روتانا ـ إيمان المولدي
"موافقة ولي الأمر" جملة قلبت موازين المرأة في عصرٍ يُفترض أنها باتت فيه تُساوي الرجل نوعاً ما، وفي وقتٍ أثبتت فيه قدرتها على تحمل المشاق والصعاب .
المرأة السعودية كغيرها من نساء العرب دخلت مجالات كثيرة وأثبتت جدارتها وقوتها ورجاحة عقلها، ولهذا فإن جملة "موافقة ولي الأمر" سببت أزمة في الشارع السعودي الذي انقسم ما بين مؤيد ومعارض .
كثيرون اعتبروها جملة رادعة للمفاسد غير الأخلاقية، إذ لابد من حدود تقف عندها المرأة ولا تتجاوزها إلا بمواقفة شرعية من الرجل أياً كان أبوها أو زوجها أو أخوها من باب أنه يعرف مصلحتها أكثر منها، وأن القوامة شرعاً له فهو المُتكفل بكل ما يخص حياتها وقراراتها .
أصحاب هذا الرأي يقولون إن الدين والمجتمع كليهما يصبان في بوتقة واحدة ألا وهي ضرورة موافقة ولي أمر المرأة على كل أمر يخص حياتها وقراراتها، معتبرين أن هذا هو الأمر الصحيح والطبيعي، "فالمرأة ناقصة عقل ودين" .
أما الرأي الآخر فيرى أن المرأة كيان مُستقل بذاته وقادر على اتخاذ قرارته وانتقاء ما يخص حياته بنفسه دون الرجوع لولي أمر .
فنوعية الجنس لا علاقة لها برجاحة العقل، فقد تكون المرأة مسؤولة وعاقلة أكثر من الرجل وهذا ما وقفنا عندهُ في حالات كثيرة تكون الزوجة هي عائل الأسرة، بينما الزوج مُهمل ولا يهتم إلا بنفسه .
كما قد يُساء استخدام هذه العبارة بطريقة تظلم المرأة، في التعليم مثلاً يُشترط موافقة ولي الأمر لإكمال دراستها، ما تسبب في نسبة أمية كبيرة نظراً لمنع كثير من أولياء الأمور بناتهن من الدراسة في الوقت الذي يحُثنا الدين نفسه على العلم والتعلم للأنثى والذكر على حدٍ سواء حتى إن أول آيةٍ نزلت في القرآن على رسولنا الكريم هي "اقرأ".
فقد بلغ عدد الأميات لسنة 1427 نحو 62441 مُقابل 22623 من الأميين الذكور أي نسبة الأميات الإناث للأميين الذكور 73.4 في المئة، بحسب إحصاءات وزارة التعليم .
من جانب آخر، يعد العمل أزمة بالنسبة إلى نساء عديدات فهُن بين المطرقة والسندان في حالات كثيرة الزوج أو الأخ أو الأب لا يرحم، فهو لا يصرف عليها ولا يُراعي الله فيها، وفي الوقت نفسه يمنعها من العمل ومن البحث عما يسُد حاجاتها .
وإن تم الطلاق فحالات كثيرة تتعذبُ ولا تجد سوى الظلم والجوع والفقر فهو يستغلُ سلطته كولي أمر لتعذيبها وحرمانها من العمل الذي يسترها ويستر أولادها وهذه الأزمة منتشرة بشكلٍ كبير في المجتمع، فمثلاً نوف امرأة مُطلقة عانت مع زوجها السكير والبخيل والقاسي أثناء الزواج وبعده فقد حرمها أولادها ولم يسمح لها بالعمل وعانت الأمرين لتقرر أخيراً فتح مشروع طبخ صغير في بيتها المتواضع على أمل أن تتحسن ظروفها
والقصة تشبه كثيراً حكاية الممثلة السعودية بدور التي أخبرتنا بمعاناتها بعد طلاقها فهي لم تستطع إكمال دراستها ولا حتى العمل لولا أنها انتفضت بالأخير ونزعت ثوب الخوف والتردد فدخلت مجال التمثيل وبدأت مشوارها المهني رغم الصعوبات والمشكلات التي تعرضت ولا تزال تتعرض لها بسبب هذه الجملة "موافقة ولي الأمر"، فكل الأوراق الرسمية تحت رحمة ولي الأمر، ما سبب لها أزمات وعقبات كبيرة في حياتها الشخصية والمهنية.
جدير بالذكر أنّ 31 في المئة من قضايا الأحوال الشخصية الواردة إلى الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان من بداية تأسيسها عام 1425 هـ وحتى عام 1432 كانت من الطليق، وكان الطليق ظالماً، وبنسبة 7.8 في المئة في قضايا العنف الأسري وبنسبة 21 في المئة من قضايا الأحوال الشخصية بحجب أوراقها الثبوتية أو الأوراق التي تخص أولادها، ما جعلنا نعيد النظر في هذه الجملة وهذه القوانين التي قد يكون فيها خلل من زوايا عدة، فمثلاً إن كان عمل المرأة مقروناً بموافقة ولي الأمر فإذاً لابد لهذا الولي أن يتحمل تكاليفها ويعيلها ويعطيها كافة حقوقها وإلا فمنعه لها يعتبر جوراً كبيراً.
كما أن هذه الجملة قد يساء استخدامها بطريقة تظلم المرأة كثيراً فتضطر إلى الانزلاق إلى ما لا يحمد عقباه.
وهو الأمر الذي دفع البعض لمناشدة السلطات لإعادة النظر في بعض القوانين التي تُعتبر سلاحاً ذا حدين ووضع شروط لكيفية استخدامها لتقنين الاستخدام السيئ لها، ومن أول تلك القوانين "موافقة ولي الأمر".