رغد شاكر عبد فرحان
إنّ العدالة هي الغاية التي يجب على القاضي ان يضعها نصب عينيه ويجعلها هدفه في عمله القضائي وصوت العدالة ينادي القاضي في جميع اجراءاته واحكامه فلا تقر له عين الا اذا حقق العدالة في احكامه القضائية..فالفراغ في القانون أو سكوت القانون هو عدم ورود حكم فيه يتناول النزاع المعروض أمام القاضي وكذلك القصور في القانون وهو عدم تضمن النص القانوني لما تقوم الحاجة اليه من أحكام تفصيلية أو جزئية..المادة 30 من قانون المرافعات المدنية نصت على ((لايجوز لاية محمكمة ان تمتنع عن الحكم بحجة غموض القانون او فقدان النص او نقصه والا عد القاضي ممتنعا عن احقاق الحق))،وعلى القاضي في الدعاوى المدنية ان يطبق قواعد العدالة عند عدم وجود النص التشريعي او عدم وجود العرف أو مبادىء الشريعة الاسلامية عملاً بأحكام المادة الاولى من القانون المدني التي اوجبت على القاضي إيجاد الحل العادل للنزاع عن طريق الرجوع الى قواعد العدالة ولهذه القاعدة القانونية مثيلات في المادة الاولى من كل من القانون المدني المصري والقانون المدني السوري والقانون المدني الليبي وكذلك في القوانين الاجنبية حيث نصت المادة الاولى من القانون المدني السويسري على ((في حالة عدم وجود نص تشريعي يمكن تطبيقه فأن القاضي يحكم بمقتضى العرف فأن لم يوجد عرف فبمقتضى القواعد التي كان سيضعها لو انه باشر عمل المشرع )).ويتّضح من ذلك ان فكرة الفراغ في القانون معترف بها في التشريعات العربية والاجنبية، ومع ذلك فهناك بعض الفقهاء ممن يقولون بكمال التشريع وانه لايوجد فراغ فيه ,وتتلخص اراءهم من انه اذا لم يوجد نص في التشريع فمعنى ذلك الدخول في منطقة الاباحة القانونية ,اي لا يلتزم الانسان بأي عمل ايجابي او سلبي فالنقص في التشريع هو في الحقيقة إباحة، بمعنى ان الموافقة على وجود نقص في التشريع تعني السماح للقضاة بأن يحلوا افكارهم الأخلاقـية والسياســيَّة محل تلك التي يعتنقها المشرع ،إلاّ ان الواقع في كمال فكرة التشريع قد اصبحت مهجورة من قبل معظم الفقهاء وبنصوص صريحة في القوانين العربية والأجنبية..أما في الفقه الإسلامي فقد روى عن الرسول محمد (ص) انه ارسل معاذ قاضياً على اليمن فسأله الرسول (ص) كيف تقضي ان عرض لك قضاء .فقال: اقضي في كتاب الله، قال فأن لم يكن في كتاب الله ,قال : بسنة رسول الله ,قال :فأن لم يكن في سنة رسول الله ,قال: اجتهد ولا آلو ،فضرب صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول الله لما يرضي رسول الله..فالتشريع لا يمكن ان يحيط بكل شي ولا يستطيع المشرع ان يتنبأ بكل مسألة ليضع لها حلاً ولهذا لابد للقاضي ان يجتهد للوصول الى الحكم العادل..والواقع أن جميع النصوص القانونية العربية والاجنبية التي عالجت مشكلة الفراغ والقصور تلزم القاضي بالأجتهاد وعلى القاضي في اجتهاده ان يسترشد بالفلسفة القانونية والاجتماعية والاقتصادية في المجتمع..ان اجتهاد القاضي لا يبنى على مجرد الهوى او التحكم ولكنّه يبنى على حسن ادراك المقاصد الكلية للقانون فالأجتهاد يجب ان يخدم اهداف القانون ويحدد خطوات القاضي نحو حل القضايا العملية اذ يجب ربط حكم العادل الذي سيصدره بالواقع الحي للمجتمع، وقد يلجأ القاضي احياناً الى القياس وهو اعطاء واقعة مسكوت عنها حكم واقعه اخرى منصوص عليها لأتحاد العلة في الواقعتين..إنّ العملية القضائية ليست مجرد تطبيق حرفي لنصوص القانون بل انه ايضاً قضاء انشائي يبتدع الحلول العادلة لحسم النزاع وهذا يقتضي من القاضي ان يبذل مجهوداً شاقاً مضنياً في البحث والتأصيل والملاءمة بين المصالح المتضاربة للخصوم في الدعوى..فالجانب الإنشائي في العملية القضائية لا يمكن ان تكون عملية شكلية بل هو توفيق ايضاً بين مجموعة من القيم الانسانية ومصالح الخصوم فلابدّ للقاضي من الاجتهاد عند وجود النزاع في القانون.