الحياة والروح والفرق بينهما:
يقول الله سبحانه وتعالى " عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذى أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلقالانسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعللكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما
تشكرون " " سورة السجدة 6 – 9 " .
الروح غيرالحياة وكلاهمامن الغيبيات التى لا تدركها الحواس ولاتخضع للتجربة والقياس ، والروح هى سر استمرار الحياة وامتدادها ، ولا يعلم حقيقةالحياة وحقيقةا لروح الا الله سبحانه وتعالى ، فالله خلق الحياة وخلق الروح .. وقد خلق الله سبحانه وتعالى آدم من تراب ثم من طين ثم من صلصال ثم من حمأمسنون ، ثم سواه ، ولكنهلم يأمرالملائكة بالسجودله الا بعدأن نفخ فيه من روحه
" فاذا سويته ونفخت فيه منروحى فقعوا له ساجدين "" الحجر 39 " .. فكان نفخ الروح فى هذا الجسد بمثابة خلق جديد له ، وتكريم خاص به ، وتمييز عن كثير من خلق الله .
" ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا " ( الاسراء 70) .. ويتكرر خلق الانسان هكذا منذ خلق الله تعالى آدم وحتىقيام الساعة ، نفس المراحل من خلق ثم تسوية . ثم نفخ الروح ليبدأ خلقا آخر ، فالروحتحل فى الجنين الحى ، اذ أن الحياة فى الجنين سابقة على حلول الروح فيه، فالجنين يتكون من التقاء الحيوان المنوى الحى بالبويضة الحية .
والحياة موجودة فىالحيوان المنوى للذكر ، وفى البويضة الأنثى قبل أن يتم
التلاحق بينهما ،فالحيوان المنوى الحى لا يلقح ميته ، وكذلك البويضة الحية لا يلقحها حيوان ميت ، بلان حيوية الحيوان المنوى لابد وأن تكون بدرجة عالية حتى يتم التلقيح وذلك أن الرجل حين يجتمع بالأنثى فانه يقذف اليها بمئات الملايين من الحيوانات المنوية ، التى تندفع رحلة وسباق الحياة نحو الهدف وهو البويضة ، ولا ينجح فى انهاء تلك الرحلة الابضعة مئات فقط من الحيوانات ، حيث يستطيع حيوان منوى واحد منها فقط أن يخترق جدارالبويضة ليتم التلقيح بينهما ، وعند ذلك لا يستطيع أى حيوان منوى آخر اختراق جدارالبويضة ، ومن المعروف طبيا أنه ان قل عدد الحيوانات المنوية المقذوفة بواسطة الذكرأو ان زادت نسبة الحيوانات المنوية
الضعيفة أو الميتة فيها فان الحمل قد لا يتم، ويفشل الزوجان فى الانجاب لهذا السبب كأحد أسباب العقم وعدم الانجاب .
وعندما يتم التلقيح بين الحيوان المنوى والبويضة ، يمشج كل منهما ما عندهمن مادة الحمض النووى الموجودة على هيئة كروموسومات ، تحمل عناصر الصفات الموروثةمع ما عند الآخر من صبغات ، لتتكون بذلك خلية كاملة العدد من هذة الصبغات ، وذلك أنكلا من الحيوان المنوى والبويضة يحمل فى داخله نصف العدد المميز للخلية البشرية من الصبغات ، فالخلية العادية تحمل ستة وأربعين من الكروموسومات ، بينما يحمل الحيوان المنوى أو البويضة فقط ثلاثة وعشرين فردا من الكروموسومات وهكذا تتكون خلية جديدة هى النواة الأولى للجنين ، وهى " الزيجوت " الذى يستقر بعد ذلك بيوم أو أكثر فى " قرار مكين " ، وهو جدار الرحم .. لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من مراحل الانقسام الخلوى والتكاثر الخلوى والتخلق والتميز الى أنسجة ، ثم أجهزة وأعضاء ، حتى يكتملتدريجيا المظهر العام الخارجى والتركيب
الداخلى للجنين الانسانى .. فمنذ الأسابيع الأولى تبدأ الأعضاء فى التكوين
مبتدئة على شكل براعم وتجمعات خلوية فى التميز تدريجيا ، لتصل فى
النهاية الى شكلها الطبيعى البشرى المميز ، وحتىالأسبوع السادس فاننا نجد أن الجنين ينمو طوليا بمعدل " ملليمتر " واحد كل أسبوع ،ليبدأ بعد ذلك النمو فى الاسراع ليصبح حوالى " ملليمتر " واحد كل يوم ، وبالطبع فان " ملليمتر " واحد زيادة فىالنمو الطولى يعنى اضافة ملايين الخلايا الجديدة لجسم هذاالجنين النامى .
ويلاحظ أن أعلى معدل للنمو يكون بعد نهاية الشهر الرابع منالحمل ، حيث تكون أجهزة الجسم قد أخذت تقريبا شكلها النهائى ، ويكون المظهر الخارجي مميزا للجنين البشرى ، فالوجه والأطراف والأصابع والأعضاء التناسلية قد أخذت جميعها الشكل البشرى المميز .. وخلال المرحلة السابقة يكون الجنين قد مر بمرحلة العلقة متعلقا بجدار الرحم مستمدا غذاءه من هذا الجدار بما فيه من أوعية دموية وأنسجةتتحول تدريجيا الى ( المشيمة ) وبعد ذلك يأخذ أشكالا تبينها الآية الكريمة :
( يا أيها الناس ان كنتم فى ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقةثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر فى الأرحام ما نشاء الى أجل مسمى ثمنخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد الى أرذل العمر ) ( الحج 50 ) .
وفى آية أخرى يبين لنا القرآن الكريم مراحل التخلق داخل الرحم ، لكنهيضيف الى ذلك شيئا جديدا اذ يشير الى " خلق آخر " بعد أن تستكمل العظام نموها ويكسوها اللحم ، فيقول الحق تبارك وتعالى : " ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ،ثم جعلناه نطفة فى قرار مكين ، ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله احسنالخالقين " ( المؤمنون – 12 ، 14 ) .
الروح وحياة الخلية
وعندما نقولان الانسان جسد وحياة وروح ، فاننا فى واقع الأمر نستطيع أن نميز ثلاثة أشكال منالحياة ، فهناك " الحياة الخلوية " هى حياة الخلية الذاتية بكل مظاهرها ، وعملياتهاالحيوية ، ثم بعد ذلك هناك " حياة الجسد " أو " الحياة العضوية " أى حياة الأعضاء ،حيث تتجمع ملايين الخلايا الحية فى نظام دقيق وتناسق تام للقيام بوظائف محدودة ،تمثل وظيفة ذلك العضو كالكلية أو القلب أو الكبد مثلا أو وظائف الجسد كوحدة متكاملة من الأعضاء والأجهزة .. والجسد الحى يتمتع بكل مظاهر الحياة من حركة واحساس وانفعال وتنفس وتغذية واخراج وتكاثر ، الخ وأخيرا ، فهناك بعد ذلك " الحياة الانسانية " حين تنفخ الروح فى ذلك الجسد الحى فتعطيه مقومات جديدة من قدرة على التعليم والتذكروالتفكير والاختيار والتعقل ، بالاضافة الى الاحساس بالزمن وفوق هذا كله فأن الروح تعطى هذا الجسد الحى قوة الاستمرار فى الحياة .
فى استمرار الحياة الخلويةوامتدادها ، وكذلك استمرار الحياة الجسدية
وامتدادها ، يرجع الى وجود الروح وهىلا تتجزأ ، فاذا فصلت خلية واحدة أو انفصل عدد من الخلايا أو عضو مثلا عن الجسدفأنه يفقد اتصاله بالروح وبذلك يفقد القدرة على الاستمرار فى الحياة فيسرع اليهالموت سريعا ، الا اذا أعيد اتصاله بجسده الأصلى أو تم توصيله بجسد يقبله فيتصلبالروح فى هذا الجسد ، وتعطيه القدرة على استمرار الحياة وامتدادها فالجزء المستأصل من جسد الانسان هو نسيج أو عضو حى ولكن بلا روح .
وتتميز الحياة الانسانية بوجود الروح ، فالروح لا تنفخ فى جسد ميت ، وانما
تنفخ فى جنين حى ، ولا يعلمالا الله كيفية نفخ الروح أو كيفية اتصالها بأجزاء الجسم وخلاياه ولا كيفية توفيها حين المنام أو خروجها حين الموت ، غير أنه يمكننا القول بأنه حين اليقظة وتمامالوعى ، يكون اتصال الروح بالجسم اتصالا كاملا وتاما ، بينما يتغير هذا الاتصال حين المنام وعند
الموت .
ومن المشاهدات والخبرات الطبية المتكررة ، توقف القلب والتنفس ووصول البدن ظاهريا الى حالة الموت ، ولكن عند محاولة انعاشه بالصدمات الكهربائية للقلب وبأجهزة الانعاش الأخرى تعود الى البدن حيويته ومظاهرالحياة من جديد ، وفى هذه الحالة لا يمكننا القول بأن الروح قد خرجت من البدن ،ولكن اختفت مظاهرالروح من وعى وادراك وعقل وغير ذلك ، ثم عاد اتصال الروح بالبدنتدريجيا الى سابق عهده مع زيادة قوة الحياة فى البدن حين تم انعاشه، غير انه فىكثير من تلك الحالات تفشل عمليات الانعاش تماما ، ولا تعود مظاهر الحياة الى الجسدثانيةأى أن الروح تكون قد فارقت الجسد بخروجها منه تماما وانفصالها عنه ، ولا تعوداليه حتى لو أمكن الحصول على نوع من التنفس الصناعى ونبض القلب الصناعى أى على بعضمظاهر الحياة لفترات طويلة ، فقد فارقت الروح الجسد وخرجت منه خروج الموت ولا شك أنالتفرقة بين هاتين الحالتين –أى بقاء اتصال الروح بالجسد وحالة خروجها منه خروج الموت – من الاهمية بمكان ، وذلك لتقرير حدوث الوفاة بدلا من الاستمرار فى عمليات انعاش مستمرة ولا طائل ورائها غير شغل الأطباء والأجهزة المكلفة فى انعاش شخص ميت وقديكون غير فى حاجة ماسة الى تلك الأجهزة .