دهمها إحساس بالفقر لافتقارها إلى قناع. كان عليها أن تسرق منه أحد أقنعته. الجميع حولها يملك أكثر من وجه، وهي تواجه الحياة سافرة. إنها تطالب بحقها في امتلاك قناع. القناع كان سيوفّر عليها كثيرًا من الخسارات، والنضالات، والآلام، ويعفيها من ضريبة الحياء، ويخفي عن الآخرين ما ترك البكاء من أثر في وجهها.
مرّ وقت قبل أن تعِيَ أن صوته لن يأتي، وأن بإمكانها بعد الآن أن تشغل الهاتف من دون خوفها الدائم من نوبات غيرته. ومن شكوكه، وتجسّسه الصامت عليها. شُفيت من الرهاب الذي كان يلازمها، كلّ ما اضطرّت إلى تبرير سفرها، أو قبول دعوة، أو مجالسة ملحّن أو شاعر، أو محادثة أحد ووجد الهاتف مشغولًا، فغضب وانقطع عنها لأسابيع.
هي الآن حرّة، لكن كلّما تحرّرت منه، سعدت وحزنت في آن واحد. وكلّما شُفيت من عبوديتها، عانت من وعكة حرّيتها. إنها تتصرّف بيُتم فتاة عليها بعد الآن أن تقرّر وحدها قدرها.
لقد غدت يتيمة مرّتين. ليس الحب وحده ما فقدت، بل تلك القوّة الأبويّة الرادعة التي كانت تطوّقها بالأسئلة، وتحاصرها بالغيرة. اليُتم العاطفي هو ألمك السرّي أمام كل خيار، لأنك في كلّ ما تفعلينه لا تقدمين حسابًا لأحد سوى نفسك، كأنّه لا أحد يعنيه أمرك.
"الأسود يليق بك"