الرعب الأوروبي- الأمريكي من الحكومة اليونانية الجديدة
المصدر
فوز حزب سيريزا في الانتخابات اليونانية واختيار “ألكسيس تسيبراس” لمنصب رئيس الوزراء الجديد لليونان، لم يؤد إلى خوف واستياء قادة اليورو فحسب، بل في امريكا أيضاً يشعر المسؤولون في البيت الابيض بالقلق العميق إزاء التطورات في الاتحاد الأوروبي ودور تسيبراس في المعادلات السياسية والاقتصادية في أثينا. والرئيس الأمريكي باراك أوباما يدرك جيداً عواقب وآثار احتمال خروج اليونان من منطقة اليورو، وسير هذه المنطقة الاقتصادية نحو الانهيار.
ولعل البعض يعتقد أن إضعاف اليورو سوف يؤدي إلى تعزيز الدولار الأمريكي، ولكن يجب ألا ننسى أن ترابط السوق الأمريكية والأوروبية ببعضهما البعض، يجعل الأضرار تستهدف كليهما في الأزمات المتزامنة. والدعم الثابت للمسؤولين الأمريكيين لخطة التقشف الاقتصادي التي طرحتها أنجيلا ميركل وثقتهم بالمستشارة الألمانية، يعود إلي هذا الأمر أيضاً. وتبحث واشنطن الآن عن صمام أمان في أوروبا، يستطيع من خلال استمرار سياسات التقشف (باعتبارها السبيل الوحيد لخروج أوروبا من الأزمة)، منع تصعيد الأزمة الحالية في الاتحاد الأوروبي ولاحقاً في امريكا. ومع ذلك، يبدو أن ميركل قد فشلت في هذا الصدد. وفوز حزب سيريزا في الانتخابات العامة في اليونان، سيسرع من انهيار منطقة اليورو وإنشاء الفجوة في هذا الحقل الاقتصادي. ويبدو أن القضية هذه المرة أكثر خطورة بكثير من ذي قبل.
وفي الوقت الراهن تحوّل حزب سيريزا إلي كابوس لامريكا أيضاً. وتوجه هذا الحزب نحو موسكو من جهة، وموقفه من الكيان الإسرائيلي من جهة أخرى، قد أدى بالمسؤولين في البيت الابيض إلى الشعور بمزيد من القلق حيال ما يحدث في اليونان، وتزداد هذه المخاوف عندما يعلن المسؤولون اليونانيون صراحة عن نهاية إصلاحات التقشف الأوروبية في أثينا.
إن فوز سيريزا في اليونان سيخلق العديد من التهديدات ضد واشنطن أيضاً. وستستهدف هذه التهديدات في البداية الديمقراطيين ، ومن ثم الجمهوريين في أمريكا. والآن يشعر الديمقراطيون بالقلق إزاء تحركات سيريزا أكثر من الجمهوريين. وعلي أية حال، فإن انخفاض مؤشرات النمو الاقتصادي والاستثمار الأمريكي في الاتحاد الأوروبي (نتيجة ضعف منطقة اليورو) سيصوب السهام نحو ديمقراطيي البيت الأبيض، ولكن سيكون ذلك على حساب كلا الحزبين الأمريكيين في المدى الطويل.
ويعتقد بعض المحللين أن امريكا وبعد فوز سيريزا، يجب أن تستعد لمواجهة أوروبا جديدة. ومع ذلك أوباما غير جاهز لهذه المواجهة علي الإطلاق. وربما يمكن القول إنه بالإضافة إلي أوباما، فإن المسؤولين الأمريكيين الآخرين أيضاً ليسوا مستعدين للتعامل مع أوروبا الجديدة هذه . واستمرار تأييد أوباما لخطط أنجيلا ميركل التقشفية يعكس غياب هذا الاستعداد للبيت الأبيض.
التحولات التي تحدث في كل مكان في أوروبا، ليست لصالح موقف أميركا تجاه الاتحاد الأوروبي بشكل إجمالي. وفي هذا السياق، أمام أمريكا خياران: إمحاء منطقة اليورو مرة واحدة، أو الإحياء الكامل لمنطقة اليورو! وهذان الخياران لا توجد إمكانية لتحقيق أي واحد منهما . وحتى إذا كان حل منطقة اليورو لصالح الموقف الأمريكي العام، إلا أن هذا الأمر لن يحدث مرة واحدة، والتآكل الزماني الناجم عن ذلك سيستهدف النظام الاقتصادي الأميركي حتماً.
وتحقيق الخيار الثاني، أي الانتعاش الكامل لمنطقة اليورو يبدو من غير المحتمل أيضاً. وتشير الأدلة المتاحة إلى أن منطقة اليورو لن تعود إلى أيام قدرتها، ذلك أن فوز الأحزاب اليمينية واليسارية القومية والراديكالية، تعزيز خلفيات الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، الغضب الشعبي ضد سياسات التقشف الحالية في أوروبا، ظهور الأزمات الأمنية في منطقة اليورو والاتحاد الأوروبي وتقويض اتفاق شنغن و … ، لم يترك مجالاً لعودة الاتحاد الأوروبي بشكل فعال إلى قوته الأولي. وفي مثل هذه الظروف، لا يمكن أيضاً فصل الترابط الاقتصادي بين أمريكا والاتحاد الأوروبي، لأن أي تغييرات هيكلية في الاقتصاد الأمريكي الكلي ستقتضي الكثير من التكاليف في النظام المالي لهذا البلد.
أوباما أيضاً مثل أنجيلا ميركل والمسؤولين الأوروبيين الآخرين، قلق حيال اسم سيريزا والأثر الذي سيتركه فوز هذا الحزب علي المعادلات الاقتصادية والسياسية في أوروبا. والجانب الاقتصادي هو بعد واحد من هذا القلق فحسب، وهناك أبعاد أخري أيضاً مثل التقارب بين أثينا وموسكو الذي أوصل هذه المخاوف إلي ذروتها.
ومن الواضح أن حزب سيريزا وخلافاً لحزب الديمقراطية الجديدة (بزعامة رئيس الوزراء اليوناني السابق أنطونيوس ساماراس)، لا يرغب بالتماشي مع الاتحاد الأوروبي في مواجهة روسيا. الأمر الذي أثار استياء قادة حلف شمال الأطلسي وبعض الزعماء الأوروبيين من اليونان. وفي مثل هذه الظروف، مازال البيت الأبيض غير قادر على الامتصاص والتحليل المبدئي للتطورات في اليونان. والصدمة التي ألحقها فوز سيريزا علي بعض الدول الأوروبية، قد انتقلت أيضاً إلي امريكا مباشرة، وهي الصدمة التي ستصيب الحزب الديمقراطي على المدى القصير، ولكنها ستنزل علي كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري على المدى البعيد.