقتراف الذنب هو احد الاسباب التي تحول الذنب الى كبير ويوجب العذاب الاليم لصاحب الذنب . وفي هذا المورد توجد عدة روايات .
قال الامام علي ( عليه السلام ):
"شر الاشرار من تبهج بالشر» (الغرر ص 130)
وقال ايضاً :
"من تلذذ بمعاصي الله ذلّ" (غرر الحكم ج 1 ص 446).
قال الامام السجاد ( عليه السلام ):
« اياك وابتهاج الذنب فانه اعظم من ركوبه » (بحار الانوار ج 78 ص 159).
وقال الامام السجاد ( عليه السلام ) في حديث آخر :
« حلاوة المعصية يفسدها اليم العقوبة » (بحار الانوار ج 78 ص 159).
وله في حديث آخر :
« لا خير في لذة من بعدها النار » (بحار الانوار ج 78 ص 159).
وقال الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم):
« من أذنب ذنباً وهو ضاحك دخل النار وهو باك » (مشكاة الانوار ص 394 ـ وسائل الشيعه ج 11 ص 268).
4 ـ اقتراف الذنب عند الطغيان :
والسبب الاخر الذي يبدل الذنب الصغير الى كبير هو صدوره عن الطغيان والعصيان كما ورد في الآيات التالية من سورة النازعات الآية 37 الى 39 .
( وأمّا من طغى ـ وآثر الحياة الدّنيا فإنّ الجحيم هي المأوى ).
5 ـ الغرور عند ارخاء الستر الالهي للانسان المذنب وامهاله :
من الموارد التي تحول الذنب الصغير كبيراً هو ان المذنب يخالج تفكيره أن عدم مجازاة الله سبحانه وتعالى السريعة له تدل على رضى الله عنه وحبه له كما جاء في الآية 8 من سورة المجادلة :
( ويقولون في أنفسهم لولا يعذّبنا الله بما نقول حسبهم جهنّم يصلونها فبئس المصير).
فالوعيد بعذاب جهنم لهؤلاء الاشخاص دليل على ان ذنب هؤلاء المغرورين بعدم مجازاة الله السريعة لهم هي من الذنوب الكبيرة .
6 ـ التجاهر بالذنب :
إنّ اعلان الذنب والتجاهر به أمام الناس يبدل الذنب الصغير الى ذنبٍ كبير . وهذا التجاهر تعبير عن ان صفة التجرّو على الاوامر الالهية وعدم الالتزام بها هي صفة المذنبين ، ويعبّر ايضا عن تلوث المجتمع لكون الذنب فيه متفشياً وطبيعياً .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ):
« إياك والمجاهرة بالفجور فانه من اشد المآثم » (غرر الحكم ج 1 ص 151)
وقال الامام الرضا ( عليه السلام):
« المستتر بالحسنة يعدل سبعين حسنة ، والمذيع بالسيئة مخذولّ »(مشكاة الانوار : ص 394 ـ اصول الكافي ج 2 ص 428)
7 ـ ذنب الاشخاص ذوي المركز الاجتماعي المرموق :
هناك أشخاص لهم مكانة اجتماعية مرموقة بين الناس ، فما يقترفونه من الذنوب له حكمّ خاص يختلف تماماً عن عامة الناس لذا يحكم على ذنوبهم الصغيرة بكونها كبيرة لوجود بعدين .
1 ـ بعد فردي .
2 ـ بعد اجتماعي .
إنّ ذنب الاشخاص المتميزين المرموقين في البعد الاجتماعي يعد ذنباً كبيراً وان كان صغيراً لانه يوفر الارضية لانحراف واغواء جمعٍ كثيرٍ من الناس مما يؤدي الى الاستهانة بالدين .
كما يقولون : « الملح يرجى لإصلاح ما فسد فكيف الحال اذا الملح فسد ؟!! » ، ولنضرب المثال الآتي :
لو وضع شخص أمي ماءً قذراً في اناء واعطاه لآخر فشربه فاصابه المرض، في هذه الحالة لا يعاقب الأمي لأن الثاني كان عالماً فلماذا شرب الماء؟
ومثله اذا كان شخص يصنع «المرطبات» بالفستق وماء الورد والحليب ويقدمه الى المشتري بشكلٍ جميل وجذاب فاذا أكل أحدً من تلك «المرطبات» فتسمم عوقب ذلك البائع لجذبه المشترين
واغرائهم بلون المرطبات المعروضة وجهلهم بتسمّمها .
وعلى هذا المعيار تأتي المحاسبة الالهية للشخصيات المرموقة في المجتمع مختلفةً عن محاسبة الآخرين