صلاحية انتهاء
بعينين مفتوحتين أطلّت نحو الفراغ ترقب من نافذتها شيئا ما …هي عادة ادمنها منذ سنين ..حين يداهمها الحنين ..
لقادم تنتظره انتظار المرافئ لسفن غرقى .. مرآتها الصغيرة كانت ايضا معها …ترقب من خلالها تغير حالها ..هي تكره ان تفاجئها الايام …
مررت اصابعها برفق على وجنتيها تتحسس اثار السنين التي تركت بقسوة بصمتها … جالت بعينيها المكان ..ليس سوى الهدوء المخيف يلف ارجاء المكان صدى الذكرـــــيات تهز روحها بعنف ..الجميع غادرها ..
اخوتها الذين افنت عمرها لأجلهم …لم يتركوا سوى الذكريات لتبتلعهم الحياة ..لم يبق معها غير همومها وماكنتها …ماكنة الخياطة التي كانت ترافقها كهمومها ..رفيقة لدربها ..وطافت بها الذكريات …
لم تكن سوى فتاة تشبه غيرها ..مدللة عابثة ..هانئة مطمئنة بكنف اب حنون عوضها عن رحيل امها المبكر لكن رياح الزمن كانت اقوى من اشرعتها التي تمزقت بعنف برحيل ابيها ..لتكون وجها لوجه مع قدرها ..
كان عليها ان تعيل اربعة من الأخوة يصغرونها اخوة تربوا في كنفها لتصير لهم ابا واما وكهفا ..حتى اكملوا تعليمهم ووصلوا بصبرها وتصبرها بر امانهم وتحملت مالم تتحمله انثى ..ذل الحاجة التي احتوته بكبرياءها ..وحرمان اختزلته بكرامتها .. وتتكرر المأساة ..فتكون الضحية لجحودهم ..
تركوها ..لأنتفاء الحاجة بعد ان عاش كل واحد منهم دنياه ..تركوها مع همومها وماكنتها ..التي كلما ضاق صدرها حركتها لتسمع صوتها فتحس انهما مازالتا على قيد الحياة ..ثم تذكرت قلبها الذي نبض يوما له ..فأسكتته بقسوة ..رجل دخل حياتها لا تشك لحظة انه احبها ..ظل ينتظرها ..توسل اليها ..ان تلتفت الى شأنها ..ونفسها ..
لكنها ابتسمت له ابتسامة لم يفهمها وقالت في سرّها انا لم اعي بعد الفرق الذي بين نفسي واخوتي تركته وهي تسمع نبضات قلبه تتسارع في صدرها وتهز كل كيانها ..
علمت انه تزوج باخرى لكنها لم تكن سعيدة ولا احد يعلم لماذا سواها …
القت برأسها على ماكنتها ولكنها لم تسمع لها صوتا حين رآها مصلح المكائن ..اطلق ضحكة اوجعت روحها وهو يقول لها انها خردة يا سيدتي ونفذت صلاحيتها للعمل منذ سنوات …
احست بالرجل يوجه اليها اطلاقات رحمة الى روحها الثكلى ..عادت مهزومة تحس بالخواء ..وضعت رأسها على وسادتها وتمتمت بألم وقد تنتهي صلاحيتنا مع الأشياء ….
جواد الحجاج .. جريدة الزمان
(كل شيء قابل للأنتهاء .. تذكروا ذلك جيدا" )