بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
بأمر من الله تعالى أعدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء (عليها السلام) إعداداً خاصاً من أجل أن تنهض بدورها الرسالي العظيم، ليبدأ بها وبعلي خطّ الإمامة المبارك، وبناءً على إعدادرسول الله (صلى الله عليه وآله) للزهراء (عليها السلام) وإشرافه على توجيهها وفقاًلما تقتضيه إرادة الله تعالى صارت فاطمة (عليها السلام) في مبادئها وأخلاقها كما لوكانت رسالة الله تمشي على الأرض، فهي تجسيد حي وعملي لكلّ ما يريده الله تعالى، ومنأجل ذلك احتلّت أرفع موقع في دنيا النساء من لدن حواء حتى قيام الساعة فهي سيدةلسناء العالمين على الإطلاق، والله يرضى لرضاها ويسخط لسخطها، ورسول الله (صلى اللهعليه وآله) حرب لمن حاربها وسلم لمن سالمها، وهي المطهّرة من كلّ رجس، ومن هنا فإنالصديقة (عليها السلام) تطرح نفسها قدوة للأمة المسلمة بكلّ جيالها وامتدادها كماكان الرسول (صلى الله عليه وآله) والهداة الميامين من أهل البيت (عليهم السلام)،ولكن الصديقة المباركة أولى أن تكون القدوة إلى جانب أهل البيت (عليهم السلام) للقطاع النسائي في الأمة الإسلامية. فكل امرأة تريد أن تسلك درب الهداية والاستقامةوالفضل في الدنيا والسعادة في الآخرة تجد الزهراء (عليها السلام) أعظم قدوة لأجيالالنساء، أمهات وبنات وزوجات. وبمقدور كلّ امرأة أن تتعلّم من الزهراء (عليهاالسلام) دروساً في مكارم الأخلاق والفضيلة لا ينضب لها معين أبداً.
•• انقطاع إلى الله
ففي علاقتها مع الله تعالى ضربت الزهراء (عليها السلام) أروع الأمثلة في العبادة والتوجّه والانشداد إليه تعالى: عن الحسن السبط (عليهالسلام) قال: رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها فلم تزل راكعة وساجدة حتىاتّضح عمود الفجر، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيمهم بأسمائهم، وتكثرالدعاء لهم ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أمّاه لِمَ لا تدعين لنفسك كماتدعين لغيرك؟ فقالت: يا بني الجار ثمّ الدار. وعن الحسن البصري قال: ما كانت امرأةفي هذه الأمة أعبد من فاطمة (عليها السلام) كانت تقوم حتى تتورّم قدماها. وحيث تبلغالصديقة (عليها السلام) ذلك المستوى الرفيع حتى التعلّق بالله تعالى والانشدادإليه، فما أحرى بالفتاة المسلمة أن تسلك درب الزهراء (عليها السلام)، وتتعلم منهادرساً بليغاً في العبادة والتقرّب إلى الله، ونبذ كلّ ما يوحيه الهوىوالشيطان.
•• عفّة وسمو
وبقدر ما كانت الطاهرة الزهراء (عليهاالسلام) تحتل القمّة في علاقتها بالله تعالى كانت كذلك في سمو أخلاقها، وحسبنا فيفضل الزهراء (عليها السلام) أنها المطهرة من الرجس النقية من الدنس كلّه. وإذا كانتكتب السيرة لا تذكر من سيرة الزهراء (عليها السلام) الحافلة بالمفاخر إلا اليسيرفإنّ ذلك اليسير كفيل بإعطائنا صورة عن البعد الشاهق الذي بلغته فاطمة الزهراء (عليها السلام) في مضمار الأخلاق، كيف لا وقد أشرف على إعدادها صاحب الخلق العظيم،والمتمّم لمكارم الأخلاق محمد (ص)، وهذه بعض الملامح من أخلاقها الكريمة: عن عائشةتقول: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً وهدياً برسول الله (صلى الله عليه وآله) في قيامهوقعوده من فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
ولقد كانت الصديقة (عليهاالسلام) حريصة على نشر مبادئها في السمو المتناهي والعفة الرفيعة فهي تتمنّى للمرأةمثلاً ألاّ ترى الرجل المحرم ولا الرجل المحرم يراها، وقد جاءت أمنيتها تلك من خلالإجابتها على سؤال لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الصّدد، ومن هنا فإنّ منالجدير بالفتاة المسلمة أن تقتفي أثر الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين فيالحرص على التزام الأخلاق الإسلامية الفاضلة في تعاملها في البيت مع والديهاوإخوانها وزوجها وأولادها، وأن تكون حريصة على ترجمة إيمانيها بالمبادئ الإسلاميةإلى حركة وواقع، فإنّ المرأة التي تحبّ الزهراء (عليها السلام) ينبغي أن ترفض كلّسلوك وعمل ينافي الأخلاق التي التزمتها الزهراء (عليها السلام) ودعت إليها عبرعمرها الشريف، ولعل ما ينبغي أن تحافظ عليه مسلمة اليوم هو العفّة والشرف، ونبذ كلّمحرم وسلوك يخالف شريعة الله كإظهار المفاتن أمام الرجال في الشوارع وغيرها.
•• جهاد في سبيل الله
ولقد واكبت الصديقة (عليها السلام) رسالة الله تعالى منذ صغرها كلّ وسعها من أجل رفع راية الحق وإظهار دين الله ولوكره المشركون، وهذه نبذة من مواقفها المشهودة في حمل الرسالة والذود عنها، كانتتواكب تطوّرات الموقف الصعيب الذي فرضه المشركون على الرسول (صلى الله عليه وآله) والرسالة في مكة المكرّمة، وتتحمّل ما تستطيع النُّهوض به من المسؤولية، فعن عبدالله بن مسعود قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصلّي عند البيت وأبو جهلوأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيّكم يقوم إلى سلا بني فلانفيأخذ فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلمّا سجد النبي (صلىالله عليه وآله) وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا وجعل بعضهم يميل على بعض… حتىانطلق إنسان فأخبر فاطمة (عليها السلام) فجاءت وهي جويرية طفلة صغيرة فطرحته عنه،ثمّ أقبلت عليهم - على المشركين - تلومهم، فلمّا قضى النبي (صلى الله عليه وآله) رفع صوته، ثمّ دعا عليهم...
وكانت الزهراء (عليها السلام) تضمد جراح رسولالله (صلى الله عليه وآله) بعد غزوة أحد، فكانت تغسل الدم وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يسكب عليها بالمجن، فلمّا رأت فاطمة (عليها السلام) أن الماء لا يزيدالدم إلاّ كثرة أخذت قطعة حصير فحرقته حتى صار رماداً ثم ألصقته بالجرح فاستمسكالدم. هذا ومن الجدير بالذكر هنا أن الزهراء (عليها السلام) قد عاشت الحصار مع بنيهاشم في شِعب أبي طالب، وقاست معهم آلامه ومضايقاته، وهي يومئذ في سن مبكرة كماأنها (عليها السلام) قد تحمّلت مرارة الهجرة بعد هجرة أبيها إلى المدينة المنورةحيث صحبت أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) في هجرته إلى المدينة. وهكذا فالمرأةالمسلمة مدعوّة للاقتداء بالزهراء (عليها السلام) في الذّود عن الرسالة، والدفاع عنمبادئها، التبشير بها في إطار البيت أو المدرسة والمجتمع، ففي حياة الصديقة (عليهاالسلام) غنى وخصوبة في مضمار الجهاد في سبيل الله وحمل مسؤولية الدعوة إلى دينهالأقوم فلتتعلم الفتاة المسلمة مبادئ دينها بالقراءة وحضور الدروس الدينية، ودراسةسيرة الأبرار الهداة (عليهم السلام)، وإرشاد الفتيات الضّالات، وتعليم الجاهلات كلٌفي مجاله وحدود إمكانياته...
•• في الحياة الزوجية
ومن أجل أنتأخذ الفتاة المسلمة من فاطمة الزهراء (عليها السلام) قدوة لها ومثلاً أعلى فيحياتها الزوجية، فإنه ينبغي أن نذكر أمثلة من حياة الزهراء (عليها السلام) في هذاالميدان بقدر ما تسمح محاولتنا هذه في الحديث عنها وبشكل موجز: كان المهر الذي دفعهالإمام علي (عليه السلام) للزهراء (عليها السلام) قليلاً جداً (480 درهم) وهي سيدةنساء العالمين، والمطهرة من الرجس، وبضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله) مما يعطيالفتاة المسلمة والآباء في يومنا هذا درساً بليغاً بوجوب الكفّ عن المغالاةبالمهور، فالمؤمنة لا تقدر بثمن مادي، والمرأة لا تشترى ولا تباع، وإن المغالات فيالمهور يحول المرأة إلى سلعة تُباع وتشترى، فالمسألة في نظر الإسلام هي حصول الزوجالكفء الذي تتوفر فيه شروط الإسلام من إيمان وخلق مستقيم، وقدرة على الإنفاق علىالزوجة، فالعبرة في الزواج هي بناء حياة أسرية مؤطرة بالحبّ والإيمان والوفاء بعيدةعن المشاكل وسوء التصرف، وغلاء المهور لا يحقق الشروط التي هي حقيقة السعادة فيالدنيا... وحين زُفّت الزهراء (عليها السلام) إلى بيت علي (عليه السلام) كانت مراسمالزواج عبادة خالصة لله تعالى فتهليل وتكبير وثناء على الله تعالى ورسوله ودينهالحنيف من خلال قصائد ورجز قالته أمهات المؤمنين في حفل الزفاف.
وهذا المقطعمن سيرة الصديقة المباركة يدعونا أن نلغي الأساليب المحرمة التي ألفها الناس فيمناسبات الزواج من غناء ورقص واختلاط الرجال بالنساء، وصخب غير محتشم، وتجميع لدعاةالفسق في محافل تسخط الله تعالى.
وعلاقة الزهراء (عليها السلام) بزوجها أميرالمؤمنين (عليه السلام) كانت علاقة فريدة رائعة يتبادلان الإجلال والحبّ والوفاءبكلّ ما تحمل هذه الكلمات من معاني إنسانية نبيلة، ويستطيع القارئ الكريم أن يطلععلى صور من تلك العلاقة الفريدة من خلال قراءته للسيرة المباركة، فمن مصاديق تلكالعلاقة الفريدة المؤطرة بالحبّ والوفاء والرحمة أن أمير المؤمنين (عليه السلام) والزهراء (عليها السلام) قد قسما العمل بينهما، فعن أبي عبد الله الصادق (عليهالسلام) يقول: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة (عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز.
واقتداءً بالزهراء وعلي (عليهما السلام) ينبغي لشبابنا الفتيان والفتيات أن يقتدوا بهما في ميدان العلاقة الزوجية، فيعملواعلى إقامتها على أساس الحبّ الصحيح، واحترام الآراء وإشاعة جوٍ من التعاون والتلاحم لتشيع السعادة في الأسرة المسلمة.