المتابع للاعلام السعودي والمواقف السياسية للسلطات السعودية ازاء اليمن ، يخرج بنتيجة واحدة مفادها ان السعودية اعلنت الحرب الشاملة على اليمن ، مستخدمة سلاحها التقليدي ، المجموعات التكفيرية التي تحمل الفكر الوهابي وفي مقدمتها القاعدة و "داعش" ، دون الاخذ بنظر الاعتبار التداعيات الكارثية لهذه السياسة على اليمن والمنطقة وعلى السعودية نفسها.
بعد أسابيع قليلة على توليه العرش، رسَّخ الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز الفكرة الرائجة عنه بأنه أكثر تشدداً وحزماً من معظم أسلافه في الملفات الداخلية والخارجية. رتّب سريعاً البيت الداخلي. طمأن حلفاءه الاميركيين حيال هذا الترتيب الذي مهَّد الطريق للجيل الجديد.
عيَّن في ولايتي العهد وبعض الادارة من يقودون حملة ضد الارهاب، وفي مقدمهم ولي ولي العهد الامير محمد بن نايف. قلًّص دوائر استشارية كثيرة في العرش. وها هو الآن يتفرَّغ لمواجهة ما تسميه السعودية «التمدد الايراني السافر» في المحيط السعودي وفي الدول العربية.
منذ رفضه قدوم الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح للمشاركة في جنازة الملك عبدالله، أعطى الملك سلمان الاشارة الاولى في اتجاه اليمن وأنصار الله الحوثيين.
السعودية لم ولن تستسيغ المساعدة الكبيرة التي قدمها صالح للحوثيين. وبنقله سفارة السعودية الى عدن، وما تبعها من نقل لسفارات خليجية اخرى، رفع الملك سلمان مستوى المواجهة الى درجة الضوء الاحمر مع الحوثيين وايران.
اللافت ان خطوة نقل السفارات الخليجية كانت قد أعقبت اقفال سفارات أطلسية في صنعاء، فبدا الأمرُ منسَّقاً بين أميركا وحليفها السعودي. السعودية تريد كسر قاعدة اللعبة في اليمن، واميركا تريد ضغوطاً تفاوضية على ايران لتسريع توقيع الاتفاق.
قالت كبيرة المفاوضين الأميركيين ويندي شيرمان إن «أي اتفاق لن يكون صفقة كبرى مع إيران، وإن واشنطن تدرك جميع أبعاد تصرفات إيران الإقليمية». هذا كلام يراد له طمأنة السعودية واسرائيل قبل غيرهما.
ظهر الأمر وكأن الضوء الاخضر الذي اعطي سابقاً للحوثيين بغية ضرب الارهاب وابعاد الاخوان المسلمين في اليمن قد انطفأ بعدما صار التصرف والخطاب الحوثيان يوحيان بالسعي للسيطرة على كل اليمن.
من المنتظر ان يرد الحوثيون بخطوات واجراءات سريعة، بدأت عبر فتح خط طيران مباشر مع طهران. يحكى عن مفاجآت اخرى. اليمن مرشح اذاً لمزيد من الدماء على مائدة الصراع الاقليمي.
جاءت الرسالة السعودية الثانية صوب مصر. أوحى الملك سلمان بالرغبة في كبح بعض جماح الاندفاعة السياسية والمالية التي انتهجها الملك عبدالله حيال القاهرة.
لا ترغب السعودية في انهيار الوضع في مصر، لكنها لن تقبل ان تنهض مصر أكثر مما ينبغي، لأن في النهوض الكبير استعادة للدور العربي الاول.
التسريبات الهاتفية للرئيس عبد الفتاح السيسي مع قادة عسكريّين أثارت قلقاً من النوايا الحقيقية للسيسي. هي ليست مرشحة اذاً للنسيان قريباً في الخليج (الفارسي)، تماماً كما لم ينس الخليج (الفارسي) اتهام الرئيس بشار الاسد لبعض القادة بـ «انصاف الرجال».
كان الانذار السعودي واضحاً عبر بيان مجلس التعاون الخليجي، الذي انتقد اتهام مصر لقطر بدعم الارهاب.
صحيح ان بياناً آخر صدر يؤكد الدعم الخليجي لمصر، لكن من الصعب الاقتناع بأن في الأمر خطأ. يبدو ان السعودية انزعجت من الاتهام المصري لأنه تزامن مع استقبال الملك سلمان لأمير قطر.
أدرك الرئيس السيسي ان في الموقف السعودي ما يشي ببعض القلق. كرر مقولته الشهيرة بأن أمن مصر من أمن الخليج (الفارسي) والعكس صحيح.
كرر كذلك المقولة الاخرى بشأن «مسافة السكة»، اي استعداد الجيش المصري لمساعدة اشقائه الخليجيين والعرب إذا تعرضوا للخطر. لا بأس ان يكرر ذلك حتى ولو ان «مسافة السكة» اختفت حين جارت اسرائيل قصفا وقتلا وتدميرا على الجوار المصري في غزة، فأحرجت السيسي ايَّما احراج.
انزعاج سعودي آخر من مصر لم يُعلن كثيرا، لكنه بقي تحت الرماد. يتعلق الأمر بالمعارضة السورية. صحيح ان القاهرة استضافت مؤتمرا لجمع المعارضة، لكنها تعمدَّت تهميش الائتلاف، ولم تجب حتى الآن على طلب زيارة من رئيسه خالد الخوجة (وفق ما يروي هو نفسه للزميل احمد علي في الوطن القطرية).
كذلك يحكى عن حرص الجيش المصري على الحفاظ على صلابة الجيش السوري، وعن رغبة مصرية في اعادة سوريا الى مقعد الجامعة العربية.
مثل هذه الخطوات ترفضها السعودية، ولعلها تلوّح بسيف المساعدات المالية لمنعها، لكنّ السيسي وجد قاسماً مشتركاً، فتحدث عشية وصوله الى الرياض عن «حل سياسي، ووحدة الاراضي السورية ومكافحة الارهاب»، متجنباً اكثر من سؤال عن مستقبل الرئيس السوري في هذا الحل.
قريباً تستضيف مصر قمتين، واحدة اقتصادية، واخرى عربية. ستظهر جلياً طبيعة العلاقة السعودية ــــ المصرية، التي يبدو ان الطرفين حريصان على الحفاظ عليها حتى لو اختلفت أهداف وآمال كل طرف.
ظهر الحرص المصري من خلال احاديث السيسي، وظهر الحرص السعودي من خلال ذهاب الملك سلمان بنفسه الى المطار لاستقبال الرئيس المصري.
فهل تصل المساعدات المالية؟ هذا سؤال مفصلي.
تحتاج السعودية إلى مصر وتركيا في مشروع مواجهة ايران. الحاجة سياسية وعسكرية.
العلاقة مع القاهرة مستقرة حتى لو شهدت تغييرات. كل الكلام عن اعادة تعويم الاخوان المسلمين بضغط اميركي ولحاجات عربية ودولية في مواجهة داعش، يحمل الكثير من المغالاة.
فقبل ساعات من توجه السيسي الى الرياض صدرت في القاهرة احكام الاعدام ضد قادة الاخوان المسلمين، وكذلك من خلال تصنيف محكمة مصرية لحماس منظمة ارهابية.
هذه الخطوات المصرية زادت في غضب الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. ربما تعمدت اغضابه فسارع للاعلان من تركيا قبيل وصوله الى السعودية بان لا لقاء مع السيسي في الرياض مطالبا قبل ذلك بخطوات جادة من مصر.
صعب ان نرى اردوغان والسيسي يتصافحان طالما بقي الرئيس المصري يطارد الاخوان فجل مشروع تركيا في الشرق الاوسط مبني على هذا الحصان الاخواني.
بالرغم من هذا التنافر المصري ــــ التركي، فان السعودية تسعى لأن تصبح الساحة الاولى للتحرك الاقليمي ضد الطوق الايراني الذي ترتفع حرارته من العراق الى اليمن وصولا الى التغييرات العسكرية اللافتة على جبهتي الشمال والجنوب في سوريا.
يبدو هذا التحرك مفصليا الآن مع الكلام عن قرب التوصل الى اتفاق ايراني ــــ أميركي، لكنّ اللافت ان الرئيس باراك اوباما، الذي جاء على رأس وفد كبير يدعم الملك سلمان بعيد ساعات على وفاة الملك عبدالله، فتح ابواب البيت الابيض للزائر القطري الامير تميم، الذي تحسنت علاقاته بالسعودية على نحو جيد في الاسابيع الماضية، كما اعلنت واشنطن اتفاقها مع اردوغان على تدريب المعارضة السورية «المعتدلة». واضح ان واشنطن ترسم بدقة حدود التوازنات الاقليمية حتى لو انها في أوج تخبطها في المنطقة.
أين ستكون الانعكاسات الاولى لهذه الحركة السعودية؟
لنراقب اليمن عن قرب (فالجنوب نفسه قد ينقسم على نفسه حيال الحضور الخليجي)، ولنراقب ايضاً الجبهات السورية، ذلك ان العراق بات مرصوداً غربيا لمواجهة الارهاب، ومن الصعب السماح للاعبين الاقليميين بتغيير قواعد اللعبة فيه حالياً.
سامي كليب - موقع الاخبار
http://www.alalam.ir/news/1681429